في عام 1938م قدم إلى عدن زعماء فلسطين المنفيون إلى جزيرة “سيشل” برئاسة أحمد حلمي باشا ومعه د. الخالدي والغصين وفؤاد سابا ورشيد الحاج إبراهيم وأقيمت حفلة لاستقبالهم في نادي الإصلاح بعدن وكان من ضمن المحتفين بهم فريق كشافة عدن ومن ضمنهم الشاعر علي محمد لقمان الذي كان في نحو العشرين من العمر.ورغم صغر عمر الشاعر إلا أنه ألقى قصيدة طويلة خماسية أثارت إعجاب الحاضرين فنهض رئيس الوفد الفلسطيني السيد أحمد حلمي باشا وأشاد بها وبالشاعر وقام السيد فؤاد سابا وخطف القصيدة من الشاعر, واستشهد السيد الغصين ببعض أبياتها.لم تكن هناك أية صحيفة مستقلة في ذلك الزمن فأول صحيفة من ذلك النوع وهي فتاة الجزيرة لم تظهر حتى أول يناير 1940م وكان مؤسسها المحامي محمد علي لقمان والد الشاعر. ولكن القصيدة انتشرت في أرجاء عدن واليمن مخطوطة ويقال ان خمسمائة شاعر في اليمن قد عارضوها كما جاء في مقال في صحيفة القلم العدني بتاريخ 17/9/1958م.ويقول المقال إن القاضي الراوية الشهير الشاعر/ أحمد الحضراني سافر إلى عدن ليستمع إلى القصيدة من فم الشاعر نفسه. والقاضي الشاعر أحمد محمد الحضراني هو والد الشاعر اليمني الكبير إبراهيم الحضراني حفظه الله. وكان القاضي أحمد بن محمد الحضراني صديقاً لوالدي الشاعر الدكتور محمد عبده غانم رحمه الله وعندما توفي القاضي أحمد في يوليو 1987م رثاه والدي بقصيدة طويلة جميلة عنوانها “غياب قرنين” إذ يقال أن القاضي توفي عن 120 سنة. وقد أدرجت القصيدة في دويان “ الأنامل الجافة” من شعر والدي والذي أصدرته عام 1999م بعد وفاة والدي بخمسة أعوام والديوان أيضاً ضم إلى الأعمال الشعرية الكاملة لوالدي الذي صدر عن وزارة الثقافة بمناسبة صنعاء عاصمة للثقافة. ونقتطف من قصيدة والدي بضعة أبيات لأنها تذكر بأجواء نادي الإصلاح في الأربعينيات من القرن الماضي وكان القاضي مشهوراً بالرمي بالبندقية : القرن ولى وقد طاف المطاف به[c1] *** [/c]قرنا وعشرين إن تنقص وإن تزد البندقية قالوا قد يصيب بها[c1] *** [/c]مقلوبة مهجو الشاهين في الكبد قد هالني القول حتى إذ ظفرت به[c1] *** [/c] لم ألق إلا مقالاً جد مقتصد وكان أول لقيانا ذرى عدن[c1] *** [/c]في سفح ناد بأهل الفضل محتشد فيه “ الزبيري” يوماً كان مجلسه[c1] *** [/c] و” الموشكي” مع “ الشامي” أخي الرشد وكان “ نعمان” يدعو فيه رفقته[c1] *** [/c]كي يبلغوا سندا يفضي إلى سند ومن يكن “بأبي الأحرار” مقتديا[c1] *** [/c]ما سار من نضد إلا إلى نضد نعود إلى موضوع قصيدة لقمان ففي عام 1941م وصل إلى عدن أحد أعداد صحيفة “ مصر الفتاة “ وكانت صحيفة مصرية وطنية معادية للاستعمار البريطاني وفي صدرها قصيدة علي لقمان التي ألقاها أمام الوفد الفلسطيني المنفي إلى “ سيشل “ وكانت القصيدة مع مقدمة للشاعر المصري الراحل عبد الحميد الديب يشيد القصيدة الوطنية قائلاً إنها قيلت في استقبال الوفد العراقي إلى اليمن.فجأة اهتم الاستعمار البريطاني بعدن بالقصيدة وكان إما تجاهلها عند إلقائها عام 1938م أو أنه لم يعلم بها.وترجمت القصيدة إلى الانكليزية وأثارت كلمة« الجهاد » مشكلة لدىالاستعمار أوشكت أن تؤدي إلى قرار بنفي على لقمان إلى جزيرة «كمران بتهمة التحريض وكان البريطانيون يخوضون يومها» الحرب العالمية الثانية ضد الألمان وكان علي لقمان نفسه يعمل يومها مترجماً في مكتب النشر البريطاني وكانت المستشرقة الشهيرة “ فريا ستارك “ تعمل في نفس المكتب في تلك الأيام وقد أشادت في بعض كتاباتها بعلي لقمان.