مع الأحداث
مرت الذكرى السابعة لأحداث سبتمبر 2001 بهدوء غير معتاد، وبدا الشعب الأميركي هذا العام كما لو أن تلك الأحداث مجرد فيلم سينمائي طمست معالمه، وفقد إثارته. فعلي سبيل المثال لم تهتم وسائل الإعلام الأميركية بالحدث الذي غيّر كثيراً من تفاعلات العلاقات الدولية طيلة السنوات السبع الماضية، وتعاطت معه كما لو كان حدثاً مجهولاً، وذلك على عكس ما كان يحدث دائما فى السنوات الماضية. وباستثناء افتتاحيتيّ واشنطن بوست ونيويورك تايمز، اللتين ركزتا على كيفية تخليد ذكرى ضحايا الهجمات من خلال تدشين متاحف أميركية لهم ، فلم تقم أي منهما أو الجرائد الأخرى بإعطاء مساحة وافية لهذه الأحداث. كما لم يحدث استنفار أمني أو رفع حالة الطوارئ على غرار ما كان يحدث فى السنوات الماضية.ربما يعود ذلك إلى الاهتمام الصاخب بالحملة الانتخابية الرئاسية الساخنة بين المرشحيَن الجمهوري جون ماكين، والديمقراطي باراك أوباما. واللذين زارا سويا «المنطقة صفر» Ground Zero مكان سقوط برجي مركز التجارة العالمي، وتعهدا بعدم الدخول فى معركة انتخابية فى ذلك اليوم. بيد أن السؤال هو: هل تخلَص الأميركيون من التأثير المعنوي والمادي لهجمات سبتمبر؟ واقع الأمر فإن ما يقرب من أربعة بالمائة فقط من الأميركيين لا يزالون يعتقدون أن الحرب على الإرهاب تمثل أولوية لديهم، وأنه لابد من الاهتمام بمسألة الأمن القومي الأميركي، وذلك مقارنة بنحو 16 بالمائة عام 2006، و25 بالمائة عامي 2002 و2004 وذلك حسب استطلاع للرأي تجريه سنويا جريدة الواشنطن بوست وشبكة إيه بي سي ABC, الأميركية.كما أن هناك شعوراً عاماً بأن تنظيم القاعدة يلفظ أنفاسه الأخيرة، وأن جسد التنظيم أصابه الترهل والشيخوخة وذلك على الرغم من عدم الإمساك بالرأس، سواء أسامة بن لادن أو أيمن الظواهري. أو على الأقل هناك شعور بأن التنظيم لم يعد مؤثراً كما كان الحال عليه قبل سبع سنوات، وذلك بعد القبض على كثير من قادة الميدان ووضعهم فى سجن جوانتاناموا. أو قتل المؤثرين منهم فى غارات على الحدود الباكستانية الأفغانية كما حدث مؤخراً مع أبو خباب المصري (مدحت السيد عمر) و أبو سعيد المصري (مصطفى أبو اليزيد).وباعتقادي فإن معرفة مدى انتهاء حقبة ما بعد سبتمبر بالنسبة للعقل الأميركي، يمكن أن يتم من خلال اختبار مواقف ماكين وأوباما من مسألة الحرب على الإرهاب والعلاقة مع العالم الإسلامي. وهنا يمكن القول إن ماكين يرى أن بلاده لا تزال تعيش فى حالة حرب مع ما يسميه الإرهاب الإسلامي، وأنه لابد من استمرار الحرب على الإرهاب حتى يتم اقتلاعه من جذوره بالقوة، بل هو يرى فى حرب العراق حرباً عادلة. لذا فهو يرى أن العراق يمثل الجبهة الرئيسية فى الحرب على الإرهاب. أما أوباما فيرى أن الولايات المتحدة ليست فى حالة حرب وإنما فى حالة خوف دائم ومستمر ويجب إعادة النظر فى استراتيجية الحرب على الإرهاب عبر توسيع شبكة التحالف الدولي دون التورط المباشر، كما يجب النظر فى الجذور الحقيقية للإرهاب لذا فهو يرى أنه يجب مضاعفة المساعدات الخارجية المقدمة للدول الفقيرة فى أسيا وأفريقياً من أجل تحسين ظروفهم والقضاء على جذور الإرهاب. كما أنه يطالب بضرورة التركيز على أفغانستان وليس العراق كجبهة أمامية فى الحرب على الإرهاب. ويقترح أوباما إنفاق 5 مليارات دولار على قانون يسمح بزيادة الدعم اللوجيستي والاستخباراتي من أجل تفكيك الشبكات الإرهابية فى آسيا وأفريقيا. فى حين أن ماكين يدعو إلى إنشاء وكالة استخباراتية تختص فقط بملاحقة ومحاربة المتطرفين الإسلاميين. وبينما يركز أوباما على القوة الناعمة، يركز ماكين على استخدام القوة العسكرية فى إطار الحرب الاستباقية.أما بالنسبة للعلاقة مع المسلمين، فإن أوباما يصر على أنه ليس فى حرب مع الإسلام والمسلمين، ولكنه ضد الأقلية المتطرفة التي تريد تشويه العلاقات بين أميركا والعالم الإسلامي، فى حين لا يزال ماكين يخلط بين الإسلام كديانة وبين بعض المتطرفين الذين يسعون لممارسة العنف باسم الدين. وحقيقة الأمر فإن سياسات الديمقراطيين تبدو أقرب للتخلص من حقبة الحادي عشر من سبتمبر، بيد أن المخاوف لا تزال قائمة من إمكانية قيام ابن لادن أو الظواهري بتكرار ما فعله الأول عام 2004 حين أصدر شريطاً يمتدح هجمات الحادي عشر من سبتمبر وهو ما قلل من فرص جون كيري ضد جورج بوش آنذاك، وحينئذ سيظل إرث سبتمبر قائماً إذا ما فاز ماكين بالرئاسة.[c1]* صحيفة (الوطن )العمانية [/c]