مع الأحداث
حسين الرواشدة :لا أدري إذا كان عصر الحروب التقليدية باستخدام الجيوش سيتلاشى تدريجيا أمام الحروب الالكترونية الجديدة التي لا تحتاج لأكثر من مجموعة من «القراصنة» وجهاز كمبيوتر وانترنت، لكن ما سمعناه - مؤخرا - عن قيام عدد من الشباب الجزائريين باختراق موقع بنك إسرائيل المركزي يفتح مجددا قصة هذه الحروب المدمرة اقتصاديا واجتماعيا، كبديل لما ألفناه من حروب على الأرض.في وقت مضى كان البعض يشعر «باليتم» الحقيقي في مواجهة الثورة التكنولوجية التي اجتاحت عالمنا ، إلى درجة أن كثيرا من فقهائنا أصدروا فتاوى «بتحريم» أو منع استخدام الانترنت ، وكنا نقول آنذاك بأن الهجرة إلى الانترنت أصبحت فريضة ، وأنها لا تقل أهمية عن الهجرات الأولى التي أسست لبناء دولة الإسلام ، وها هي الأيام تثبت بأن هذه الشبكة المعلوماتية تحولت فعلا إلى ساحة للمواجهة ، لا على صعيد ما نسمعه من دعوات للمعارضة والاعتصام والنقد وتبادل الآراء الحرة فقط ، وإنما على صعيد إدارة المعارك البديلة «الكترونيا» ضد الدول أيضا.العالم ينظر إلى القرصنة الالكترونية كجريمة ، ولكن الشباب الذين اخترقوا نحو ألف موقع إسرائيلي على الشبكة يرون أنهم «غير إرهابيين» وأنهم «يحاولون التعبير عن أنفسهم والدفاع عنها» ويقولون «لا يمكن أن تقارن القرصنة على أجهزة الكمبيوتر باستخدام القنابل وقتل الأبرياء» ، وحين كانوا ينتهون من عملية الاختراق يتركون على الموقع جملة واحدة «كلما تماديتم في قتل الفلسطينيين ، نشل شبكتكم الالكترونية».هل بوسعنا - إذن - أن نتنبأ بأننا أمام حرب الكترونية ، أو «جهاد الكتروني» كما يسميه هؤلاء الشباب الذين يعترفون «بأنهم فخورون بانجازهم» ويتوعدون «بالوصول إلى مواقع اكبر وأهم» إذا واصلت إسرائيل حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني ، قد يبدو ذلك صحيحا ، وهذا ما عبرت عنه التصريحات الإسرائيلية التي اعترفت بأن مواقعها قد تعرضت فعلا للاختراق ، وإنها تكبدت خسائر فادحة بسببه وتتوقع المزيد منه ، ولكن هذه القرصنة لا تتوقف - فقط - ضد إسرائيل ، بل أنها تهدد العالم كله ، وهذا ما اعترف به التحالف الدولي لحماية حقوق الملكية الفكرية حين أشار إلى الدول المارقة أو «الدول الأولى بالمراقبة» وهي التي تتواطأ أو تمارس هذه الأعمال ، وفي مقدمتها الصين وروسيا وكندا..من المفارقات إن الدول التي تشكو من القرصنة الالكترونية تمارسها فعلا ، ففي أمريكا مثلا قرر مكتب التحقيقات الاستعانة بالقراصنة في اختراق كثير من المواقع الرسمية والشخصية الخاصة بدول أو إفراد متهمين «بالإرهاب» ، كما إن القوانين الأمريكية الجديدة تسمح بمثل هذه الممارسات في إطار ما يسمى بالحرب على الإرهاب.على صعيدنا العربي ، يمكن لمن يتصفح بعض المواقع أن يجد مئات الدعوات التي تنطلق للمشاركة في منتدى «الهكرز» ، وفي إحداها ستقرأ «لمن يرغب بالانضمام والمشاركة في الهجمات الجهادية ضد مواقع إسرائيلية».. ثم يضع عنوانه والانجازات التي تحققت في هذا المجال ، وهي دعوة تذكرنا بزمن المواجهة العسكرية حيث كتب في الرسالة «نبدأ بترتيب الصفوف في البداية ، ونقوم بترشيح شخص ليكون القائد ، ويكون له مساعدون.. الخ».ما استطيع أن أقوله هنا إننا أمام عالم يسير بسرعة نحو الحروب والمواجهات بأنواعها ، وان ما لم تستطع الحروب التقليدية أن تنجزه يمكن أن ينجز الكترونيا ، وان كثيرا من الأسلحة التقنية التي نضعها في بيوتنا ، ونعتبرها نعمة ، قد ترتد إلى صدورنا ، مثلما أنها قد تكون ميدانا آخر يجد فيه بعض الشباب فرصتهم للعمل ، وأي عمل؟ أو للجهاد ، وأي جهاد؟ ، أو للتغيير... وأي تغيير ايضا ؟.* عن/ صحيفة “الدستور” الأردنية