ابداعات واعدة
أسيل فؤاد[c1]* قصة قصيرة : قضاء العطلة[/c]اسمي « مجدولين « أبلغ من العمر ثلاثة عشر عاماً، أنا فرنسية لكني أجيد التحدث باللغة العربية.. اتفقت أنا وأمي وأبي أن نذهب في زيارة إلى مدينة « دبي « لقضاء العطلة الصيفية هناك، رتبنا الحقائب استعداداً للسفر، لكن لسوء الحظ تبين أن هناك خطأ في الحجز، فبدلاً من وجود ثلاثة مقاعد هناك مقعد واحد، اقترح أبي أن أسافر أولاً، ثم يتبعاني هما فيما بعد.. رفضت هذه الفكرة بشدة لكنهما أقنعاني وقالت لي أمي: لا مشكلة يا « مجدولين « سافري أنت وسيستقبلك عمك في مطار دبي.. أقنعاني بكلامهما وفي اليوم التالي ذهبت إلى المطار وركبت الطائرة، لكن فجأة أمسك بيدي غريب بيده مسدس، ارتبكت وقلت في نفسي ماذا يريد هذا الرجل؟ وما هي إلا لحظات حتى تبين لنا أنه يريد اختطاف الطائرة، بحيث تنحرف عن مسارها وتهبط في مطار صنعاء الدولي في اليمن، إنها حقاً مشكلة.. لقد أخذني رهينة ماذا سأفعل الآن يجب أن أدافع عن نفسي، عندها استطعت التخلص منه بحركة قتالية كنت قد تعلمتها في نادي الجودو والمهارات القتالية.. أثنى كل من في الطائرة على شجاعتي وبعد دقائق معدودة قالت مضيفة الطائرة : يرجى من السادة المسافرين أن يجلسوا في أماكنهم، نعتذر منكم لن نستطيع أن نهبط في مطار دبي سنضطر إلى الهبوط في مطار صنعاء الدولي.حقاً هذه مشكلة أنا الآن وحدي والأسوأ من هذا أنني لا أعرف أحداً في اليمن، بل إنني لم أزرها من قبل إنها مشكلة كبيرة.. ماذا سأفعل الآن بعد أن هبطنا في مطار صنعاء الدولي؟ تقدم إليّ شخص وسألني أين والداك؟ أخبرته بما حصل معي فقال لي: يسرني أن آخذك معي إلى منزلي سأعرفك بزوجتي وأطفالي، ما رأيك؟ أجبته لا أستطيع لأني لا أعرفك، فقال شخص آخر كان بجوارنا : أنا سآخذك معي أسمي «فريد» وأعمل مرشداً سياحياً كما أنني أسكن وحدي مع أمي، لا داعي للخوف فأنت الآن ضيفة في بلادي حتى يأتي والداك ويأخذاك إلى حيث يريدان.. وقدم لي بطاقة عمله كمرشد سياحي لأطمئن.اقتنعت بما قاله فهو يبدو رجلاً طيباً : قلت له : حسناً سيد «فريد» سأذهب معك وأرجو أن لا أسبب لك أو لوالدتك الإزعاج.ذهبت إلى منزله وتعرفت على والدته وسلمت عليها.. وقلت : مرحباً سيدتي اسمي «مجدولين» أنا من فرنسا فقالت لي : أهلاً وسهلاً بك يا ابنتي أنا أسمي «مريم» ومن دواعي سروري أن نستضيفك في منزلنا المتواضع وأرجو أن تقضي معنا وقتاً سعيداً، فدلتني السيدة على غرفتي التي تطل على مدينة صنعاء القديمة، أعجبتني مبانيها التي تبدو كأنها لوحة فنية رائعة الجمال، ليت أبي وأمي معي الآن لكن لا مشكلة يبدو أنني سأستمتع بقضاء العطلة في اليمن، خرج السيد «فريد» وعاد بعد حوالي ربع ساعة وقال لأمه : هل الغداء جاهز؟ فأنا جائع جداً، ثم قال : «مجدولين» بعد الغداء سآخذك لأعرفك على أهم المعالم الأثرية في صنعاء، وغداً إن شاء الله سآخذك إلى بعض المدن لتتعرفي على بلادنا، وسنبدأ من «إب» اللواء الأخضر.وفعلاً في اليوم التالي ذهبنا إلى مدينة «إب».. اكتشفت أنهم لم يبالغوا عندما سموها باللواء الأخضر، وتابعنا التجوال لعدة أيام، ذهبنا خلالها إلى مدينة «جبلة» التي أسستها الملكة «أروى بنت أحمد الصليحي» واتخذتها عاصمة لدولتها الصليحية أثناء حكمها ومرقداً أبدياً بعد وفاتها، وواصلنا رحلتنا إلى «المكلا» عاصمة محافظة حضرموت فشاهدت ساحلها الجميل فواصلنا الرحلة وصولاً إلى عدن المدينة التجارية والاقتصادية وشاهدنا الصهاريج الرائعة ومن عدن إلى الحديدة عروسة البحر الأحمر، ثم ذهبنا إلى محطتنا الأخيرة مدينة حجة فشاهدنا قلعة القاهرة وميدان حورة وبجواره جامع تاريخي كبير، وفي جولتنا في تعز سألنا رجلاً عن موقع قرية «قدس» فأجاب وهو يبتسم ثم دعانا لتناول الغداء عنده، لقد أدهشني حقاً أن يدعونا للغذاء وهو لا يعرفنا فاكتشفت أن هذا البلد يتميز بالكرم أيضاً، ليت أبي معي الآن ليشاهد جمال اليمن.