القاهرة/ د . فاطمة سيد أحمديرجع عدم الارتياح الذي تبديه مصر من تصميم “حماس” على أن تكون طرفـا ضالعا في إدارة المعابر، وتحكمها في الأنفاق التي هي البديل غير الشرعي لتلك المعابر، .. يرجع ذلك إلى قضايا أمنية غاية في الخطورة على أمن المواطنين المصريين والأجانب في مصر، ليس هذا وحسب، ولكن إذا لم يكن الجانب الأمني المصري يقظـا في هذا السياق لأصبحنا مرتعا لتنظيم “القاعدة” وقائده “أسامة بن لادن” عن طريق إخوة “حماس”.والمعلومات الموثقة والأكيدة التي لدينا تقول إن موجة عمليات التفجيرات الانتحارية التي حدثت ما بين عامي 2004 و2006م واستهدفت سيناء بشقيها الشمالي والجنوبي “دهب وطابا” إنما كانت من إعداد وتقديم “حماس”... وقتها قام اللواء عمر سليمان رئس هيئة الأمن القومي باستدعاء وزير الداخلية الفلسطيني والعضو البارز في حماس “سعيد صيام” في أواخر مايو 2006م وقرأ عليه صحيفة أدلة لا يرقى إليها الشك، وبالتفصيل الدقيق توضح كيفية تورط أعضاء حماس، معددا أسماءهم ومحددا تحركاتهم.. عند ذلك أصيب “صيام” بالارتباك، وتحجج قائلا : لأنكم تدخلتم في شؤوننا الداخلية، ولكن اللواء سليمان قال له إننا شركاء معكم ولسنا متدخلين، وقرأ عليه صحيفة تورط حماس والتي جاءت في أعقاب تفجيرات “دهب” الثلاثة، وتوقيف ثلاثة أعضاء من حماس اعترفوا بارتباطهم بالتنظيم المتطرف المعروف بـ “التوحيد والجهاد”، حيث ذكر “سليمان يسري محارب” وهو أحد الأشخاص الضالعين في تلك الهجمات، بأنه دخل إلى قطاع غزة عبر شبكة الأنفاق تحت الأرض بمساعدة أفراد من حماس من بينهم “مجيد الديري”، وتلقى تدريبات على استخدام المتفجرات والأسلحة، ومع أن “يسري محارب” وأخويه “منير وأيمن محارب” من بدو سيناء؛ إلا أنه تم تجنيدهم بواسطة الجماعات المتطرفة الفلسطينية، كما أن قائد المجموعة التي قامت بالتفجيرات، ويدعى “نصر خميس الملاحي” من سيناء أيضا، أرسل بعضا من معاونيه إلى فلسطين لتلقي تدريبات على المتفجرات، منهم “أحمد محمد الكريمي ومحمد عبدالعزيز نافع وعطا الله القرم” وهم منفذو العمليات الانتحارية في منتجع دهب، وكان “الملاحي” الذي يعتبر قائد تنظيم “التوحيد والجهاد” قد أدخل خبير المتفجرات المتمرس والمنتمي إلى حماس “تامر النصيرات” خلسة إلى مصر، وكان لـ “النصيرات” اتصالات بـ “يسري محارب” أحد الإخوة الثلاثة المتورطين في الإعداد للهجمات والعاملين على تنفيذ المزيد منها داخل مصر، أما الفلسطيني “أبو سليمان” الذي كان يزور مصر بشكل دائم، فقد زود “يسري” بألف دولار وتليفون محمول بداخله بطاقة SIM تعمل على شبكة تخابر إسرائيلية، وكان قد سبق لأخيه “منير” أن استخدم البطاقة نفسها، وحصل من “أبو سليمان” أيضا على مبلغ 500 دولار. وهكذا احتضنت “حماس”، هؤلاء الخارجين عن القانون، واستقطبتهم واستغلتهم ضد مصر، وتعتبر جماعة “التوحيد والجهاد” التي تم تشكيلها في عام 2000 بواسطة “خالد مساعد”، هي أحد التنظيمات التابعة لـ “القاعدة”، ولكن كيف اكتشف الأمن المصري هذا التنظيم؟! بعد التفجيرات التي حدثت على مدى عامين متتاليين، صرح وقتها وزير الداخلية حبيب العادلي، بأن قوات الأمن ركزت بحثها في مرحلة أولى حول “جبل المغارة” في شمال سيناء، وهي منطقة بالمنظور الأمني تشكل ملجأ للبدو المنبوذين المرفوضين من قبل القبائل الكبرى في سيناء، ومن هؤلاء البلطجي “سليم الشنوب” المقلب بـ “شيكان الجبل” وهو صاحب سجل حافل بصفقات السلاح وتهريب المخدرات والبشر.