الكاتبة المترجمة العربية بلقيس الربيعي ( للصفحة الثقافية )
أجرت اللقاء : نهله عبداللهعدن الوطن الذي لم يبخل عليّ بشيءهي من بين قلة من الكتاب العرب جيل الستينات استطاعت بلورة هويتها الإبداعية الخصوصية في الغرابه وبحكم وظيفتها كاستاذة للغة الانجليزية واهتمامها بالترجمة الادبية والصحفية تعد (بلقيس الربيعي ) من الوجوه العربية التي اسهمت في الساحة التربوية والاعلامية ( بعدن ) وهي تؤمن بأن جهودها لابد ان تتواصل وتتراكم مع رصيد ذكرياتها وفاء ( لعدن ) الوطن الذي لم يبخل عليها بشيء !عن زيارتها ( لعدن ) بعد عشر سنوات من الغياب في اوروبا وصفحات من ذكرياتها وهمومها وانجازاتها وامالها تنتهز الصفحة الثقافية فرصة وجودها بيننا لنجري هذا الحديث معها : حين تفتح بلقيس الربيعي صفحات من حياتها العائلية والمهنية وبدايتها الادبية ماذا تقول ؟ بالطبع الكتابة في العراق زمان كانت كمن يراهن على قضية خاسرة اذن لم اكتب شيئاً في العراق . نشأت في وسط اسرة متفهمة يسودها الترابط والمودة اكملت دراستي الجامعية في العراق وتزوجت وكان لزوجي الشهيد ( ابو ظفر ) اكبر الاثر في توجهي العملي والثقافي . بداياتي كانت من ( عتق ) حيث كان يعمل ابو ظفر طبيباً في محافظة ( شبوة ) وعندما كنت اعود من عملي كمدرسة في ثانوية ( حنيشان ) كان لدي وقت فراغ كبير وكنت استغله في القراءة ومن ضمن قراءاتي كانت لكتاب ( جيورجي ديمتروف ) باللغة الانجليزية فاستهوتني شخصية هذا الرجل الفذ وبتشجيع من ( ابو ظفر ) قمت بترجمة هذا الكتاب الى اللغة العربية بعد ذلك انتقلت الى محافظة ( عدن ) وكنت من القراء المواظبين لصحيفة 14 اكتوبر وهذا شجعني للمساهمة في الكتابة لهذه الجريدة فنشرت لي العديد من المقالات في مجال الثقافة والسياسة والترجمة الصحفية وتعدت مساهماتي الى مجلة قضايا العصر وصحيفة الثوري في الثمانينات وبعد ذلك انقطعت عن مساهماتي الادبية في الصحافة ولكني نشطت في مجال آخر وهو اقامة المعارض الفنية خاصة بعد اقامتي في المانيا لغرض الدراسات العليا وبالذات المعارض التي تبرز الموروث اليمني . بعد ذلك بدأت كتاباتي تعرض على المواقع الالكترونية لا سيما ما يتعلق منها بذكرى استشهاد زوجي " ابو ظفر " . ( تزداد نبرات صوتها حرارة وحزناً وهي تتحدث عن زوجها الشهيد ودوره في حياتها) . وعلى هذا الموضوع تعلق بالقول : في عدن ومع ابو ظفر تعمقت قناعاتي اكثر بالكتابة اضافة الى نضج تجربتي الثقافية وعندما بدأت بمزاولة الترجمة احسست ان مجال الخدمة التربويه جزءاً مني وانه من خلال المساهمة بالعمل الصحفي بمقدوري ايضاً ان اعطي الكثير . الم يكن للعراق دوراً في هذا الجانب ؟ لم يكن للعراق أي دور في تطوير امكانيتي في الكتابة حيث كان الكاتب والصحفي محاصراً من قبل النظام ولا يستطيع ان يكتب او يترجم ما هو مقتنعاً به بل كان يسمح في النشر بما يمجد النظام وهذا ما لا ارتضيه لذا لم اجرب الكتابة او الترجمة . وفي عدن وجدت نفسي وبدأت بالكتابة الى الصحف اليمنية وبعد تعرفي عليك وعلى الاخت نجيبة حداد بدأ اهتمامي بالكتابة للطفل وفعلاً قمت بترجمة " بوبوالطيب " وعدة حكايات ساعدتني الاخت جميلة عزاني في رسم الصور لها ونشرت في صحيفة 14 اكتوبر حيث خصصت الصحيفة صفحة خاصة " للاطفال تصدر اسبوعياً يوم الخميس لكنها مع الاسف توقف بعد فترة