ناداني السيد «فريد» وقال لي « خذي هذا الهاتف، وتحدثي مع أهلك ولا تهتمي، فالمكالمة مفتوحة، اتصلت بأبي وقال لي : «مجدولين» كيف حالك يا ابنتي؟ أين أنت؟ وهل أنت في اليمن كما علمنا من شركة الطيران؟ وفي أي مدينة؟ أجبت عن جميع أسئلته وقلت له لا داعي لأن تقلق فأنا في ضيافة السيد «فريد»، فطلب مني أن أعطي الهاتف للسيد «فريد» فقال له : أشكرك لاهتمامك بابنتي وأرجو أن تبقيها معك إلى أن آتي وآخذها، فرد عليه لا تقلق فابنتك بأمان معنا، وبعد المكالمة بين أبي والسيد «فريد» قال لي « والداك سيأتيان ويأخذانك بعد غد، لنعود الآن إلى صنعاء.. عدنا إلى البيت وسلمت على السيدة «مريم» وقلت لها : كيف حالك سيدتي، لقد اشتقت إليك كثيراً، فقالت لي : أنا أيضاً.. اشتقت إليك كثيراً يا صغيرتي، ماذا استفدت من رحلتك يا عزيزتي؟ أجبتها لقد استفدت ثلاثة أمور :إنكم طيبون جداً وكرماء.. إن اليمن بلاد حضارية وهي بلاد الملكة «بلقيس» التي ذكرت في القرآن الكريم، كما علمت من السيد «فريد».. إن معظم المؤرخين قالوا إن اليمن أصل العرب ونشأتهم وقد أسسها سام بن نوح.فقالت لي : حسناً! يمكنك أن تذهبي الآن إلى غرفتك وسأناديك عند العشاء.غداً سأتركهم وسأغادر اليمن.. وسيأتي والداي ويأخذانني معهما لقد كانت أفضل فترة قضيتها في حياتي، ومن خلال رحلتي استفدت الكثير، وعرفت أنني لم أكن أعلم عن اليمن شيئاً، لكن لا مشكلة.. سأحاول أن آتي لليمن مرة أخرى في العطلة الصيفية القادمة.- ومن الذي يطرق الباب؟- هذا أنا «فريد».- تفضل!- شكراً.. سأبقى قليلاً.- ألن تتناول طعام العشاء معنا؟- لا.. لقد أتيت فقط لكي أودعك.. أتمنى لك التوفيق أرجو أن تقبلي مني هذه الهدية كتذكار، إنها عبارة عن تحفة مصنوعة من النحاس على شكل دار الحجر الذي زرناه معاً، لقد استمتعت كثيراً بالرحلات معك قلت له : شكراً لك لقد كنت مثل والدي، أنا أيضاً استمتعت بالرحلات معك وشكراً مرة أخرى على هذا التذكار الجميل، سأحتفظ به لن أنساكما أبداً : لا أنت ولا السيدة «مريم» .في اليوم التالي صحوت على طرقات الباب فتحته لأرى من الطارق؟ فإذا بي أرى والداي سررت جداً برؤيتهما فوجدت معهما السيدة «مريم» شكرتها لكن لا أظن أن كلمة الشكر تكفي لما قدمته لي هي وولدها «فريد» من عون ومساعدة.. يجب علي الآن أن أغير ملابسي لكي أعود إلى دبي لأزور عمي.. ثم أعود إلى بلدي الحبيب فرنسا، لقد تعلمت من اليمنيين حب الوطن والكرم والضيافة، فكما قال الرسول صلى الله عليه وسلم عنهم : (جاءكم أهل اليمن هم ألين قلوباً وأرق أفئدة، الإيمان يمان والحكمة يمانية) صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال.لكن حتماً سآتي إلى هنا في العطلة الصيفية القادمة، حسناً سأخرج الآن مع أمي وأبي.أنا جاهزة للذهاب، إلى اللقاء يا سيدة «مريم» سأزورك في العطلة الصيفية القادمة، وأكرر شكري لك، فقالت لي : سأشتاق إليك.. فقلت : إلى اللقاء يا سيدتي، قال لي والداي : هيا يا «مجدولين» سنتأخر عن الطائرة إلى اللقاء يا سيدتي.ها أنا ذا أسافر مع والديّ.. وتنتهي قصتي مع هذه البلاد الفاتنة، ولكنني سأعود في أقرب وقت ممكن.