الموسيقار أحمد قاسم
عمر عبد ربه السبع كان الفنان أحمد بن أحمد قاسم موسيقاراً يمنياً مرموقاً يشار إليه بالبنان، وكان عصامياً أحب الموسيقى والنغم فدرس الفن منذ نعومة أظفاره، وكانت بداية دراسته الفنية المنتظمة في مصر عامي 1956م ـ 1957م ثم واصل دراسته في المعهد العالي للموسيقى سنتي 60 ـ 1961م.وبرع في العزف على آلة العود، وطور مداركه الموسيقية وتعرف على مدارسها بالمثابرة والممارسة والدراسة، ثم تعرف على جملة من الشعراء الغنائيين المجيدين في الساحة اليمنية، فطفق يلحن الكلمات ويغنيها بصوته العذب الجميل.كما لحن لبعض الفنانين اليمنيين، وكان هو أول من اكتشف الفنانة القديرة فتحية الصغيرة، بأغنيتها الجميلة «يا طالعين الجبل» من كلمات الشاعر الكبير سعيد الشيباني، والتي أحدثت قفزة نوعية في حياة فتحية الصغيرة الفنية على الساحة اليمنية.غادر الفنان أحمد بن أحمد قاسم عدن إلى العاصمة الفرنسية باريس عامي 1970 ـ 1973م وواصل دراسته الأكاديمية في الفن، ثم ذهب إلى الاتحاد السوفيتي ليستزيد علماً وفهماً ودراية بالفنون الموسيقية بمختلف مشاربها .. وقد أثرت موهبته ودراسته المنتظمة والمتقطعة إبداعاً منقطع النظير في الألحان والغناء. فكان علامة فارقة في الطرب اليمني وتأثيراته الممتدة إلى الجزيرة العربية ودول الخليج.ولقد استطاع بموهبته الفذة وتأثره بالاتجاهات الفنية لندوة الموسيقى العدنية انتقاء قصائد الشعراء الكبار في المشهد الثقافي اليمني أمثال الشاعر العدني الكبير لطفي جعفر أمان والأستاذ الشاعر سعيد الشيباني والشاعر الفذ صاحب الكلمات السهلة الممتنعة أحمد الجابري والأستاذ أحمد شريف الرفاعي والشاعر المرهف عبدالله عبدالكريم والشاعر مصطفى خضر ونديم البغدادي وآخرون .. واستطاع بألحانه الجميلة الممزوجة باللحن المصري العدني والكلمات العدنية الخالصة أن ينشئ مدرسة متميزة في فن الغناء اليمني، هي مدرسة الغناء العدني أسوة بالغناء اللحجي، والغناء اليافعي والغناء الصنعاني .. وإذا كان هناك من يتشكك في تسمية فن موسيقارنا الكبير أحمد بن أحمد قاسم بالفن العدني، ويصر على تسميته بالفن المصري، فمن من الدول العربية لم تتأثر بالفن والموسيقى المصرية آنذاك إبان العقود الأربعة المنصرمة من القرن العشرين، ألم تكن مصر أم الدنيا في الفن والموسيقى والآداب الأخرى؟!ثم إن هناك نكهة خاصة لفننا العدني نتذوقه ـ نحن العدنيون ـ بالكلمات الرقيقة والرقراقة والجلسات السلطانية التي تؤثر على وجداننا وتنعش ذكرياتنا بزمن الفن الجميل حيث العود والكلمات سيدة الموقف ..لقد أبدع الفنان أحمد بن احمد قاسم في الأغاني العاطفية كأغانيه الجميلة (ياعيباه، مش مصدق، حقول البن، وخايف من الأيام، وحبيبي يا كبير القلب حبيتك) كما أبدع في الأغاني الفلكلورية كأغنية «من العدين يالله بريح جلاب» وأغنية «واليوم والله».وأفضل أغنية وطنية إلى قلبنا جميعاً، كانت أغنيته «من كل قلبي أحبك يا بلادي يا يمن».ولم تقف إبداعاته عند الأغاني والألحان بمختلف صنوفها وألوانها بل قدم سيمفونية «الموكب الحزين» ، وكان أول من طمح إلى أن يكون بطلاً سينمائياً في اليمن، فكان فيلمه «حبي في القاهرة» عام 1965م الذي شاركته البطولة الفنانة القديرة زيزي البدراوي بمشاركة الفنان محمود المليجي وزوزو ماضي وعبدالمنعم إبراهيم، وفي الفيلم غنى أروع أغانيه:(أنا بانساك وبنسى هواك، وعذبيني فعذابي فيك خير، مش مصدق إنك أنت جنبي).ورغم تفانيه في أعماله الموسيقية وألحانه وأغانيه ووجوده المتميز في الساحة الفنية إلا أن وفاته كانت خسارة كبيرة للفن والفنانين. ولأن الإبداعات الفنية لم تحظ بعد بالاهتمام الكافي في المشهد الفني اليمني فقد عاشت أسرة الفقيد أحمد بن أحمد قاسم عيشة لاتليق بمكانته الفنية الرفيعة. ولم تجد الساحة الفنية من عنده القدرة والمقدرة المادية لتجميع أعماله الفنية وتخليدها التخليد اللائق والجميل لهذا المبدع الأصيل.