وجيزة بعدها عرضت الحكايات في تلفزيون عدن بالتعاون مع المرحوم " شكيب جمن " والفنانة نرجس عباد حيث تروي الحكايات بصوتها مع المؤثرات الصوتيه على سبيل المثال حكاية اللؤلؤ المسحور وقمت بترجمتها الى الالمانية مع الاسف لم تتح لي الفرصة في نشرها لكلفة النشر وقتها . على الرغم من تألقك الابداعي في وطنك الثاني ( اليمن ) الا ان جيلك ظل مظلوماً ابداعياً بالقياس الى وضع العراق في ظل النظام السابق له والان الام ترد ذلك والعراق في عصر موت الابداع والانسان ؟ ربما صحيحاً ان نقول ان هذا فعلاً هو واقع العراق هذه الايام لكن هذا هو الواقع على آية حال ، الموت والضياع والقهر مفردات كثيرة تشابهنا الى حد قاتل : اهم المحاور الثقافية في حياتك . كما ذكرت سابقاً بان قدرتي في الكتابة والترجمة بدأت من عدن حيث كنت انشر مقالات سياسية او ثقافية بدأتها في صحيفة 14 اكتوبر وفي المانيا قلت كتاباتي لانشغالي بالدراسات العليا لكن اهتماماتي الفنية لم تتوقف حيث اقمت عدة معارض في عدة مدن المانية تبرز حضارة اليمن وبالذات ما يخص المرأة اليمنية وكان الجميع يستغرب من اقامتي لمعارض تتحدث عن اليمن وليس العراق فاقول احببت عدن واهلها لذا ترون ان معارضي مكرسه لارض بلقيس وفي السويد كنت اكتب لمجلة بلقيس حيث كنت اعمل مراسلة لها لكني توقفت الان لتوقف المجلة عن الصدور كما اني لم اتوقف عن اقامة المعارض في عدة مدن سويدية وفي زيارتي الان لليمن ابحث عن المزيد من الاشياء التراثية التي ستغنىهذه المعارض . يدور سؤال حول تسمية مصطلح التعريب وهل هذه التسمية صحيحة ؟ وهل تختلف عن مصطلح الترجمة المتعارف عليه ؟ حسب رأيي ان الترجمة والتعريب من لغة الى اخرى وجهين لعمله واحده فالمترجم ينقل النص حرفياً دون تحوير ودون تلاعب بفكرة المؤلف لكن في التعريب قد يقوم المترجم بتحوير فكرة المؤلف بتصرف . هل يصح ترجمة كتب الاطفال الاجنبية الى اللغة العربية ؟ بكل تأكيد ليس هناك عائقاً في ترجمة كتب الاطفال من لغات مختلفة الى اللغة العربية لتكون في متناول الاطفال العرب . لكن هناك اراء تقف ضد هذه الفكرة خوفاً من تشويه افكار الطفل العربي ومسخه بشكل يسيء الى الدين والمعتقدات والتقاليد ؟ ليس هناك أي تشويه او تسميم افكار لاطفالنا فيما يخص المعتقدات والتقاليد بشكل عام لان قصص الاطفال عادة لا تتطرق مطلقاً لهذه الجوانب بل تحاول ترسيخ القيم الانسانية النبيلة وتهذب الاخلاق عند الطفل على سبيل المثال حكايات الكاتب العالمي ( الن اندرسن ) وغيره من الكتاب . لمزيد من التوضيح في تجربتك اسأل عن المجهود الذي يبذل في الحفاظ على اللغة والاسلوب عند ترجمة القصص والروايات ؟ للاجابة عن سؤال مهم كهذا ربما يكون من المفيد التذكير باهمية الميل الى ترجمة الكتب الادبية خاصة احياناً .. احياناً تقودك المصادفة الى قراءة ترجمة سيئة واحياناً اخرى قد تكون القراءة ممتعة وهادفة لان الترجمة جيدة . هناك ترجمات عرفت بمستواها اللغوي الخاص لشعراء وكتاب مرموقين امثال سعدي يوسف جيرا،ابراهيم جيرا ، محمد لطفي السيد ، وكذلك الامر بالنسبة الى اصحاب الترجمات السيئة لهذا السبب اقوم بدراسة الموضوع الذي ارغب بترجمته بشكل موسع وعندما اجد نفسي شديدة الاقتراب من الفكرة اسعد حداً بترجمتها بامانه هذه هي طريقتي . اما الكتاب الذي يكون شديد النفور اتضايق