وفي معركة دامت بضع ساعات، قتل فيها ستة من الإرهابيين وضابط شرطة، تمكنت فرق مكافحة الإرهاب المصرية من محاصرة عدد من الأفراد اختبئوا في كهوف “جبل حلال”، في أعقاب ذلك ألقي القبض على “محمد شحاتة” في آخر أبريل 2006م فاعترف بأنه قاد ثلاثة انتحاريين إلى “دهب” بعد ما اختبئوا داخل سيارات “الفان” التي يملكها وينتقل عن طريقها الخضار الذي يقوم ببيعها كستارٍ لأعماله المشينة. وتم أيضا القبض على شخص آخر هو “إبراهيم السواركي” الذي قال في التحقيق إنه كان معه شقيقه “عطا الله” من بين منفذي التفجيرات، وأفاد “السواركي” ببعض المعلومات التي مكنت الأمن المصري من تقصي أثر الإرهابيين الفارين، وكانت دائرة البحث على مسافة مائة كيلو متر غرب دهب وسط الكهوف التي تمتلئ بها منطقة جنوب سيناء الجبلية الوعرة، والتي تعيش فيها قبيلة “جباليا”، وأثناء تمشيط المنطقة تكشفت أدلة إضافية تؤكد علاقة “التوحيد والجهاد” بالقاعدة، وتم العثور على أقراص مدمجة مسجلة عليها خطابات وتصريحات لثالوث القاعدة “بن لادن، ونائبه أيمن الظواهري، وقائد التنظيم في العراق أبو مصعب الزرقاوي” والتي تبثها مختلف القنوات الفضائية ومواقع الإنترنت بصورة دورية، وهي تتضمن دعوات مألوفة موجهة إلى المسلمين تحثهم على دعم “القاعدة” ومقاومة الحرب التي تـشن ضد الإسلام، ولقد كرر “بن لادن” هذه المعاني في شريط مصور بثته قناة الجزيرة في 23 أبريل 2006م وكان موافقـا يوم الأحد، أي قبل يوم واحد من وقوع تفجيرات دهب، مما يؤكد على أن الجزيرة كانت تقوم بإذاعة الرمز الحركي قبل قيام أي عملية إرهابية، وأن ذلك يكون من خلال شرائط هؤلاء القائمين على “القاعدة” وخصوصا “بن لادن”، ومع ذلك فإن هذه العمليات الإرهابية كانت مخططة بشكل يهدف إلى ضرب مصر اقتصاديا وأمنيا، في ذات الوقت فإن تهديد قطاع السياحة الذي يحقق أكبر نسبة مدخلات من العملة الأجنبية، ويشغل هدفـا حتميا لأي تنظيم يقصد إلحاق الضرر الجسيم بالاقتصاد المصري، وإيقاع عدد كبير من الضحايا، ولقد أصبح افتعال انفجارات متزامنة واستهداف السياح، العلامة المميزة لـ “القاعدة” هذا التنظيم المتطرف والإرهابي، وهو ما قامت به من قبل في منتجعات بـ “بالي وكينيا وتركيا” ومن هنا فإنه كان واضحا للعيان أن هجمات “دهب” تحمل بصمة القاعدة. من الناحية الأمنية، وفي تلك الفترة الزمنية، حدثت عمليات إرهابية استهدفت عناصر القوات المتعددة الجنسيات والمراقبين الدوليين المتمركزين في مطار الجورة بشمال سيناء، والمكلفين بمراقبة الحدود بين مصر وغزة؛ إلا أن هذه العمليات التي كانت تستهدف تلك القوات لم يـكتب لها النجاح، ولكن ما حدث هو أن الانتحاريين أنفسهم هم الذين لقوا حتفهم دون غيرهم، وقد تم التعرف على جثة