محمد السقاف سعيد المغي أحد فلاحي و سائقي سيارات الأجرة المعروفين في مدينة سيئون أركن إليه عند حاجتي إلى مواصلات , اتصلت به وطلبت منه الحضور , لم يكن يسمعني جيدا حينها فعاودت الاتصال به أكثر من مرة وبعد مدة طويلة على غير عادته وصل و كان بادياً على وجهه الإجهاد والتعب الشديد و جفاف شفتيه الذي أشبه ما يكون بأرض مزرعته التي هشمها انقطاع الديزل وهذا ما جعل كلماته بطيئة و أنا الذي كنت أحسب أن ذلك من وطأة الصيام عليه فلمت نفسي و أحسست بعذاب الضمير من تكليفي إياه بالمجيء , سألته عن سبب تأخره لاكتمال محاسبتي لنفسي وعن الأصوات و الصياح التي كان تصاحب صوته أثناء اتصالي به وبينما أنا أجلد ذاتي إذ بادرني وقال أن التعب والمشقة ليس منك ولا من الصيام بل من النفط فضحكت ولكنه قاطع ضحكتي التعجبية سريعاً بقوله أنني واقف في الدور للحصول على حاجتي من الديزل الذي تهافتت الناس عليه لشدة حاجتهم بسبب انقطاعه الطويل وأنا هناك من بعد صلاة الفجر ولم يصلني الدور حتى الآن فاتصلت بابني ليأخذ مكاني في الدور و هذا سبب تأخري عليك , وللإنصاف لا أعرفه مبالغا ولكني قلت له من باب العلم بالشيء ما رأيك لو نذهب الآن ونرى هذا الطابور الذي تصفه فقد يعيد بالذاكرة إلى أيام الحزب المشؤومة فتوجه وهو فرح بهذا الاقتراح على الفور إلى محطة النفط وشاهدت بنفسي قبيل أذان المغرب أرتلا من السيارات وجمهرة من الفلاحين و السائقين وغيرهم في حالة يرثى لها , فهم صيام في يوم شديد الحرارة قضوه كاملاً تحت قيض الشمس الحارقة مع جهد نفسي وجسدي مفرط وحذر خشية فقدان الدور الذي يترقبه بفارغ الصبر كي بعود بغنيمته العظيمة في نظره والتافهة في نظر من هم خلف أسباب هذه الأزمة القاتلة لينقذ ما يمكنه إنقاذه من زراعته التي أوشكت على التلف ويضيع معها تشقى أسرته بكاملها خلال موسم صيفي حار طويل , تشبعت بعرقهم الطاهر كل ذرة تراب ونبتة وكل دقيقة طوال الأيام الطويلة , لما لا ينتظر وهو المرغم بكل الأسباب فهناك أسرته و ألوف البشر مثله متضررة وأضعافها تنتظر عودته وحصاده الذي تقتات منه خلق كثير . أزمة النفط لم تخرج عن دائرتها النهائية وهي المستهلك منذ أن بدأت أو منذ أن افتعلت ؟ و هذا مما يبدد الأمل في قرب زوالها فالجهات المعنية نفسها لم تستشعر خطورة الأمر على عموم مناحي الحياة وعناصرها ولم تشعر المواطن بأهميته وقيمته وقدره أو بأي بشي من ذلك ولم تشرح لأحد أسباب هذه الأزمة ومراحلها أو التدابير الآنية للتعامل معها أو سبل معالجتها فالمواطن صبور وقد تحمل ويتحمل أهوالا جمه , كم هو مؤسف هذا التجاهل الاستفزازي الذي لا يمكن أن يحدث لو كان هناك موسم انتخابات , لقد فوتت تلك الجهات فرصة ثمينة لإبراز مصداقيتها واهتمامها بالمواطن ( الصفر ) مهما كانت الأوضاع وتبرير مسئوليتها أمام القيادة العليا , كما أنها فشلت بدرجة ربما لا يمكن استدراكها في توظيف هذا المحك لترميم أو توطيد العلاقة مع المواطن فالإدارة الذكية تستطيع تحويل الأزمات إلى قفزات ناجحة . الديزل بلا شك أحد شرايين الحياة بعد الماء مباشرة بل أن توفير الماء مرهون بالديزل وهناك أمور أساسية و إستراتيجية تتوقف على الديزل كالزرع والضرع والنقل والكهرباء فالديزل مرتبط بكل مفاصل الحياة المباشرة والغير مباشرة وكما قال صاحبنا المغي وهو أمي حكيم هناك معدل ( محزور ) تنتجه بلادنا من النفط فأين يذهب ؟ أفحمني هذا الأمي بهذا السؤال وكأنه وضع في فمي ماء , لذا أحيله سؤاله البري للجهات المختصة لتجاوب عليه فهل سيطول انتظار الجميع لانتظام وجود الديزل وهل سيأتي قبل أن تتوسع أخاديد الأرض ويموت الزرع أم سنرى همة رجولية تعيد إلى سعيد بسمته وتظل أرضنا خضراء زاهية تأتي أكلها للجائعين ؟ .
|
اتجاهات
الديزل يدغدغ غرائز الانفصال
أخبار متعلقة