كثيراً منه ولا اقدم على ترجمته ولو بتراب الفلوس كنت وما زلت احترم الكلمة الصادقة والهادفة لكن حينما تكون الفكرة خالية مما يميزها ارفضها تماماً . انظري الفرق بين ترجمتين ( لقصة مدنيتين ) لتشارلز ديكنز هذه ترجمة ضخمة لكنها سيئة وهذه ترجمة متواضعة قياساً بالكتاب الضخم ولكنها ممتازة جداً . كذلك بالنسبة لي مثلاترجمت مقالات صحفية كثيرة وحكايات للاطفال لكن لم يحدث لي ان تساهلت في مستوى اجادتي لترجمة الموضوع ولم يحدث ان استجبت لترجمة الاستهلاك على حساب دوق ودفء ورهافة الفكرة الجميلة او العبارة الرائعة. كيف ينتقي الكاتب المترجم كتبه المختاره ؟ هي مسألة تعتمد عى هوى الشخص في انتقاء ما يراه مناسباً له كنت مثلاً احب الادب الكلاسيكي ( جن اير ، جين اوستن ، همنغواي ) لهذا تخصصت باللغة الانجليزية وقرأت كثيراً وفي المستقبل ترجمت اشياء احببتها وقرأتها وترجمتها بشغف المهم ان لا يبتعد المترجم عن روح النص وينقل ما يدور في خلد المؤلف بصدق . لماذا لم تظهر لك ترجمات جديدة عدا جيورجي ديمتورف و بوبوالطيب وحكايات الاسد المغرور اصدقاء الغابة ؟ توقفت لان النشر مكلفاً للغاية ومن دون مغالاة تتذكرون معي كيف كانت معاناتي شديدة عندما قمت بطباعة ترجمة ديمتروف وبوبو وغيرهم . متى تكون الترجمة غير مامونه العواقب ؟ عندما لا تتوافر للمترجم القدرة التأملية _ فالتأمل هو المطلوب اولاً وهو الذي يشكل معطى تعبيرياً يخدم ذائقة القارئ في وعيه وفكره معاً . هل هناك مصاعب تواجهك في اوروبا وخاصة في السويد وانت ترغبين بنشر اعمالك ؟ من منطلق مادي فقط رغم ان هناك متنفس محدود للعرب الذين يأتون الى السويد بحثاً عن وسيلة لا تتوافر في دولهم : وهناك جالية عربية كبيرة جداً تقرأ العربية وتتابع الى حد ما ما ينشر ويقال عن الوطن العربي والعالم الاسلامي لكن المشكله الوحيدة لنا نحن الكتاب هي الطباعة كما انه ربما ان تكاليف الحياة في هذه البلد مرتفعة جداً فان دور النشر تضطر الى اضافة فارق على السعر المطبوع وهو ما يفاجأ حتى المشتري وليس الكاتب فقط . وانا اود ان اقول نعم هناك دار نشر عربية في السويد تطبع كتب للاطفال العرب تسمى ( دار المني ) اقصد ان هذه الدار لديها امكانات مادية جيدة لطبع الكتب العربية وتوعية الاجيال الناشئه وتعريفها بامور كثيرة . وكانت العقبة الوحيدة عندنا مثل بقية الدول الغربية ان ابناء العرب لا يتعلمون العربية ولكن الآن الحمد لله انتشرت مدارس الجاليات العربية بسبب قلة المؤسسات التعليمية العربية وكان من الضروري في مثل هذه الحالة ان نوفر لاطفالنا كتباً تعوضهم عن النقص . لهذا لا بد من السعي والبحث عن منافذ للعمل وذلك بدعم النواحي الايجابية على قلتها وكشف القدرات التي يجب ان نساعد بها الاطفال ليكون المستقبل افضل من الحاضر . هل هناك اعمال جديدة لك ؟بالتأكيد نعم وقد عززت زيارتي لعدن هذا الميل عندي وهو كتابة مذكراتي الشخصية مع ابو ظفر لهذا اظن ان غايتي الخاصة تسجيل مذكراتي التي تمتد بحذورها الى ذلك البعد الغني بعلاقتي مع ابو ظفر . كنت اتمنى ان اكتب هذه المذكرات منذ فترة مبكرة ولكن اهتمامي باطفالي ظفر ويسار وافتقادي للشهيد جعلوني مفتونه بالذكريات التي استعيد شريطها الحاكي بكثافة لم تغيب ابو ظفر يوماً ولابأس ان اقف على ابرز ملامح سيرتي معه بشكل اوسع يتسع لحبي له .