أحدهم، وهو “عيد سلامة الطراوي” عندما تعرفت عليه زوجته “سلوى”، فيما أنكر أشقاؤه تعرفهم عليه، و”الطراوي” هذا من العريش، وكان قائد “التوحيد والجهاد” هناك، وهو مهندس تفجيرات طابا ودهب، وكان اسمه مدرجا على لائحة المطلوبين للشرطة منذ حوالي عام ونصف العام قبل عمليته الإرهابية الأخيرة، وذلك عندما ربطت الشرطة بينه وبين السيارة المسروقة التي انفجرت في فندق هيلتون بـ “طابا” ودور “الطراوي” هو أن يختار الانتحاريين ويحضر المواد الناسفة المتخصصة لعمليات التفجير، التي كان يتم تهريبها من غزة، وكان “الطراوي” قد فر مع أفراد آخرين في المجموعة الإرهابية إلى منطقة رفح على الحدود مع غزة، ومكثوا هناك بعض الوقت قبل أن يعودوا إلى العريش للانضمام إلى أميرهم “خالد مساعد” الذي عين “الطراوي” مرة أخرى ليصبح مسؤولا عن عملية تستهدف منتجع شرم الشيخ، فكلف “الطراوي” بدوره “ناصر خميس الملاحي” المشتبه بأنه القائد المنسق لهجمات دهب الثلاث الذي قتل هو الآخر في معركة بينه وبين الشرطة المصرية في حقل زيتون جنوب العريش، بعد أن أبلغ عنه الأهالي هناك، وعثرت الشرطة على عددٍ من البنادق والقنابل اليدوية وقبضت على شريكٍ له يدعى “محمد عبدالله أبو جرير”.في الوقت نفسه كانت القوى أمنية التابعة للسلطة الفلسطينية قد أكدت تقاريرها بأن مجموعة تابعة للقاعدة تطلق على نفسها “جند الله” قد باشرت نشاطها في غزة، وأنها قد نشأت أصلا في “وزير ستان” وهي منطقة ذات طابع جبلي وقبلي في باكستان، ولا تخضع لسلطة القانون، وترد تقارير كثيرة عن وجود “بن لادن” فيها، وقد أنضم إلى “جند الله” في غزة عدد من أعضاء “حماس” والجهاد الإسلامي، وقد أقر “د . محمود الزهار” من خلال تقريرٍ له بأن القاعدة تنشط في غزة، وإضافة إلى تواجدها على الأرض فثمة اتصالات هاتفية أيضا بين غزة ومراكز تابعة للقاعدة في بلدان أخرى مثل “اليمن، أندونيسيا ومالي”.وقد أوضح كذلك رئيس السلطة الفلسطينية “محمود عباس” عن بعض مخاوفه، التي جاءت في تقريرٍ له بأن هناك أدلة على وجود “القاعدة” في الضفة الغربية وغزة، وبأن هذا التسرب قد يهدد المنطقة برمتها بالخراب، وذكر “أبو مازن” أن المنظمة الإرهابية تحاول إقامة قواعد لها في الأراضي الفلسطينية.من جهته حاول “سامي أبو زهري” أحد المتحدثين باسم حماس أن يفرق بين حماس والقاعدة من الناحية العقائدية، وكانت محاولته تصب في خانة أن تنظيم القاعدة في غزة هو وهم، ولكن الحقيقة أن دائرة إدراك خطورة وجود “القاعدة”، وأحد هذه البيانات يقول :“سنحارب كافة السياسيين الفاسدين، وغير المؤمنين، وستكون حربا عظيمة لتطهير أرض الإسلام فلسطين” كما يشير البيان إلى أن تنظيم “التوحيد والجهاد” في سوريا الكبرى وارض الكنانة مصر (ويقصدون نفرا من المنبوذين في سيناء)، سيتوعدون بقطع أعناق الكافرين من منظمة فتح وكل البلاد المجاورة الأخرى “يقصدون مصر والأردن”. وتذكر التقارير الأمنية الفلسطينية أن الانضمام لحركات جهادية شمولية مثل “القاعدة” ليس تقليدا جديدا في الأوساط الفلسطينية التي تشغل المنطقة بقضيتها، فقد كان هناك “عبدالله