(مدخل إلى الفلسفة العربية الإسلامية)
عرض وتلخيص د. عبدالرزاق مسعد سلامضمن سلسلة الكتاب الجامعي 2010م صدر عن دار جامعة عدن للطباعة والنشر الكتاب الجامعي المرجعي الثاني للأستاذ د. محمد عبدالقوي مقبل أستاذ الفلسفة المشارك في كلية التربية جامعة عدن بعنوان (مدخل إلى الفلسفة العربية الإسلامية)، وهو مخصص للطلبة الجامعيين الدارسين في مساقي الفلسفة والدراسات الإسلامية خصوصاً الفلسفة العربية الإسلامية.ويعتبر الكتاب إضافة علمية وفلسفية إلى مكتبة جامعة عدن ويمكن لهذين المؤلفين تسهيل مهمة طلاب الدراسات الإسلامية والفلسفة في كليات التربية في الجامعة.يتكون كتاب (مدخل إلى الفلسفة العربية الإسلامية) من تصدير وأربعة أبواب منها الباب الأول الذي يحمل عنوان (تمهيد عام) أما بقية الأبواب فتتكون من تسعة فصول وفي خاتمة الكتاب توجد عناوين لمجموعة من المراجع، والكتب والمصادر الغنية ذات الفائدة الجمة لطلاب الدراسات الإسلامية والفلسفة العربية الإسلامية.وقد تضمن الباب الأول مقدمة عامة لدراسة الفلسفة العربية الإسلامية عن مفهوم ومعنى الفلسفة (ظهورها، موضوعها مباحثها، دوافع التفلسف، وظائف الفلسفة، فائدتها، ومراحل تطورها وأقسام الفلسفة العربية والإسلامية).واشتمل الباب الثاني الموسوم (عوامل ظهور الفلسفة العربية الإسلامية) على فصول ثلاثة: النهضة الحضارية الإسلامية، كعوامل داخلية، والتأثيرات الفكرية والفلسفية الخارجية، وخصائص الفلسفة العربية الإسلامية.واشتمل الباب الثالث (فلاسفة الإسلام في المشرق) على ثلاثة فصول تناولت أبرز فلاسفة الشرق وهم، أبو يوسف يعقوب بن إسحاق الكندي من قبيلة كندة وعلاقته بالمفاهيم الفلسفية الأولى وفلسفته عن الخلق ونظرية العقل في الفصل الأول.وتناول الفصل الثاني أبو نصر محمد بن اوزلغ بن طرحان الفارابي، (870 ـ 950) وقد أخذ نسبه من مدينة فاراب التركية. تناول هذا الفصل الفارابي كمعلم ثان وأهميته في تاريخ الفلسفة العربية الإسلامية واحتلاله المقام الأول بين المفكرين والفلاسفة، وقد وصفه المترجمون بأنه أكبر فلاسفة الإسلام، وسموه بالمعلم الثاني بعد أرسطو، حيث نجح الفارابي في شرح منطق أرسطو وتيسير دراسته للراغبين وكان متأثراً وشغوفاً إلى أبعد الحدود بكتب أرسطو طاليس.تظهر أهمية الفارابي في تاريخ الفلسفة العربية الإسلامية في أنه أول من فصل الفلسفة عن علم الكلام مخلفاً موروثاً ضخماً في الفكر الإنساني للبشرية حتى يومنا هذا، وعرف الفلسفة ومفاهيم نظرية المعرفة ونظرية الفيض في صيغتها العربية الإسلامية، وتعمق في بلورة مفهوم المدينة الفاضلة ومفهوم السعادة.وعند الفارابي فـإن الله هو خالق الكون وما يتبعه وإن الله سبحانه وتعالى يعقل ذاته ويعرفها، وهذه المعرفة هي من قدرته سبحانه وتعالى ومن ذلك خرج العالم ووجود الأشياء عنده على عكس أفلوطين صاحب النظرية أو الفلسفة الأولى عن (الفيض) الذي - والعياذ بالله - ينفي عن الله علمه بذاته .. لكنه يجعل الله سبحانه وتعالى فوق العلم وفوق العقل.وعن المدينة الفاضلة حدد الفارابي مفهوم المدينة الفاضلة التي أسس لمفهومها (أفلاطون) باعتبارها ضرورية للاجتماع الإنساني وبها وحدها يتعاون الاجتماع الإنساني (الفوقي والتحتي) على نيل السعادة وخلق الأمة الفاضلة.ويحدد ماهية رئيس المدينة الفاضلة والرئيس الثاني لها والصفات التي يجب أن يتمتع بها رئيس المدينة الفاضلة وهو ما يمكن تسميته بالدولة الفاضلة والمجتمع العادل والرئيس العادل أو الحكم العادل منذ العالم الروماني القديم والوسيط حتى العالم الحديث والمعاصر.