مع الشاعر/عبدالله هادي سبيت
يا باهي الجبين كم مرت سنينوأنا في أنين ليلي من بحين قالوا مستحيل،تحظى بالقليل خذ غيره بديل،قلت لهم منين من غيرك منى قلبي،يطفي لوعتيمن ذا يشبهكياذي انته بأشجاني،تسيل دمعتي هب عمري معاك مانساها ليالي،مرت يا جميلوالشعر المنعثر والطرف الكحيل تايه بينهم حائر وانته دليل ..ياباهي الجبينهذه الكلمات الرقيقة باللهجة اللحجية اليمنية والقريبة هنا من الفصحى من تأليف وتلحين الأستاذ الشاعر المعروف عبدالله هادي سبيت،وغناء الفنان اللحجي المبدع محمد صالح حمدون،كانت لحج وعدن – بل اليمن من أقصاها إلى أقصاها.تتغنى ليل نهار بهذه الأغنية الراقصة في أواخر عام 1957م،واستمرت اليمن تتغنى بهذه الأغنية سنوات طويلة بعد ذلك.وكان الفنان محمد صالح حمدون الذي انتقل إلى رحمة الله منذ عامين – يومها صبياً في سن المراهقة،وكان قبل ذلك قد هز اليمن أيضاً ببعض الأغاني الشجية،لعل أكثرها انتشاراً كانت أغنية “سألت العين”من كلمات الأمير محسن صالح مهدي،وتلحين الشاعر عبدالله هادي سبيت،ومنها:سألت العين حبيبي فين أجاب الدمع راح منكحبيبك ما سأل عنك وخلى القلب في نارين وهذه الأغنية اشتهرت في الخليج وغنتها المطربة الإماراتية موزة سعيد منذ أكثر من ثلاثين عاماً،وسجل مؤلفاً كتاب “جذور الأغنية اليمنية في أعماق الخليج “إنها من تأليف شخص مجهول،وهي في الواقع للأمير مهدي.لقد كرم عبدالله هادي سبيت مؤخراً ضمن فعاليات الاحتفالات بصنعاء عاصمة للثقافة العربية ،(وهي الاحتفالات والفعاليات التي تستحق الإشادة بعد أن تجاوز عدد النشاطات أكثر من ثلاثمائة،وتجاوز نشر الكتب مئة وخمسين من الكتب الجيدة الإخراج والمحتوى،أي بمعدل نحو كتاب في اليوم،ما يثبت انه عندما يكون المسؤولون جادين يمكنهم القيام بالشيء الكثير في خدمة الثقافة)،وهو تكريم يستحقه منذ عهد بعيد لخدمته للشعر الفصيح والشعبي واللحن والفن والغناء..وأيضاً لاهتمامه بالتربية والتعليم في لحج،ولعل عبدالله هادي سبيت أفضل شاعر فصيح أنجبته لحج،وإن كان شعره الفصيح أقل أهمية،وشهرته من كلمات الأغاني التي ألفها وطارت شهرتها،وهو بهذا في مستوى القمندان،وصالح مهدي،وصالح نصيب،وصالح فقيه،وغيرهم من كبار شعراء الأغنية اللحجية.والواقع أن سبيت كان أيضاً قد كرم بعد قيام الوحدة،حين خفف الشموليون من غلوائهم.وأذكر أن أستاذ اللغة العربية في مرحلة المدرسة المتوسطة في عدن،قرأ علينا أبياتاً وطنية من قصيدة لعبدالله هادي سبيت،كان ألقاها في حفل حاشد بلحج بمناسبة ذكرى المولد عام 1372هـ بعنوان “ألا صبا نجد” ومازلت أذكر منها هذه الأبيات عن الأمة:أضاعت تعاليم السماء فضيعت وهيهات لن يغني سواها ولن يجديمتى أعتز بالإسلام غر مخادع ذليل مهان القدر مستضعف الحدمتى اعتز بالاسلام من نام هانئاعلى الضيم والمكروه في ذلة العيدمتى اعتز بالإسلام من عاش عالة على الدهر يستندي الجبين ويستجديمتى اعتز بالإسلام من مد كفه يصافح