قصة للصغار
بقلم الراحلة : اعتدال ديريهنشوان الصغير كان يسكن في جبل هيل بمنطقة التواهي، وكان يعيش في سفح الجبل.. وذات يومٍ وقف نشوان يتأمل الطبيعة الجميلة الخلابة، ويتنفس من هوائها المنعش.. بدأت أطرافه تبرد، فأخذ ينفخ يديه بشدة عله يدفئها. وأشتد البرد عليه بعد أن تساقط المطر وتدفق بقوة، فبدأ نشوان يرتعش ويرتعش.حاول أن يذهب إلى كوخه الصغير المكوّن من أخشاب وصفيح، ولكنه لم يتمكن من ذلك.. لقد أغرقته مياه الأمطار واخترقت كل الحواجز.. فأرتعش نشوان من الخوف والجوع الذي بدأ يلويه ويعتصره، وتذكر أمه وهي تأخذه في حضنها الدافئ وتعلمه القراءة والكتابة.. تذكر صوتها الحنون وهي تغني له : "نام يا حبيبي نام"، وأحس فجأة ببعض الدفء فأخذ يلتفت يميناً ويساراً، لكنه لم يجد أحداً.صاح نشوان : "يا إلهي أرحمني من هذا الجوع، فأنا أبحث عن كسرة خبز لتوقف تلاطم أمعائي الصغيرة، أريد إسكاتها يا إلهي". ثمّ أخذ يمشي رويداً بعد أن توقف المطر..لقد تذكر مرة أخرى أمه التي كانت تصارع الألم والمرض، ولم يعرف نشوان شيئاً عن مرض أمه إلا حين كانت تحتضر .. فقد قاومت المرض، ولم يكن معها ثمن الدواء أو العلاج، فكانت تتوسل الله أن يرحمها من هذا المرض الخبيث.ابتسم نشوان وهو يستعيد شريط ذكرياته الحزينة، وفجأة وقعت عيناه على الأرض.. فرأى شيئاً من الجلد ذي اللون البني نصفه مدفون في التراب.. فأخذ ينبش التراب بيديه وأرجله، ولكنه لم يتمكن من الوصول إلى شيء، فهو نحيل البُنية واليدين.. حاول مرة أخرى، ولكنه لم يستطع.. لم ييأس نشوان، فأخذ يبحث عن عصا غليظة وحجر، وبدأ بالحفر في التراب، محاولاً توسيع الحفرة، مرةً بالعصا والحجر، وتارةً بيديه وأظافره.. لقد كان يشعر بألم شديد في ساعده الأيسر، ولكنه صمم على معرفة ذلك الشيء الذي أثار انتباهه.. وكانت المفاجأة : حقيبة. ممتلئة بالمجوهرات الكريمة وآلاف الدنانير والريالات وبطاقة شخصية وصورة رجل وامرأة وأطفال.. صرخ نشوان : "يا إلهي، لمن هذه الحقيبة؟؟ أنّها ملكي أنا!! أنا لم أسرق أحداً!! وهذه هديتي أنا..! هل أنا في حلم يا ربي، ما كل هذا!!!... أنا لم أكن أتمنى منك سوى كسرة خبز يابسة لأسد بها الجوع الذي مزقني!!..سمع نشوان صوتاً يناديه من بعيد، وشدته نغمات ذلك الصوت.. فردد نشوان كلمات : من ؟ أمي!! أمي!.. أين أنت؟! فردت عليه : "إنني حزينة يا نشوان". فقال لها، نشوان : لماذا يا أمي؟ أنا لم أسرق أحداً؟!! ولقد حصلت على هذه الحقيبة صدفة.فردت عليه : "لقد علمتك من المبادئ الكثير، فهذه الحقيبة ليست ملكاً لك، خذها يا ابني إلى أقرب مركز للشرطة، وربنا لن يتخلى عنك رغم ما تعانيه من جوعٍ وفقر وحرمان".أخذ نشوان يمسح الدموع من عينيه، وجرى مسرعاً باتجاه مركز الشرطة، رافعاً رأسه مبتسماً لخيال أمه، ثمّ دخل إلى مركز الشرطة وطلب مقابلة قائد المركز، فرفض الجنود السماح له بالدخول.. وسألوه : "ماذا تحمل؟.. وماذا بداخل هذه الحقيبة؟!! تلعثم نشوان، وأخذ يصرخ : "أريد أن أتحدث مع قائد المركز، أريد أن أسلمه هذه الأمانة!!.. فسمحوا له بالدخول.. ابتسم قائد المركز، وطلب لنشوان كأساً من الشاي ليدفئ به نفسه، حينها شعر نشوان بالاطمئنان والأمان، وبدأ يشرح لقائد المركز حول الحقيبة، وضرورة إعادتها لأصحابها. سُر القائد بأمانة نشوان، وقام بمصافحته، ثم نشر خبر الحقيبة في الجريدة التي توزع في تلك المنطقة. ترك نشوان عنوانه البسيط للقائد الذي وعده بمكافأة.وعندما حضر صاحب الحقيبة، وعرض البطاقة الشخصية التي تؤكد هويته وحقه بالحقيبة.. وطلب مقابلة صغيرنا نشوان ليقدم له المكافأة المستحقة.. ابتسم نشوان، وفكر في شراء بعض الأخشاب والملابس والحلوى.. وبعد أن عرف صاحب الحقيبة حكاية نشوان اليتيم أبدى استعداده لرعاية نشوان، وساعده في الالتحاق بالمدرسة، وبذلك عوّض عن فقدانه لأولاده في حادثة سيارة.* عن صحيفة الطفولة العدد الثاني أبريل 93 رئيسة التحرير / ماما نجيبة حداد