هذه الصفات عددها اثنا عشر صفة وأهمها: أن يكون جيداً في الفهم والتصور لكل ما يقال، وجيداً في الفطنة والحفظ والذكاء، ومحباً للعلم، وللصدق ولأهله، ومبغضاًَ للظلم، وأن يكون الدرهم والدينار وسائر أعراض الدنيا هينة عنده ... الخ.في مواجهة المدينة الفاضلة (دوماً ما تبرز مضاداتها من المدن (من الدول) أو الاجتماع الإنساني وهو ما أثبتته الحياة الإنسانية الواعية حتى العصر الحديث.مثال: 1ـ المدينة الجاهلة التي تنقسم إلى عدة أنواع أهمها.مدينة الخسة والشقاوة التي يهدف أهلها إلى التمتع باللذة الحسية.مدينة الكرامة وأصحابها يطلبون المجد والعظمة من أجل الشهرة وهم لا يهتمون بقيم الوطن ومصالحه أو العدالة ولا الحق ولا النهوض بالشعب.مدينة التغلب التي تستبد شهوة القوة والقهر في سبيل اللذة التي تنالها من التغلب على الآخرين.المدينة الجماعية، التي يعمل أهلها على هواهم فلا يتقيدون بقانون ولا تعلو على رغبتهم سلطة أو إرادة! 2 - وهناك المدينة الفاسقة وهي التي لا تنطبق أقوالها مع أفعالها فآراؤها وقوانينها آراء وقوانين المدينة الفاضلة وأفعالها أفعال المدينة الجاهلة.3ـ المدينة الضالة والتي لا تعترف بالله خالق الكون ولا بالعلم ولا بالعقل الفعال.4ـ مدن أخرى.وتشترك هذه المدن جميعاً ببعدها عن الحق وشذوذها عن الصواب .. الخ.ـ وتضمن الفصل الثالث من الباب الثالث حياة أبي علي الحسين بن عبدالله بن الحسن بي علي (ابن سينا) (980 ـ 1037م) المولود في أفشنه من قرى بخارى أوزبكستان .. لقد قدر لمؤلفاته أن تغزو الشرق والغرب على السواء، وقد ظلت كتبه تدرس في الجامعات الأوربية حتى عصر النهضة .. وله من المؤلفات ما يزيد على مائتين كتاب والفلسفة عند ابن سينا هي كما كانت عند الفارابي.ومن أهم إبداعات ابن سينا تحديده مفهوم النفس .. ويعد ابن سينا أمام فلاسفة الإسلام في دراسة النفس واهتم اهتماماً لا مثيل له عند الفلاسفة السابقين عليه .. والنفس هي المشكلة التي حيرت عباقرة العالم قديماً وحديثاً حتى أصبح لها علماً خاصاً بها هو (علم النفس) وقد وقف ابن سينا في مسألة النفس موقفاً وسطاً بين أفلاطون وأرسطو فاتفق مع أرسطو بالقول أن النفس صورة للبدن وأتفق مع أفلاطون بالقول بخلود النفس، وكان ذلك بفعل تأثير العقيدة الإسلامية التي تقدر أن لا قديم إلا الله، وأن القول بخلود النفس ضروري (لتحقيق) معنى الثواب والعقاب. وقد قسم النفس .. إلى ثلاث .. النفس الإنسانية والنفس الحيوانية والنفس النباتية. وقد قسم تلك الأقسام إلى عدد من القوى التفصيلية وعن خلود النفس الإنسانية أستدل ابن سينا بأربعة أدلة وهي دليل المغايرة والبساطة، والاشتقاق ودليل الأحلام.ومن إسهاماته الفلسفية تحديده لمفهوم نظرية المعرفة وتنقسم المعرفة عند ابن سينا الى ثلاثة أنواع:معرفة بالفطرة معرفة بالفكرةمعرفة بالحدسوقد جعل ابن سينا العقول في خمس مراتب:العقل الهيولي وهو العقل الإنساني في أول أطواره.العقل بالملكة وهو المرحلة الثانية التي يتقبل فيها المعقولات الأولى من العقل الفعال.العقل بالفعل وهي المرحلة الثالثة حينما تفيض على العقل بالملكة معلومات ومعقولات اخرى من العقل الفعال.العقل المستفاد وهو العقل الذي يكون الصورة المعقولة حاضرة فيه فيعقلها ويدرك أنه يعقلها بالفعل.العقل القدسي وهو من أرفع العقول وأسماها وليس مما يشترك فيها الناس جميعاً وهذه العقول هبة إلهية .. ففي هذه العقول السامية ترتسم كثير من الصور التي هي في العقل الفعال، كعقول الأنبياء والحكماء والعلماء، وهم من يرتشفون من رصف المعرفة الماورائية.أما الفصل الرابع من الباب الثالث فقد تناول (أخوان الصفا وأصلهم كجماعة وأسس تكوينهم وفلسفتهم عن التصورات الاجتماعية والسياسية) وهو يؤكدون الطابع الاجتماعي للعمل وقيمة العمل وأهداف العمل.