بين مقهى الملائكة وأنثى السرير
كتبت/ ظبية خميس مريم ناصر قلم جديد يكتب القصة القصيرة، أو ماهو أقرب إلى النوفيلا الموجزة في كتابها الأول (منينة). تكتب عبر عوالم متعددة متأثرة في أسلوبها بعناصر حديثة في الكتابة مثل أفكار النيو ايج وروايات باولو كويلهو والسحرية الواقعية في أدب أميركا اللاتينية. تكتب أحوالاً إنسانية، قابلة للحدوث في أي مكان، وتكتب أيضا بمحلية تلعب على عناصر التناقض في المجتمع الإماراتي. وأيا كان ما تكتبه مريم ناصر فإن اعتناءها بالتفاصيل والبناء يجعل سردها متسقا ومشوقا في الوقت نفسه. وتبدو بذرة الرواية كامنة في حكاياتها أو مطولاتها القصصية.(منينة) تجمع خمس حكايات أو قصص. تبدأ بقهوة الملائكة حيث لا مسمى للمكان أو للمدينة بل يتداخل الواقعي بالميتافيزيقي والحياة بالحلم والموت وما وراءه. وتظهر هنا تأثيرات قراءات ومشاهدات مريم ناصر، فالقصة تحيلنا إلى ذاكرة أفلام شاهدناها وروايات قرأناها دون أن تشير الكاتبة بالتحديد إلى ذلك. فهي كتابة سحرية عن كائنات متخيلة ترتبط بكائنات واقعية. عبر ابتكارها لشخصية امرأة تقرأ في مقهى ، امرأة - ملاك ، وشاب تتقاطع عواطفه مع تلك المرأة أو تتشابك مشاعره مع شخصية يشهد حضورها وهالتها ولا يعرف تفاصيلها الشخصية. كل ما أحبه منها هو نظرتها ، كتابها الذي تقرأه ، وجلستها المحسوبة في المقهى الذي تأتي إليه وتغادره في مواعيد منضبطة. تحرك خياله وفضوله وحبه لها. تصبح هاجسا يرافقه. يسميها ايف ، وماريا ، وهي كل يوم اسم آخره ماجدولي. يلتقيها بعد حادثة سقوط طائرة في برزخ ما ويحاورها غير أنه لا عالم حقيقي يجمع بين بشر وملاك.كتابة نورانية تجمع ما بين عالمين ، وما بين ملاك وبشر. كتابة تشعر بسذاجتها الطيبة وتترك أثرا شفافا على الروح بعد قراءتها.في قصتها التالية (ثمالة) نجد مناخا مشتركا لقصص تكتب في الإمارات فيها تداعيات داخلية ، وأحداث حول تفكك اجتماعي ضمن سيرة الراوية للحكاية. البيوت المفككة ، والعلاقات المشبوهة ، ووحدة النساء ، والضياع النفسي والاجتماعي. كتابة شاعرية تحتشد بمخيلة اللامعقول السوريالية لكوابيس تختلط بالواقع في حياة امرأة شابة تتداخل في رأسها الذكريات السيئة التي عاشتها مع الرجال من أبيها المدمن للكحول إلى شاب يتحرش بها جنسيا وإلى رجال يشتهونها.وتنتمي (منينة) إلى حكاية تشبه الحكايات التراثية والخراريف. منينة الجارة العجوز تحكي سيرتها عبر قصص تتوالى عن شخصية مهير الطاغية التي تصغي إليها الطفلة عليا لتكتمل القصة فيما بعد وتنتهي لندرك أن منينة هي بطلة حياة مهير ، الجارية التي أحبها وتزوجها وأنجب منها ومات تاركا لها الأولاد والثروة واحتقار الأولاد لأمهم بسبب أصولها وإشاعات حول ممارستها للسحر. حكاية جميلة يختلط فيها الماضي بالحاضر والحب بالجحود ومفردات التراث والحياة الاجتماعية في الإمارات.ويمثل الاشتهاء وعنصر الرغبة العامل المشترك بين جميع القصص في هذه المجموعة، فمن اشتهاء الشاب للفتاة الملاك، إلى الشهوات المتأرجحة ومحاولة الاغتصاب في ثمالة ، إلى علاقة الجارية بمهير وصولا إلى قصة الرجل الذي يشتهي كل النساء ولا يشتهيه أحد ، والتي هي ربما أضعف قصص المجموعة. تدور حول حارس مؤسسة يساعد النساء ولا ينتبهن إلى وجوده مقابل حارس جديد يحل محله ويكون في عكس وضعه. وتبدو القصة مبتسرة بالمقارنة ببقايا القصص وأقرب إلى مشهدية تأمل منها إلى بناء حكاية متماسكة.وإذا كانت مريم ناصر بدأت مجموعتها بقصة تدور حول ملاك - أنثى تحب القراءة وتسعى نحو السمو، فإنها تنهي مجموعتها بقصة حول عاهرة تعيش حياة المشاع عبر قصتها “أنثى السرير” ، والتي هي رسالة تسرد فيها امرأة مجهولة حكايتها لصحفي شاب ابن صاحب مؤسسة كبرى وتذكر له تفاصيل حياتها وتحكي عن أمها وصاحبها وجلسات الصخب وتدشين دخولها إلى عالم الدعارة. قصة تعتمد الإثارة الجنسية والحسية في سردها لنفاجأ في آخر الرسالة بأنها أخت ذلك الشاب غير الشرعية.وعلى عكس القصة الأولى فإن القصة الأخيرة التي تسرد حالة فيها شيء من البونوغرافي السطحية تثير حالة من النفور بالمقارنة بالحكاية الأولى.(منينة) كتاب أول لقاصة تبشر بمولد روائية متمكنة وممتعة في المستقبل القريب، صدر عن مطبوعات “قلم” بهيئة أبوظبي للثقافة والتراث عام 2009.