مآذن وقباب تضيء ليالي رمضان وتتزين للصائمين
القاهرة/14اكتوبر/وكالة الصحافة العربية: تتجلي الروحانيات وتتزين المآذن والقباب في شهر رمضان المعظم فتتلألأ نوراً وبركة ، وتنزل السكينة على قلوب المؤمنين في جو عامر بالنفحات والغفران ، وتعانق نفحات الإيمان أصوات المؤذنين المتناغمة في التبكير إلى الصلاة في مواقيتها ، وتثب القلوب المؤمنة وتتضرع النفوس إلى الله تعالى.. إبتغاء مرضاته ، فتنبعث رياحين الجنات.ويعتبر جامع عمرو بن العاص أول رمز إسلامي في مصر وإفريقيا ، قد بناه القائد عمرو بن العاص عام (12هـ - 246م) بمدينة الفسطاط ، بعد فتح مصر في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وبذلك توثقت الصلة بين المصريين والإسلام منذ قرون بعيدة .. وهكذا عرف الناس المساجد كدور للعبادة والعلم في آن واحد ، فالمسجد لم يكن قاصرا على أداء الصلوت فقط ، بل يقوم العلماء والشيوخ بإلقاء الدروس الدينية التي تبصر المصلين بتعاليم الدين الحنيف وأحكامه ، ويجيب فيها الخطيب أو الشيخ عن كل ما يشغلهم من أمور الدنيا والدين.وقد احتل جامع عمرو مكانا بارزا في مصر الإسلامية ، فقد سبق الأزهر بنحو ستمائة عام بدوره الديني والعلمي ، فكانت تعقد فيه حلقات الدرس لأفراد الشعب والطلبة المتخصصين في علوم الفقه والحديث .. وكان من بين الدارسين في هذا الجامع الإمام “ محمد بن إدريس الشافعي “ عند قدومه إلى مصر في أواخر القرن الثاني الهجري (الثامن الميلادي ) .ويصف الرحالة “نصار خسرو” المسجد بقوله: “كان يقيم فيه المدرسون والمقرئون وأنه مكان سكن المدن الكبيرة ، ولا يقل عدد من فيه في أي وقت من الأوقات عن خمسة آلاف من طلاب العلم والغرباء والكتاب الذين يحررون الصكوك والعقود وغيرها “.[c1]الجمعة الأخيرة[/c]وقد اختص الجامع في شهر رمضان بتقليد لايزال جاريا حتي الآن ، وهو إقامة شعائر صلاة الجمعة الأخيرة من الشهر فيه ، وكان ذلك منذ أواخر العصر الفاطمي ، الذي شهد بناء الجامع الأزهر ، والذي لايزال شعلة من الضوء ومركزا للعلم والدراسة.وحظيت الجوامع في القاهرة باهتمام ، خاصة من الحكام والسلاطين من العصر الفاطمي ، وكانت تضاء في شهر رمضان ، حيث يحرص السلطان أو الخليفة ، قبل استطلاع الهلال على أن يخرج في موكب مهيب ، ويتوجه إلي الجامع الأزهر ، ليؤدي الصلاة .. وقد انتشرت في القاهرة وحدها مئات المساجد في كل ربوعها ، لتستقبل المصلين ، وإن كانت المساجد التاريخية تحظى بنصيب وافر من الإقبال عليها، فهناك إلى جوار الجامع الأزهر مساجد الحسين والسيدة عائشة والإمام الشافعي والسيدة زينب والسلطان حسن والرفاعي وغيرها ، حيث تضاء المآذن وتتلألأ الأنوار على جدرانها الخارجية.[c1]ليلة القدر[/c]وعادة ما يفد الآلاف طوال أيام شهر رمضان ، وطوال العام من أجل زيارة المساجد ، والصلاة فيها ، لما تحمله من نفحات وبركات لدى عامة الناس ، وتشهد ليلة القدر زحاما شديدا حول مسجد الإمام الحسين ، فلا موطئ لقدم بعد صلاة المغرب ، ويتضاعف الزحام داخل المسجد لأداء صلاة العشاء والتراويح.وفي منطقة السيدة زينب يقع الجامع الشهير ، الذي تتلألأ مئذنته بأنوار خضراء تبعث الراحة في النفوس ، وتقبل عليه الآلاف طوال العام ، وتتضاعف خلال أيام وليالي شهر رمضان .. وتقام إلى جوار المسجد موائد الرحمن التي تستقبل الفقراء ، وعابري السبيل ، وهناك من يفد إلى الجامع لأداء الصلاة، وإلوفاء بالنذور، فيقدمون للفقراء وجبات جاهزة أو أوراقا مالية ، وهناك من يضع النقود في صندوق الجامع لعمل الخير والبر بالفقراء.وعلى بعد أمتار قليلة من جامع ( السيدة زينب ) يقع جامع بن طولون الذي تحول إلى أثر تاريخي ، وقد بني عام (562 هـ / 978 م ) على ربوة عالية كانت تعرف باسم ( جبل يشكر) ، ليكون مسجدا جامعا للعاصمة (القطائع )، ولايزال الجامع في موقعه حتى هذا التاريخ، وتجري فيه أعمال الترميم ، ليعود كما كان في سابق عصره منارة إسلامية ورمزا أصيلا للعلم والدين.وفي رحاب المساجد التاريخية تقام السرادقات طوال ليالي شهر رمضان ، حيث يخرج المصلون بعد صلاة العشاء والتراويح ، ليدخلوا إلي السرادق ، وهناك يلتقون بشيخ فاضل أوعالم جليل يحدثهم في شؤون الدين ، ويجيب على جميع الأسئلة التي تثور في أذهانهم ، وغالبا ما تتركز هذه الندوات الدينية في مغزى الصوم وشرائع الله تعالي وسنن نبيه صلي الله عليه وسلم..كما تحظى هذه المساجد باهتمام خاص ، فلا مكان فيها لغافل عن الصلاة ، أو لاستغلال المسجد في النوم أو الثرثرة مع الآخرين ، فدائما ما يقوم العاملون في المسجد بتحذير هؤلاء ، وتنبيههم إلى المحافظة على وقار الجامع ، كمكان للصلاة والتزود بنور العلم ، والاستماع إلى آيات القرآن الكريم..[c1]مساجد عامرة [/c]ولاتخلو مدينة أو قرية مصرية من المساجد، فهناك العديد منها الذي اكتسب شهرة وإقبالا من المصلين ، مثل جامع السيد البدوي بطنطا ، وجامع إبراهيم الدسوقي بدسوق، وجامع المرسي أبو العباس بالإسكندرية، ويقع الأخير في منطقة أبي العباس الشعبية ، التي يرجع تاريخها إلى سبعة قرون ، ويفد عليه الآلاف طوال شهر رمضان لأداء الصلاة ، وتقام في رحابه السرادقات ، وفرق الإنشاد الديني ، لتجتذب أهالي الإسكندرية والوافدين إليها من المحافظات الأخرى..ويهتم أهالي الريف بإقامة المساجد ، فهم يحرصون على أداء الصلوات فيها ، وفي شهر رمضان تعلق الزينات وتضاء المئذنة ، ويحرص رب الأسرة على اصطحاب أطفاله الصغار إلى الجامع ، ولذلك يتعمق الشعور الديني لدى الطفل منذ صغره ، ويسعد بهذا الجو الروحاني البديع ، الذي يستقر في نفسه ، فيشب مؤمنا صلبا، لاتتنازعه الأهواء والمشارب، وتظل المساجد عامرة بالمصلين إلى يوم الدين.