عزام” الذي أصبح فيما بعد المرشد الروحي لـ “بن لادن” وقد ولد “عزام” في جنين بالضفة الغربية عام 1941 وكان عالم دين متخصصا في النهج الإسلامي الراديكالي المعاصر، وحصل على درجة الدكتوراه في الفقه الإسلامي من جامعة الأزهر بالقاهرة، وجمعته صداقة مع “سيد قطب، وعمر عبدالرحمن، وأيمن الظواهري”، وأصبح “عزام” عضوا في تنظيم الأخوان المسلمين، ولكنه عام 1979 مع بداية حرب روسيا لأفغانستان أصدر “عزام” فتوى تقضي بأن الصراعين في فلسطين وأفغانستان هما “جهاد شرعي” وبأن قتل الكفار في هذين البلدين هو واجب كل مسلم، وسافر عزام إلى باكستان، وأنشأ جماعة “بيت الأنصار” التي كانت بمثابة مكتب خدمات، بما عرف بالمجاهدين العرب الذاهبين للجهاد في أفغانستان، وهناك يحصلون على الإرشادات ويخضعون للتدريب العسكري المطلوب، وعند ذلك بدأت علاقة “عبدالله عزام” بـ “أسامة بن لادن” مع بداية الثمانينات عندما أقام “عزام” بأحد منازل “أسامة” في السعودية، وفي عام 1985 زار “بن لادن” باكستان، وانخرط في القضية الأفغانية وتوثقت علاقتهما على خلفية هذه القضية، وبعد مرور سنوات انعكست أيديولوجية “عزام” على خطاب “بن لادن” في رسائله المصورة، التي صارت تبث عالميا منذ أحداث 11 سبتمبر.. ومع ذلك يبقى هناك لغز محير حتى الآن، وهو أن “عزام” الذي كتب دستور “حماس” قـتل في “بيشاور” مع اثنين من أبنائه عام 1989م عندما انفجرت ثلاث قنابل مزروعة على جانب الطريق، فيما كانت سيارتهم تمر في طريقها المعتاد إلى المسجد، ولم يعلن أحد مسؤوليته عن هذا الاغتيال.وظل أتباع “عزام” الذين كانوا في الغالب من أصل فلسطيني يرون صعوبة نشر تنظيم “الجهاد والتوحيد” عبر فلسطين بسبب المراقبة على الحدود، على الرغم من إنشائهم للتنظيم في غزة، التي يصدر عنها بيانات تنديد ووعيد طوال الوقت، وقد حذر كثيرون من العاملين في أجهزة الاستخبارات بالشرق الأوسط، من أن الوضع القائم يطرح السؤال التالي:ماذا ستفعل هذه التنظيمات الجهادية في غزة لتعبر الحدود؟ خاصة أن عددا كبيرا منهم مرتبط بجناح حماس العسكري، الذي بدوره يزرع خلايا متطرفة مع بعض الخارجين عن القانون في سيناء، خاصة أن تنظيم “القاعدة” يستغل القضية الفلسطينية ويقوم باستقطاب وتجنيد جدد في صفوفه من منطلق الظلم والمعايير المزدوجة للقوى العظمى في العالم لتطبيق قرارات الأمم المتحدة التي تنص على انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة، ولقد وظفت “القاعدة” هذه المسألة الحساسة والمثيرة للعواطف لتبرير اعتداءاتها ضد الكفار حسب قولها في كل البلدان، وخاصة المجاورة.ومن هنا فإن الحال بالنسبة لثلاثة أعضاء من حماس، أوقفتهم أجهزة الأمن المصرية في أعقاب سلسلة الهجمات الانتحارية التي استهدفت السياحة في سيناء ترجح بل تؤكد أن هناك تحالفا مستقبليا بين بعض الحمساويين المتشددين والقاعدة، وأن ذلك سيلحق الضرر ليس بدول الجوار فقط، ولكن بالمجتمع الفلسطيني لأنه سيصبغه بطابع العنف العشوائي، والحقد الذي يوصف به “تنظيم القاعدة”.
تصدير تنظيم (القاعدة) إلى مصر عن طريق (حماس)
أخبار متعلقة