الكثيرون ظنوا أن مشروع تقسيم العراق صفحة وطويت بعد أن رفضته إدارة بوش خوفاً من بلقنة تؤدي إلى «فرسنة» (من فرس) بلاد الرافدين، وبعد أن اعتبر تقرير بيكر هاميلتون التقسيم «غير أخلاقي وغير واقعي». وجاءت الأحداث الأمنية في الشهور القليلة الماضية، والتي حقق فيها الجيشان الأمريكي والعراقي بعض النجاحات النسبية في فرض الأمن خاصة في البصرة وأحياء في بغداد، لتعزز هذا الظن. بيد أن كل ذلك أثبت لاحقاً أنه سراب. فالمشروع لا يزال حياً في دهاليز واشنطن ومراكز أبحاثها الكبرى التي تشكّل العقل المدبر الفعلي لكل السياسات الخارجية الأمريكية. والعمل ما زال جارياً على قدم وساق لاختبار كل السيناريوهات المتعلقة بمسألة التقسيم وما بعدها. ثم جاء تعيين جو بايدن مرشحاً لنيابة الرئيس عن الديمقراطيين، والذي يعتبر بحق «بطل تقسيم العراق»، ليؤكد أكثر أن المشروع لما يغادر بعد مطابخ واشنطن. آخر الدلائل على ذلك كان التقرير الخطير الذي أعدته مؤسسة بروكينغز ذات النفوذ الكبير على أصحاب القرار الأمريكيين والذي جاء عنوانه ليدل بقوة على مضمونه: «التقسيم الليّن (أو السهل) للعراق» «Partition in Iraq The Case of soft”. التقرير جهد منذ البداية لإثبات نقطة جوهرية: لا ضرورة للخوف من بلقنة العراق لأن البلقنة وقعت بالفعل، بعد أن أدت الحرب الأهلية إلى خلق واقع ديموغرافي جديد رصدته منظمة الهجرة الدولية التي قالت في تقرير لها صدر مؤخراً إن العرب الشيعة يقومون بالنزوح من وسط العراق إلى الجنوب، بينما يقوم العرب السنّة بالنزوح من الجنوب إلى الوسط وخاصة إلى محافظة الانبار. وتقول الدراسة إن هذه الظاهرة حوّلت العراق بالتدريج إلى بلقان جديد. وبعد تصفية الحساب مع مسألة البلقنة تصبح فكرة التقسيم سهلة وممكنة، وهي يجب أن تتضمن في رأي المؤسسة العناصر الآتية: رسم الحدود بين الأقاليم الثلاثة الكردية والسنية والشيعية، وتذليل العقبة الخاصة بحقيقة أن الزيجات المختلطة بين أبناء الطوائف المختلفة تجعل من عملية الرسم على أساس جغرافي وليس طائفياً أمراً صعباً. لا مشكلة في هذا الشأن في المحافظات الواقعة جنوب العراق لأن معظم قاطنيها من العرب الشيعة، إلا أن المعضلة الحقيقية موجودة في المحافظات والمدن الرئيسية مثل بغداد والموصل وكركوك. تنتقد “بروكينغز” تقرير بيكر هاميلتون لأنه دعا إلى “تدويل” بغداد، وتقول إن العاصمة يجب أن تقسم أسوة بغيرها من المناطق. العمل على تحقيق توزيع عادل بين الدول الثلاث الجديدة للثروة النفطية، لأن معظم أحداث الاقتتال الداخلي اندلعت في أعقاب الاستفتاء على الدستور العراقي في أغسطس/آب 2005 نظراً لأن الدستور ترك عملية توزيع الثروة النفطية أمراً غامضاً وعائماً. الدعوة إلى إشراف الجامعة العربية والأمم المتحدة، لا الولايات المتحدة، على عملية التقسيم، بشرط أن يتم ذلك بحراسة 300 ألف جندي. ومن أين يجب أن تأتي معظم هذه القوات؟ من أمريكا بالطبع. هل يمتلك مشروع بروكنغز حظوظ نجاح ما؟ ليس هذا السؤال الصحيح الذي يجب أن يطرحه العراقيون على أنفسهم. السؤال الأدق هو: كيف يجب أن نواجه خطط التفتيت الجديدة هذه؟ وفي حال فعلوا ذلك، يستحسن أن يستشيروا زوجاتهم وأولادهم وعشائرهم المختلطة! [c1]* عن/ صحيفة (الخليج) الإماراتية [/c]
|
اتجاهات
كيف نواجه خطط التفتيت الجديدة ؟
أخبار متعلقة