كفاً قد أذلته بالقيد متى اعتز بالإسلام من باع جنسه وأوطانه خسراً ببارقة الوعد أضعنا أبا الزهراء حصناً بنيته لنا فطعمنا المر أحلى من الشهدهناك على الغبراء كم من مشرد عن الدارين بين الريح والشمس والبرد وفي هذا البيت إشارة إلى مأساة نكبة فلسطين التي كانت حديثة العهد وقتذاك،وسبيت قد كتب عن فلسطين الكثير من القصائد،وكان يلقيها في مهرجانات شعبية في لحج للشعر والغناء يحضرها.كما يذكر في مقدمة ديوانه “الدموع الضاحكة”.الثلاث ألاف والخمسة ألاف شخص.وعبدالله هادي سبيت له ستة مؤلفات على الأقل،أشهرها ديوان “الدموع الضاحكة”.الذي يحوي شعره الفصيح والعامي،وقد أعاد نشره أكثر من مرة وكانت طبعته الأولى عام 1953م بمقدمة للأستاذ عبدالله علي الجفري مدير المعارف بلحج،وهو شقيق السياسي المعروف محمد علي الجفري قاضي مدير قضاة لحج،ومؤسس حزب رابطة أبناء الجنوب،ويذكر ابتدأ سبيت الشعر عندما كان يرافق أباه إلى مجلس الأمير أحمد مهدي بن علي،الذي كان يحضره شعراء أمثال:حسن أفندي،ومسرور مبروك،ويرى الجفري أن عبدالله سبيت شخصية مثالية أحب وطنه وأمته وتفاعل في إنهاض أمته بقصائده:وجعلت من وطني حبيباً حبه يملي الشقاء فيكتب التخليدما أن بعثث بصيحتي في سمعها إلا ولا قت جفوة وجحوداً ويقول الجفري:أن شعر ابن هادي وشخصيته تتركز في كلمة واحدة:الوطن:الوطن،فهو يحب هذه البلاد ويسعى لخيرها،أفتخر ببلاده وأمته،وأن نصح لبلاده وأمته،وهو آخر الأمر أن تغزل،فإنما يتغزل ببلاده.ونحن وإن كنا نوافق الجفري على عشق سبيت لوطنه،إلا إننا نختلف كثيراً معه بأنه أن تغزل فإنما يتغزل بوطنه،فما أكثر القصائد والأغاني التي كتبها في الغزل بالمرأة،والتي لا يمكن أن تفسر إلا بأنها قصائد حب وغزل بالمرأة.واليمن يعرف شعراء أمثال:محمد محمود الزبيري،وقفوا كل شعرهم تقريباً على الوطن والسياسة.أما سبيت فقد جمع إلى السياسة،كما كتب الكثير من الشعر الديني ذي الترعة الصوفية.ولسبيت دواوين أخرى مثل:”الظامئون إلى الحياة” بالفصحى،و”مع الفجر” بالعامية،و” قصة الفلاح والأرض” بالعامية،و”أناشيد الحياة” بالفصحى،ومسرحية صغيرة بالفصحى،بعنوان “مسرحية الوضوء”.”أما ديوانه”الدموع الضاحكة” فقد أعاد طبعه موسعاً عام 1980م بعد أن نزح من لحج أولاً إلى القاهرة عام 1960م للالتحاق بالسلطان علي عبد الكريم،الذي كان قد أستقر في القاهرة عام 1959م بعد أن منعه الإنجليز من العودة إلى كرسي حكمه ثم بعد ذلك أستقرسبيت في مدينة تعز،في ما كان يعرف بالشطر الشمالي من اليمن،وذلك بعد حكم الشموليين في الشطر الجنوبي بعد استقلال الجنوب عام 1968م،وهكذا لم يستطيع العودة إلى لحج بعد رحيل الاستعمار،وإنما عاد في فترة متأخرة بعد وحدة اليمن.يذكر الأديب العراقي هلال ناجي في كتابه “شعراء اليمن المعاصرون” في فصل خص به سبيت،أنه ولد الحوطة،وتعلم في مدرستها المحسنية،ثم أمتهن التدريس زمناً،وصار وكيلاً للمعارف في لحج سنة 1948م،وعمل سكرتيراً خاصاً لسلطان لحج،وأخبرني الصديق عبده درويش احمد العزيبي أن سبيتاً عمل في لجنة الإنعاش الزراعي عام 1956م بعد أن ترك وظيفة وكيل إدارة المعارف،وقبل العمل سكرتيراً للسلطان.