ويبدو أن الحاكم البريطاني لعدن لم ينفذ قرار النفي ربما لأن لقمان كان في نحو العشرين عندما ألقى القصيدة ولأنها قيلت عام 1938م أمام الوفد الفلسطيني وليس عام 1941م أمام الوفد العراقي.. أي أنها قيلت قبل الحرب العالمية ولم تكن تحرض على الانكليز في جانب دول المحور. وأبيات القصيدة تقع في أربعين بيتاً من الشعر البيتي العمودي والنسق الكلاسيكي الذي تجاوزه لقمان لفترة عندما أصدر ديوانه الأول “ الوتر المغمور” الروماني ولكنه عاد إليه في دواوينه الكثيرة اللاحقة بعد أن انخرط في العمل السياسي المطالب بالحكم الذاتي كخطوة أولى نحو استقلال عدن. وتبدأ القصيدة كما يلي :طاب الجهاد لكل أروع ضيغم[c1] *** [/c] فخض الدماء بصارم متكلملغة السيوف إذا اختبرت بيانها[c1] *** [/c] الفيته يشفي الجوى كالبلسموالمجد يبني بالصوارم عرشه[c1] *** [/c]والملك يزهو بالسيوف ويحتمي والحر يغشى الحرب وهي جهنم[c1] *** [/c]والحرب تعنو للكمي المعلم ليس العروبة ذلة وغضاضة[c1] *** [/c] إن العروبة حرة لم تظلم يا ابن الوليد وأنت في ثبج الثرى[c1] *** [/c]نم هانئاً ليس الأسود بنوم علمتنا فن القيادة في الوغى[c1] *** [/c]أكدم بندب لا يني ومعلم “ لا نامت الجبناء “ قول قاله[c1] *** [/c]بطل فأكرم بالمقال وأعظم وفي القصيدة يلتفت الشاعر إلى صلاح الدين فهو أمام وفد فلسطيني والمسيح عليه السلام قائلاً :بشر صلاح الدين أن خميسه[c1] *** [/c]في القدس لم يحجم ولم يتجمجم فإذا المسيحي الكريم مجاهد[c1] *** [/c]يحمي الذمار مع أخيه المسلم بشرى النبي محمد في قبره[c1] *** [/c]بشرى المسيح مثبورة لم تهزم ويتحدث طويلاً عن الكرامة والحق والجهاد منوهاً بالوفد الثائر والمناضلين الفلسطينيين ويختتم القصيدة بهذه الأبيات الوطنية التي تزعج المستعمر :عدن وإن عبث الزمان بأهلها[c1] *** [/c]عربية عربية لم تكلم واليوم تاهت أرضها وسماؤها[c1] *** [/c]وتزينت للأشوس المتقدم ومضى إليه شبابها وشيوخها[c1] *** [/c]مرحى لعنترة.. وعنترة أسلم لا تحزين إذا الخطوب تكاثرت[c1] *** [/c]وادي الفخار مخضب بالعندم أو ليس للحرية الحمراء من[c1] *** [/c]بذل وصبر في الكفاح المظلم؟ وهذه القصيدة في حد ذاتها تدل على أن على لقمان كان قد استوى شاعراً واطلع على عيون التراث والشعر المعاصر وهو دون العشرين فنحن نرى في القصيدة إشارات إلى أبي تمام وعنترة وشوقي وتاريخ الأمة العربية والإسلامية.عدن وإن عبث الزمان بأهلها[c1] *** [/c] عربية عربية لم تكلمواليوم تاهت أرضها وسماؤها[c1] *** [/c]وتزينت للأشوس المتقدم ومضى إليه شبابها وشيوخها[c1] *** [/c] مرحى لعنترة.. وعنترة أسلم لا تحزن إذا الخطوب تكاثرت[c1] *** [/c]وادي الفخار مخضب بالعندم أو ليس للحرية الحمراء من[c1] *** [/c]بذل وصبر في الكفاح المظلم؟ وهذه القصيدة في حد ذاتها تدل على أن على لقمان كان قد استوى شاعراً وأطلع على عيون التراث والشعر المعاصر وهو دون العشرين فنحن نرى في القصيدة إشارات إلى أبي تمام وعنترة وشوقي وتاريخ الأمة العربية والإسلامية.
|
ثقافة
قصيدة كادت تؤدي إلى نفي صاحبها
أخبار متعلقة