شخصيات خالدة
جوليا دومنا إمبراطورة رومانية من أصل سوري وهي زوجة الإمبراطور سبتيموس سيفيروس ووالدة الإمبراطورين جيتا وكارا كالا. لم تكن جوليا دومنا تلك الفتاة السورية البارعة الجمال تحلم قبل ألفي عام أن تصبح السيدة الأولى في قصر الإمبراطورية الرومانية التي كانت من أعظم الإمبراطوريات في ذلك العصر، رغم أن النجوم قد بشّرتها بزواجٍ ملكي، على حد وصف المؤرخ جان بابليون ، وكان هذا كافياً لسيبتيموس سيفيروس العربي الليبي أحد ثلاثة قادة للجيوش الرومانية في عهد أحد أباطرة الأنطونيين مارك أوريل أو ماركوس أوريليوس كما يُسمى بالرومانية. كان هذا كافياً له لأن يعمل على الزواج منها، وهو العسكري المجبول علي إطاعة الأوامر العليا كما يصفه بابليون، وبخاصة إذا كانت تلك الأوامر آتية من السماء التي يجب اللجوء إليها في كل أمر عظيم.. بحسب الاعتقاد السائد آنذاك.ولدت عام 170 ميلادية، ووالدها هو باسيان الحمصي الكاهن الأعظم في معبد إله الجبل في مدينة حمص ، وكانت جوليا على جانب كبير من الذكاء والجمال والثقافة، وتزوجت من القائد الروماني لوكيوس سبتيموس سيفيروس عام 186م، ثم أصبح إمبراطورا على روما عام 193م. لقد اتصفت جوليا بكل الصفات التي جعلت منها أنثي استثنائية، وهي صفات كانت نادرة الوجود لدي السيدات الرومانيات آنذاك، من حدة في الذكاء، وسعة في الحيلة، وإصابة في الحس، وعناد في الإرادة، وجرأة وإقدام، وقوة فكرية.. وقد استطاعت جوليا بما أُوتيت من ذكاء وحزم وتخطيط أن تفرض سلطانها في روما بأن تسهم مع زوجها في تصريف شؤون الإمبراطورية وأن ترافقه في رحلاته وانتصاراته، حتي منحتها روما لقب أم الوطن ولقب أم الشيوخ فعندما كان زوجها الإمبراطور يسافر كانت هي التي تدير الإمبراطورية وتساعدها في ذلك شقيقتها جوليا ميزا ، وفتحت أبواب قصرها إلى السوريين الذين وفدوا إليها كعلماء ومفكرين وفلاسفة ورجال دين. وأنشأت جوليا دومنا صالوناً ثقافياً في أثينا عرف بصالون الإمبراطورة، كان يتردد عليه عدد كبير من أدباء وفلاسفة ومفكري ذلك العصر، من أمثال الفيلسوف السفسطائي أبولو يانوس والشاعر أربياه والطبيب البارع واربا والفيلسوف أبوجين أرتيني الذي أهداها كتابه حياة الفلاسفة ، وغيرهم من الحكماء والفلاسفة والمؤرخين..لم تكن سيدة القصر الإمبراطوري في روما جوليا دومنا امرأة عادية بل كتلة من المواهب العبقرية التي جعلتها تصنع جزءاً كبيراً من نجاحات زوجها الإمبراطور سيفيروس، وكأن مقولة وراء كل عظيم امرأة التي تتردد كثيراً في أحاديثنا اليوم، حقيقة مجسدة في ذلك العصر.تقول بعض الروايات التاريخية إنها كانت وراء إصدار ابنها الإمبراطور كاركالا للقانون التاريخي الذي يقضي باعتبار كل رعايا الإمبراطورية الرومانية مواطنين كاملي الحقوق. بعد أن قام ولدها كارا كالا بقتل أخيه جيتا في حضرتها لينفرد بالحكم وذلك عام 211 أدى إلى اعتكافها وزوال دورها في الحياة العامة، وعندما قتل كارا كالا في حران شمالي سوريا حزنت عليه وامتنعت عن الطعام حتى ماتت، فيما تذكر بعض الروايات أنها انتحرت حزنا على ولدها، ودفن رمادها في مدفن أوغست في روما باحتفال مهيب وذلك في العام 217.