ويقول هلال ناجي:أن التيارات في شعر سبيت الفصيح هي:التيار الديني،والتيار الوطني،والتيار الخاص بالمدائح منها:مدائح إمام اليمن،إضافة إلى مدح سلاطين لحج،والتيار الوجداني،ويقول أن الحزن كان يرين على حياة الشاعر:فاشهد بريك يا وليد بأنني قد صغت من نفسي الحزينة عوداما أن تثور بي القريحة لحظة إلا لتصهر قلبي المنكوداويذكر د.محمد عبده غانم في كتابه “شعر الغناء الصنعاني”انه بعد 15 عاماً تقريباً من بروز القمندان والأغنية اللحجية،ظهر عبدالله هادي سبيت،وبروز في أغاني الغزل،ولكن أيضاً في الأغاني السياسية.أما الشاعر الناقد اليمني الكبيرد.عبد العزيز المقالح،فيشهد في كتابة “الأبعاد الموضوعية والفنية لحركة الشعر المعاصر في اليمن”بأبيات من قصيدة سبيت “من هنا نبدأ”،فيقول:” اليس في القصيدة نفس جديد؟أو ليس صوت الرصاص في الشعوب المقهورة أجدى من أصوات كل القصائد والكلمات التي لا يسمعها “الغير”؟والغير قد يكون الاستعمار البريطاني في جنوب البلاد،وقد تكون الإمامة في شمالها،وقد يكون الاستعمار والإمامة معاً”..أما أنا فأظن أن سبيتاً كان يقصد الاستعمار،فقد سبق أن مدح الأمام:يا رجالاً تقدموا موكب الزهو والفخارأشعلوها حمية تسحق العار والشنار وأسمعوا الدهر صرخةتصرخ الليل بالنهار وأفهموا الغير أننا قد بدأنا ولا اصطباراسمعوه فانه ألف السمع بالرصاص وأخبروه بأنها قد دنت ساعة القصاصوبعد انطلاق ثورة الجزائر عام 1954م،أنشأ عبدالله هادي سبيت مع مجموعة من زملائه عام 1956م ندوة الجنوب الموسيقية خصيصاً،لأحياء حفلات لدعم ثورة الجزائر،وكانت أول أغنية للندوة بعنوان “أخي في الجزائر “ من كلمات صالح نصيب،والحان الأمير محسن مهدي،وكانت ثاني أغنية بعنوان “فلتحيا الجزائر”،من كلمات عبدالله هادي سبيت،والحان محسن بن علي أحمد، ومن أشهر الأغاني الحماسية في تاريخ جنوب ا ليمن أغنية عبدالله هادي سبيت “يا شاكي السلاح”التي غنيت في حفل كبير لدعم ثورة الجزائر عام 1957م في منطقة دار سعد:يا شاكي السلاح شوف الفجر لاححط يدك على المدفع زمان الذل راح كما كانت أغنيات حماسية أخرى مثل:يا ظالم ليه الظلم دا كله كم نايم في العالم صحا عقلهوقد غناها الفنان العدني الشعير محمد مرشد ناجي المعروف بالمرشدي،الذي كان قد تأثر بنهج عبدالله سبيت خصوصاً بأغنيته الشهيرة عن “القطن”،الذي أدخل الإنجليز زراعته إلى لحج ثم أبين ومطلعها”با نجناه”.ومن أغاني سبيت الحماسية الشهيرة:والله أنه قرب دورك يا ابن الجنوب”التي غناها الفنان المعروف عوض عبدالله المسلمي،الذي أدى أيضاً أغنية “يا شاكي السلاح”،فبعض الأغاني الشهيرة كان يغنيها أكثر من مغن مشهور،بل أن لي شخصياً أغنية لحنها وغناها ثلاثة فنانين هم:أحمد بن احمد قاسم،وأبو بكر فارع،وفرسان خليفة،وهي أغنية “ياليل قلبي ملان” وذلك بالحان مختلفة تماماً.