قال العلامة السعدي /: [الرحمن الرحيم: اسمان دالان على أنه تعالى ذو الرحمة الواسعة العظيمة التي وسعت كل شيء، وعمت كل مخلوق، وكتب الرحمة الكاملة للمتقين المتبعين لأنبيائه ورسله، فهؤلاء لهم الرحمة المطلقة المتصلة بالسعادة الأبدية، ومن عداهم محروم من هذه الرحمة الكاملة، لأنه الذي دفع هذه الرحمة وأباها بتكذيبه الخبر وتوليه عن الأمر فلا يلومن إلا نفسه.ومن تدبر اسمه «الرحمن»، وأنه تعالى واسع الرحمة، له كمال الرحمة، ورحمته قد ملأت العالم العلوي والسفلي وجميع المخلوقات، وشملت الدنيا والآخرة.. ويتدبر الآيات الدالة على هذا المعنى كقوله تعالى: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) [الأعراف:156]، (إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ) [البقرة:143]، (فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى) [الروم:50]. ويتلو سورة النحل الدالة على أصول النعم وفروعها التي هى نفحة وأثر من آثار رحمة الله، ولهذا قال في آخرها: (كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ) [النحل:81]ثم تدبر سورة الرحمن من أولها إلى آخرها؛ فإنها عبارة عن شرح وتفصيل لرحمة الله تعالى، فكل ما فيها من ضروب المعاني وتصاريف الألوان من رحمة الرحمن؛ ولهذا اختتمها في ذكر ما أعد الله للطائعين في الجنة من النعيم المقيم الكامل الذي هو أثر من رحمته تعالى؛ ولهذا يسمي الله الجنة الرحمة كقوله: (وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [آل عمران:107]. وفي الحديث أن الله قال للجنة: «أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي» [متفق عليه]وبالجملة فالله خلق الخلق برحمته، وأرسل إليهم الرسل برحمته، وأمرهم ونهاهم وشرع لهم الشرائع برحمته، وأسبغ عليهم النعم الظاهرة والباطنة برحمته، ودبرهم أنواع التدبير وصرفهم بأنواع التصريف برحمته، وملأ الدنيا والآخرة من رحمته فلا طابت الأمور، ولا تيسرت الأشياء، ولا حصلت المقاصد، وأنواع المطالب إلا برحمته، ورحمته فوق ذلك، وأجل وأعلى. وللمحسنين المتقين من رحمته النصيب الوافر والخير المتكاثر: (إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) [الأعراف:56]] [تفسير أسماء الله الحسنى].والرحمة تامة وعامة؛ أما الرحمة التامة فهي إفاضة الخير على المحتاجين وإرادته لهم عناية بهم، والرحمة العامة هي التي تتناول المستحق وغير المستحق، ورحمة الله عز وجل تامة وعامة. أما تمامها فمن حيث أنه أراد قضاء حاجات المحتاجين وقضاها، وأما عمومها فمن حيث شمولها المستحق وغير المستحق، وعم الدنيا والآخرة، وتناول الضرورات والحاجات والمزايا الخارجة عنهما فهو الرحيم المطلق حقا. والرحمن أخص من الرحيم ولذلك لا يسمى به غير الله عز وجل. والرحيم قد يطلق على غيره فهو من هذا الوجه قريب من اسم الله تعالى الجاري مجرى العلم، وإن كان هذا مشتقا من الرحمة قطعا؛ ولذلك جمع الله عز وجل بينهما فقال: (قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى) [الإسراء:110] فيلزم من هذا الوجه أن يكون المفهوم من الرحمن نوعا من الرحمة هي أبعد من مقدروات العباد؛ وهي ما يتعلق بالسعادة الأخروية. فالرحمن هو العطوف على العباد بالإيجاد أولا، وبالهداية إلى الإيمان وأسباب السعادة ثانيا، وبالإسعاد في الآخرة ثالثا، والإنعام بالنظر إلى وجهه الكريم رابعا. واعلم أن حظ العبد من اسم (الرحمن) أن يرحم عباد الله الغافلين، فيصرفهم عن طريق الغفلة إلى الله عز وجل بالوعظ والنصح؛ بطريق اللطف دون العنف، وأن ينظر إلى العصاة بعين الرحمة لا بعين الإزراء، وأن تكون كل معصية تجري في العالم كمصيبة له في نفسه؛ فلا يألو جهدا في إزالتها بقدر وسعه؛ رحمة لذلك العاصي أن يتعرض لسخط الله ويستحق البعد من جواره. وحظه من اسم (الرحيم) أن لا يدع فاقة لمحتاج إلا يسدها بقدر طاقته، ولا يترك فقيرا في جواره وبلده إلا ويقوم بتعهده ودفع فقره؛ إما بماله أو جاهه، أو السعي في حقه بالشفاعة إلى غيره.. فإن عجز عن جميع ذلك فيعينه بالدعاء وإظهار الحزن بسبب حاجته رقة عليه وعطفا. ولعل سائلا يسأل: ما معنى كونه تعالى رحيما، وكونه أرحم الراحمين؟ فالرحيم لا يرى مبتلى ومضرورا ومعذَّبا ومريضا وهو يقدر على إماطة ما بهم ، إلا ويبادر إلى إماطته؟ والرب سبحانه وتعالى قادر على كفاية كل بلية، ودفع كل فقر وغُمة، وإماطة كل مرض، وإزالة كل ضرر، والدنيا طافحة بالأمراض والمحن والبلايا، وهو قادر على إزالتها جميعا، وتارك عباده ممتحنين بالرزايا والمحن.والجواب: إن الطفل الصغير قد ترق له أمه فتمنعه عن الحجامة، والأب العاقل يحمله عليها قهرا، والجاهل يظن أن الرحيم هي الأم دون الأب، والعاقل يعلم أن إيلام الأب إياه بالحجامة من كمال رحمته وعطفهوتمام شفقته، وأن الأم له عدو في صورة صديق؛ فإن الألم القليل إذا كان سببا للذة الكثيرة لم يكن شرا، بل كان خيرا. والرحيم يريد الخير للمرحوم لا محالة، وليس في الوجود شر إلا وفي ضمنه خير؛ لو رفع ذلك الشر لبطل الخير الذي في ضمنه، وحصل ببطلانه شر أعظم من الشر الذي يتضمنه.. فاليد المتآكلة قطعها شر في الظاهر، وفي ضمنه الخير الجزيل؛ وهو سلامة البدن. ولو ترك قطع اليد لحصل هلاك البدن، ولكان الشر أعظم، وقطع اليد لأجل سلامة البدن شر في ضمنه خير. وقد قال الله عز وجل: «سبقت رحمتي غضبي» [متفق عليه]، فغضبه إرادته للشر، والشر بإرادته ورحمته إرادته للخير، والخير بإرادته ولكن إذا أراد الخير للخير نفسه، وأراد الشر لا لذاته ولكن لما في ضمنه من الخير، وكلٌّ بقدر، وليس في ذلك ما ينافي الرحمة أصلا] [المقصد الأسنى].فيا عباد الله . .قال تعالى: (لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ . وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ) [الزمر:53-54].(لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ) أي: لا تيأسوا منها، فتلقوا بأيديكم إلى التهلكة، وتقولوا قد كثرت ذنوبنا وتراكمت عيوبنا، فليس لها طريق يزيلها ولا سبيل يصرفها، فتبقون بسبب ذلك مصرين على العصيان، متزودين ما يغضب عليكم الرحمن، ولكن اعرفوا ربكم بأسمائه الدالة على كرمه وجوده، واعلموا أنه يغفر الذنوب جميعا من الشرك، والقتل، والزنا، والربا، والظلم، وغير ذلك من الذنوب الكبار والصغار. (إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) أي: وصفه المغفرة والرحمة، وصفان لازمان ذاتيان، لا تنفك ذاته عنهما، ولم تزل آثارهما سارية في الوجود، مالئة للموجود، تسح يداه من الخيرات آناء الليل والنهار، ويوالي النعم على العباد والفواضل في السر والجهار، والعطاء أحب إليه من المنع، والرحمة سبقت الغضب وغلبته، ولكن لمغفرته ورحمته ونيلهما أسباب إن لم يأت بها العبد، فقد أغلق على نفسه باب الرحمة والمغفرة، أعظمها وأجلها، بل لا سبب لها غيره، الإنابة إلى الله تعالى بالتوبة النصوح، والدعاء والتضرع والتأله والتعبد، فهلم إلى هذا السبب الأجل، والطريق الأعظم. [تيسير الكريم الرحمن].اللهُ.. اللهُ.. حيـــنَ القلـبُ مُنقـبـضٌ اللهُ.. اللهُ.. حيــــنَ السِّـــرُّ مُـسـتَــتِـــرٌ وحيـنما القلبُ مَأوى كلِّ مُوبِقَـةٍوحينَ أغرقُ في العصيانِ واخجلي!وحـيــنَ تَـقـنَـطُ رُوحي مِن عـنايتِــهِوحـيـنَ أطــرقُ بابَ اللهِ فـي خـجــلٍوحـيـــنَ يـفتــــحُ ربي بــابَ رحمـتِـــــهِيـا أيـهـا الناسُ أوصيـكم بهِ أبــــــــدًافـمـا أُحـيـــلاهُ ذكرًا فـي ضمائرنـاوحيـــــــنَ تنبســطُ الأحشــــاءُ.. اللهُ وحيــــــنَ تنكــشِــفُ الأســـــرارُ.. اللهُ واللهُ يـغـفـــــرُ بـالرُّحمَى خطــايــاهُوتـحـتـويني مِنَ الـمَــــولى عطاياهُفـتصرخُ الرُّوحُ في الظلماءِ: ربَّــاهُوالـبُـعــــدُ أثَّـــــرَ فـي قلبي وأضنــاهُفـتـصرخُ الروحُ جَزلَى: إنّكَ اللهُكـذا ونـفـسـي، وأوصيكم بتقواهُومــــا أُحـيـــــــلاهُ مِـن وِرْدٍ وأغـــــــلاهُمن قصيدة «الله» للشاعر السوري/ أنس إبراهيم الدغيم - موقع رابطة أدباء الشام
|
رمضانيات
من أسماء الله تعالى: الرحمن الرحيم
أخبار متعلقة