لقد ظهر (أخوان الصفا) في القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي) في البصرة وكانت مواعظهم أو فلسفتهم تقوم على عدم معاداة علم من العلوم أو هي كتاب من الكتب والا يتعصبوا لمذهب من المذاهب .. ورأيهم هو أن مذهبهم يستغرق كل المذاهب ويجمع العلوم كلها هناك الكثيرون من الفلاسفة والعلماء ممن اختلفوا مع أفكارهم في ما يخص العلاقة بين الفلسفة والدين عندما زعموا بأنه متى انتظمت الفلسفة واندمجت مع الشريعة الإسلامية فقد حصل الكمال.الباب الرابع من الكتاب أفرده المؤلف لفلاسفة الإسلام في المغرب (ابن رشد وابن خلدون) في فصلين في الفصل الأول استعرض المؤلف حياة محمد أحمد بن محمد بن رشد وكنيته أبو الوليد ولزمته هذه الكنية في حياته من 1126 ـ 1198 وولد في قرطبة بالأندلس وتوفي في مراكش وقد تميز ابن رشد بثلاث لم يتميز بها أحد قبله وبعده من فلاسفة الإسلام وهي:انه اكبر فلاسفة العرب وأشهر فلاسفة الإسلامأنه من أعظم حكماء القرون الوسطى عامة، وهو مؤسس مذهب الفكر الحر، فكان له قدر عظيم في نظر أهل أوروبا.أنه أندلسي وللأندلس آثارها ومكانتها في تاريخ العالم.أهم إبداعاته كفيلسوف أن ابن رشد حاول التوفيق بين الدين والفلسفة، وإن كان قد سبقه إلى ذلك عدد من الفلاسفة قبل الإسلام وبعده، كالكندي، الفارابي وابن سينا وابن طفيل .. وما ميزه عن هؤلاء هو أنه إلى جانب اجتهاده للتوفيق بين الحكمة والشريعة في نظرياته الفلسفية، فقد أفرد لدراسة هذا الموضوع كتاباً خاصاً سماه فصل المقال في ما بين الحكمة والشريعة من الاتصال مؤكداً النظر الفلسفي مأمور به في الشرع ويؤكد أن فعل الفلسفة ليس شيئاً أكثر من النظر في الموجودات واعتبارها من جهة دلالاتها على الصانع.ويؤكد ابن رشد وحدة الحقيقة .. ويعتبر العقل هو الهادي إلى الحق ويعني ذلك أن غاية الشريعة والفلسفة واحدة وهم تعلم الحق والعمل الحق (والهدف) يكمن في نهاية المطاف بالوصول إلى الحق.ومن اهتماماته الفلسفية يفرد حيزاً فلسفياً وعلمياً لمسألة السببية .. حيث يرى أن العالم بجميع ما فيه خاضع لنظام لا يمكن أن يوجد أتقن منه فقد كانت علاقة الله جل جلاله بالعالم علاقة الخالق والمخلوق الصانع والمصنوع بحيث يكون كل شيء مقيد فيه بنظام وترتيب يدلان على الحكمة والعناية، فالله سبحانه وتعالى هو الصانع وله عنايته بمخلوقاته ومن شأن الصانع الحكيم أن يرتب (الجواهر والأعراض ترتيباً محكماً وأن يضع كل شيء في المكان اللائق به.ويفرد المؤلف الفصل الثاني من الباب الرابع للفيلسوف (ابو زيد عبدالرحمن بن محمد بن خلدون الحضرمي المولود في تونس عام 1332م).لقد أشتهر ابن خلدون بكتاب واحد بل بجزء واحد من ذلك الكتاب ألا وهو (مقدمة ابن خلدون) وفيها أتى بمباحث مستحدثة مما أطلق عليه أهل هذا الزمان اسم علم الاجتماع وعلم السياسة وفلسفة التاريخ وقد تصدى، هذا الفيلسوف الإسلامي لتلك المباحث وأجاد فيها حينما كان أهل أوروبا في غفلتهم ولم يكتب من العرب في هذه المباحث سوى نتف متفرقة لا قيمة لها.لقد توسع ابن خلدون في ذلك بما استنبطه عن الأسباب والنتائج بدراسة الحوادث والبحث في عللها. ولان ابن خلدون قد استبق في مقدمته أفكار الكثير من فلاسفة وعلماء الغرب الذين اعتبروها أعظم إبداع فكري، وتزايد الاهتمام بها حتى ترجمت إلى اللغات اللاتينية والألمانية والايطالية والانجليزية والروسية، والفرنسية واليابانية .. وتعتبر نظريته عن التاريخ والعمران بدون شك هي من جعله يحتل مكانة بارزة في تاريخ الفكر الفلسفي في الإسلام وفي طليعة المفكرين الإسلاميين.