صدر عن دار طوى للنشر و الإعلام كتاب جديد للأستاذ مجاهد عبد المتعالي, عندما تلجه ستجد أن مجاهداً قد وقف على باب صالة الأفراح في كامل هندامه يستقبل الضيوف فما أن يراك حتى يستقبلك متبسماً و يأخذك من عند الباب واضعاً يدك تحت إبطه راكضاً بك ليعرفك على المدعوين من فصول كتابه, و أنت لا تملك من أمرك شيئاً إلا أن تسرع الخطى لكي لا تتعثر و أنت تتبع يدك المخطوفة. الكتاب لم يحصر نفسه بفكرة واحدة، فهو يتحدث عن اللغة والسياسة والدين، متنقلاً من الحديث عن الكتابة كمأساة وحالة وجودية وشريعة، ليخلص في النهاية لنوع من العزاء بأنها حالة تشرد بين حروف الهجاء كما ورد في نص لأدونيس، خارجاً من تقرير حالة التشرد إلى الحديث إشكالية اللغة عندما يصرّ الخطاب الكهنوتي المعاصر على حراسة دلالات اللغة التي لا تنتهي.ينتقل بنا بعد تقرير المأزق اللغوي للحديث عن الدين كميثولوجيا وكأيديولوجيا وكيف أن الأحزاب الإسلامية ممسكة بزمام الرأسمال الديني للفرد بشكل يشعر المسلم بروح الإقصاء الاجتماعي، بل يصل الأمر إلى استمالة المسلمين غير المؤدلجين إلى صفوفهم لصناعة قوة غوغائية تعمل كمقاتل بسلاح أبيض، ومن هذه القوة الغوغائية يتم انتخاب من لديه القدرة ليحمل أسلحة أخرى, وذلك بناء على شعاراتهم السياسية ذات الدلالة الربانية ليصبحوا هم حزب الله و هم أهل الإسلام فقط. مخرجين عموم المسلمين من تنظيمهم الذي يختفي في بعض الدول ليظهر على شكل منظومة فكرية لها ( إكليروسها) الذين لا يمكن المساس بقداستهن، ويتضح في بلدان أخرى ليظهر على شكل تنظيم حزبي يعيش الانقلابات السياسية في بلده ويلطخ نفسه بدماء شعبه كما يفعل أي سياسي انقلابي في الوطن العربي منذ سايكس بيكو. إنها معاناة يعيشها الإسلام السياسي مع منظوماته الدلالية التي أقام عليها إيديولوجياه في سبيل النضال السياسي, لأجل تحقيق “يوتوبياه” الخاصة ومجتمعه الطهراني، إنها أزمة الشعارات التي رفعت طويلاً لكي ترتطم بمعوقات الواقع العالمي. يقرر المؤلف أن الخروج من هذا المأزق ليس من خلال ما سمى بمرحلة المراجعات والتي سماها ( التراجعات ) وإنما في الخروج من الشرنقة نفسها، شرنقة أولئك الذين نحقر صلاتنا إلى صلاتهم وصيامنا إلى صيامهم, الخروج يكمن أن يدرك الفقهاء المختصين في العلوم الشرعية أنهم من أبعد الناس عن السياسة وإن كانوا الأقرب إلى رعاية الحقوق، لأن مدار فكرهم هو المجتمع الذي نشأوا فيه، حيث يكون الشرع بمثابة قانون تهذيبي وليس قواعد سلوكية لإنشاء وترسيخ العمران بعلومه وصنائعه الخاصة به، فهل يستطيعون أن يعيشوا رحابة الدين كمسلمين في دولة لا إسلاميين في كهنوت؟ينتقل بنا الكتاب بعد هذه النقطة، للحديث عن السياسة والكهنوت التاريخي مسلطاً الضوء على إشكالية العقلية العربية التي تتطرف في تعلقها بالتحليل السياسي بناء على التاريخ وذلك بسبب العقل الباطن المتشبث بالماضوية في التحليل السياسي, ليس إيماناً بهذا المنطق بقدر ما هو إيمان بالتاريخ نفسه كفترة تمثل لدى عقلية الإسلام السياسي قداسة تتجاوز المكان لتخترق الزمان برغم أن كل الذين غيروا وجه التاريخ لم يكونوا من المؤمنين بنظرية التاريخ يعيد نفسه، وكأن هذه النظرية رائجة فقط في العالم الثالث، فردود فعل هذا العالم دائماً ما تكون معروفة سلفاً و مكررة. نظرية القطب الواحد والعولمة قتلت قدسية التاريخ بكل أشكالها، فالتاريخ لا يكرر نفسه والحقيقة هي أن الأغبياء وحدهم هم من يكررون أنفسهم وأخطاءهم، ولأن غالبية العالم تعيش هذا الغباء، مع ما يتبعه من أمية وفقر، فبالتالي ستبقى هذه المقولة فعالة في تفسير تحركات الجزء الأكبر من مساحة هذا العالم ليزيد القوي هيمنة على الضعيف الذي لا يمل تكرار أخطائه.في فصل (السياسة علم لا حتمية دين) تحدث المؤلف عن الصراع الإسلامي - الليبرالي برغم بقاء شيء من التماهي بين الاثنين و رغبة في الاحتواء من الجانب الإسلاموي لإغراق الفكرة الجديدة في مشروع الحتمية الإسلاموية (الحتمية ذلك المصطلح الشيوعي المستعار) برغم أن الواقع المشاهد يظهر مدى اكتساح المفاهيم الليبرالية لكل شيء، بدءاً بالانتخابات التي هي أحد مكتسبات الليبرالية والحملات الانتخابية ما رافقها من مكاسب مادية للصحف التي تتهم بأنها صحف علمانية، هي في النهاية نمط من أنماط الليبرالية وكذا النظام الاقتصادي وثورة الأسهم والاكتتاب هي كلها مكاسب ليبرالية قبل أن تلبس ثوباً دينيا من خلال الفتوى المحللة أو المحرمة، برغم أن الليبرالية لم تتشكل بعد كأيديولوجيا فاللبراليون مرجعياتهم مختلفة فهم من بقايا الشيوعيين والناصريين والقوميين والعروبيين والإسلاميين المتحررين, لم يجمعهم سوى الخلاف القديم الجديد مع مشايخ الصحوة، إلا أن الواقع اللبرالي قد بدأ بالتشكل والليبراليون قد رضوا بالمكاسب الحالية والإسلاميون بدأوا بالتكيف مع الحقيقة.في خاتمة الكتاب يتساءل المؤلف: لماذا لا يتخلص كلا الطرفين من تبادل الاتهامات (الإسلامي إرهابي عميل سابق للغرب، الليبرالي عميل جديد للغرب) ولماذا لا تنتشر فعاليات مركز الحوار الوطني على شكل منظومة وشبكة من الفعاليات من القمة إلى القاع وتصل إلى القاع بنفس مصداقيتها و دفئها في القمة لنذيب الثلج فيما بين شباب الوطن؟كتاب سياط الكهنوت كما قلت ليس كتاباً بفكرة واحدة وإنما يصلح أن يقال إنه “هموم مثقف” يفكر بصوت عالٍ, حاولت هنا أن أريكم بعض الصور الفوتوغرافية منه دون أن أزعم أن هذه المقالة رصدت كل ما فيه.
|
اتجاهات
سياط الكهنوت
أخبار متعلقة