هل كان شاعر الرافدين مصاباً بالتقلب العاطفي؟
إعداد/ داليا عدنان الصادقصدرت بعد وفاة رائد الشعر الحديث “ بدر شاكر السياب “ ( 1926- 24/12/1964م ) كتب كثيرة جداً دراسات ومقالات تناولت سيرته وحياته وشعره ولكن لم يكن بينها كتاب يتولى تحليل ودراسة رسائل السياب التي تعد وثائق مهمة جداً تعكس جوانب خطيرة وبارزة من شخصيته ورؤيته الإبداعية كما يقول مؤلف كتاب التحليل النفسي لرسائل “ السياب “ الدكتور حسين سرمك والصادر مؤخراً في بغداد. في مقدمته للكتاب يقول المؤلف إن دراسته هذه هي الأولى من نوعها في جانبين، الأول هو أنها الأولى في تحليل رسائل الشاعر بصورة شاملة وعلى أسس علمية تقوم على مبادئ علم نفس الإبداع ووفق منهج نفسي تحليلي والثاني أنها قد تكون الدراسة الأولى في اقتصارها على تحليل أدب المراسلات أن كانت للسياب أم لغيره ويرى المؤلف أنها محاولة علمية رائدها الإخلاص للحقيقة ولا تنتقص من شاعرنا الكبير الراحل.[c1]تناقضات السياب[/c]تبدأ الدراسة بالدخول سريعاً لكشف تلك المراسلات التي عقدت بين الشاعر وصديقه الشاعر خالد الشواف في وقت مبكر من شبابهما، ويرى المؤلف أن طبيعة العلاقة التي جمعت بين السياب والشواف كانت علاقة تتضمن الكثير من الجوانب النفسية التي تحتاج كما يقول إلى وقفة وتحليل ومن ذلك أن السياب أرسل قصيدة في رسالة إلى خالد مصوغة بطريقة كلمات عاطفية “ مشبوبة “ لا نلاحظها عادة إلا بين حبيبين ثم يلفت الباحث انتباه القارئ إلى ما كتبه السياب في الرسالة “ يا حبيبي يا أبي وأمي.. إنني الآن افتديك بهما وبالعالم “.ويرى الباحث أن هذه الكلمات تتضمن نظرة غير عادية من صديق إلى صديقه فهي ممزوجة باندفاع قوي وانفعال غريب والسياب يقول في رسالة أخرى إلى الشواف “تحية تضم ما في العالم من تحيات وشوق لا يبلغ أشواق العالم مداه “ ويلاحظ أن السياب في هذه الرسالة يصف شاعرية الشواف بأنها أكبر من شاعرية “ مهيار الديلمي “ وهنا يجد الباحث أن تأثر السياب بنصائح الشواف وانصياعه لها بسهولة حتى دون مناقشة.لقد تحكمت بالسياب كما يرى الباحث عقد نفسية أساسية تعود جذورها إلى طفولته المبكرة وانعكست على كامل مسيرته الحياتية. في شخصيته وسلوكه وشعره ومواقفه الفكرية. لقد فقد السياب أمه وهو في السادسة وتبع ذلك زواج أبيه من امرأة أخرى، فكان من جراء ذلك أن ترسخ في أعماقه شعور وإحساس بالخيانة المزدوجة من قبل الأم التي هجرته لسبب لا يقوى على تفسيره واستيعابه وهو في المرحلة المبكرة تلك، ومن قبل الأب الذي ارتبط بامرأة دخيلة، معلناً عدم وفائه للأم الشرعية وللأب الشرعي على حد سواء، وقد نتج عن هذا الموقف المؤلم الذي واجهه شاعرنا مركب مرضي تحكم بشعوره وبالتالي بالدوافع الدفينة من سلوكه ألا وهو ( التضاد العاطفي).[c1]التضاد العاطفي[/c]ترسخ التضاد العاطفي في نفس الشاعر السياب منذ صغره، الأمر الذي كان له أثره في بروز الجانب الثاني من هذا التضاد والمتعلق بالموقف السلبي من الأم والأب وسيترتب عليه شعور قوي بالذنب وينعكس على مضامين شعر الشاعر وعلى تفصيلات حياته وسلوكه وحتى على مجاملاته الشخصية.[c1]الولاء السريع[/c]ومن خلال تحليل الرسائل برزت ظاهرة الولاء السريع لمن يرتبط بهم السياب، حتى بالدراسة ثم سرعة نفض يديه من تلك العلاقات ومن ذلك الولاء، بل وحتى التحول السريع والعدواني على من كان يعلن ولاءه لهم سابقاً، هذه المواقف المتناقضة كما يرى المؤلف نابعة من مركب “ التضاد العاطفي “ الذي يراه كافياً لتفسير أغلب التناقضات في حياة الشاعر وشعره من المرأة والحياة والموت وعلاقته بالمدينة والوطن وغير ذلك.ويبرز أيضاً تضاد السياب في ولاءاته فهو يدفع بعلاقة حماسية مع سهل إدريس مثلاً، ثم سرعان ما ينقلب ضده ويصبح من أعدائه.[c1]حب وسادية[/c]في قناعة المؤلف أن الشاعر لم يحض في حياته بتجربة حب حقيقية واحدة متكافئة من الطرفين وإن كل علاقاته كانت إما متخيلة وإما إنها قائمة على اندفاع من طرف واحد هو الشاعر نفسه!ويجد القارئ الرسائل أن السياب كان يرتبط بعلاقة حميمية مع جدته، وقد كتب قصيدة سماها “ رثاء جدتي “ فيها أبيات كتبها بلهجة غريبة كما يقول المؤلف ويعترف السياب في رسالة أخرى بجانب من شخصيته، حيث يقول : من الصعب علي أن أنفي عن نفسي تهمة الشذوذ لا سيما في الحب.بالإضافة إلى إحساس السياب بالسادية، ثم أيضاً شعوره بالاضطهاد وغبن الحياة بصورة مبكرة، ولاشعور بشكل مستمر بأنه مستهدف من قبل من هم حوله بشكل عام والشعور بالحرمان والغبن من المرأة بشكل خاص.