والمرشدي لحن أغنية فصيحة لسبيت بعنوان”استفسار” عام 1960م تقريباً،وهي أغنية معروفة:سالتني عن هوايا فتناثرت شظاياأفلا تدرين عني لوعة هدت قوايا أنا ياحواء قلب ذائب بين الحناياوقصائد سبيت الفصيحة المغناة قليلة،أما أغانيه باللهجة اللحجية فكثيرة،ومنها عدد من الأغاني الشهيرة.وبعضها من أداء أعضاء مختلفين من ندوة الموسيقى اللحجية والتي كان من مؤسسيها مع سبيت فضل محمد اللحجي،وسعودي أحمد صالح،وعبده علي سالم النجار،وصالح نصيب،ومحو السلامي،وعلي عوض مغلس،ومحمد صالح حمدون وأحمد،وصالح يوسف الزبيدي،وحسن عطا.ومن أولى أغاني سبيت المعروفة أغنية “يا حبيبي”،وكان والدي د. محمد عبده غانم من المعجبين بها،وهي تلحين سبيت،وغناء أحمد يوسف الزبيدي صاحب أغنية “فيوز القلب محروقة” ومن كلماتها:القمر كم با يذكرني جبينك يا حبيبي والشفق كم با يذكرني خدودك يا حبيبي يا حبيبي كيف بانساها لياليكنت فيها بدر ساطع في خياليكيف بانساها لياليكل شيء فيها صفا لي وأنت من عليا سماك كنت تسقيني هواك والنجوم تحمي حماك أما أغنية “أسري هاجري” فهي أغنية معروفة من أداء سعودي أحمد صالح،وذكر لي الصديق الصحفي جميل محسن أنه حضر جلسه خاصة في جدة بالسعودية في الثمانينات،حيث عزف سبيت وغنى سبيت أغنية من كلماته وتلحينه هي “يا حاكم زمانه” بحضور الفنان المعروف محمد سعد عبدالله.ومن أشهر أغاني سبيت أغنية “هويته وحبيته” التي لحنها مختلفاً.وكانت تبث من إذاعة صوت العرب بصوت اسكندر ثابت الذي درس في مصر:هويته وحبيته قد القلب ذا بيتههويته ويا ليته تجمل معي ليتههويته ومن أجله تحملت جور الناس وكم يمنعوا أهله وكم كثروا الحراسومن خاطري والروح والقلب حبيتهمع الطير غنيتهمع الزهر شميتهوهناك أغنية طارت شهرتها كثيراً منذ أواخر عام 1957م بعنوان “ألا متى يبعد وهو مني قريب”، وهي من غناء حمدون،وغناء أحمد يوسف الزبيري كما غناها طلال مداح ونسبها خطأ إلى أمير سعودي ومن كلماتها:تذكرته مع النسمة وشعره ذي يطير ويده يوم ما تمسك على ذاك الحرير وشفته شوف قدامي وقلبي للقا ظاميفؤادي من دموعي أشرب ولسبيت أغان كثيرة أخرى أقل شهرة،ونكتفي بما أوردنا من نماذج،ولكن نختم بأغنيه “ أحبك من غناء أيوب طارش:أحبك والدموع تشهد ودمع العين ما يكذب ولا حبيت غيرك حد ومن أجلك عرفت الحب والقصيدة موجودة في “الدموع الضاحكة “ ولكنها أيضاً منسوبة إلى صالح نصيب في كتاب “فضل محمد اللحجي “من تأليف نصيبُ/أحمد صالح عيسى.وأغنية “احبك “ هذه غير أغنية “با حبك” التي يقول فيها:با حبك ملي قلبي بأحبكحتى لانت راجم بي بأحبك تحية للشاعر الصديق والفنان الرقيق عبدالله هادي سبيت الذي لم التقه سوى مرتين منذ أكثر من ثلاثين عاماً،كما التقينا على صفحات بعض الرسائل القليلة،وكتبت عنه فصلاً في كتابي “وقفات مع دواوين معاصرة “وأتمنى له الصحة وطوال العمر.