أصبحت الكتابة أشبه ما تكون بصهوة جواد جامح لا يكف عن جنونه.لم تعد الكتابة تجدي.. إلا أنها ضرب من ضروب العشق. ليس لك أن تنفك عنها، أو أن تنفك هي عنك.. وإن ظلت حاجة.. فأصعب منها أن تكون وظيفة عصية حتى آناء الليل.ولا تلبث أن تنقلب فيها سورة القلق إلى تعب لذيذ وتجد أن الكتابة والقلق صنوان حميمان فالقلق الذي يعد أهم أمراض العصر وقد تمادى أخيراً. كشبح يهدد الأوراق والقلم. وساد سواده الحالك ليسيطر على كل شيء ويتعدى كل الحدود.ويكبو جوادك تارة أخرى باحثاً عن مخرج أريحي بين أروقة القلق لعلك تجد ضالتك إلى حيث الجنان والخمائل الظليلة ولا هادٍ.غير أن قلق القلم وهواجسه تختلف عن أي قلق أو حزن غيره.. ونزيف القلم أشبه بدمعة يتيم. لا يكف عن التنقل والانتقال بين قلاقل الحياة والأسعار وشطحات الخيال في العراك السياسي ليمر بمأساة دارفور وحصار غزة. وتتبعثر النقاط والحروف على مفاصل خريطة أرهقتها أرتال الهم والحزن.إلا أن للقلم عناناً يتجاوز حدود السحاب. فإن عقلته ليعود إلى جادته تارة أخرى. فلن يهدأ قرارة في البحث عن خلاصة يخلص بها من أشكال هذا القلق. وقد يصل إلى التسليم والاستسلام. واعتراف ذليل بهوانه وذله بين كل هذا الركام.وحتى وإن سلمت بهذا احتاما فليس لك أن ترمي بجواب مكابر عن صعوبة المهمة..أو أن تجدف في المحيط المترامي ولا تجد – ولن تجد – من يشدد أزرك وهو أحوج ما يكون لهذا الشد.ولن تجد مخرجاً حتى وإن تشبعت بنصائح النفسيين (وهم الأكثر قلقاً) بالبحث عن مصدر القلق الذي لا يبدأ بالراتب البخاري ولا ينتهي عند السكن السرديني.ولا عند حدود الندم الذي يطير كشهاب مارد. وإذا حنت الظروف بغفوة عابرة فلن تخلو من كابوس ثقيل.ولأن القلق لعنة العصر التي يعجز عنها العلاج في ظل أجواء ومناخات تزداد فيها التعقيدات والمحن فإن التعايش مع حالات القلق لا للاستسلام له بل كحاجة لعلاجه.وعليه فإن القلق حاجة. وحاجة القلم للقلق تفوق حاجات الآخرين وليس من بد للصحفي من الغوص في هذه الأعماق لاستنباط المادة.وعلاج القلق لا يتآنى إلا عبر الغوص بمحيطه المترامي.. وليس ثمة من يستطيع أن يشد أزرك وهو أحوج ما يكون لهذا الشد.كما إنك لن تجد حكيماً ولا حليماً لم يصب بهذا الداء بعد.. بحيث تودع فيه ثقة.لذا سيظل القلم أسيراً لهاجس القلق عنوة وشاهداً لنزعته ونزاعه.. وشهيداً لعذابه.
|
اتجاهات
هواجس القلم والقلق
أخبار متعلقة