روى الترمذي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( الصوم يوم تصومون ، والفطر يوم تفطرون ، والأضحى يوم تضحون )) قال الترمذي : هذا حديث غريب حسن . واخرج البيهقي عن مسروق - رحمه الله - قال : دخلت على عائشة يوم عرفة ، فقالت اسقوا مسروقاً سويقاً ، وأكثروا حلواه كأنها تعيب عليه إفطار يوم عرفة المأمور بصيامه – قال : فقلت : إني لم يمنعني أن أصوم اليوم إلا أني خفت ان يكون يوم النحر ! فقالت عائشة : النحر يوم ينحر الناس والفطر يوم يفطر الناس! قال الترمذي عقب الحديث الأول : فسر بعض أهل العلم هذا الحديث فقال : انما معنى هذا الصوم والفطر ، مع الجماعة وعظم الناس ! وقال الصنعاني في (( سبل السلام )) ( 2 / 72 ) : (( فيه دليل على انه يعتبر في ثبوت العيد الموافقة للناس ، وان المتفرد بمعرفة يوم العيد بالرؤية يجب عليه موافقة غيره ، ويلزمه حكمهم في الصلاة والإفطار والأضحية )) . وقال ابن القيم في (( تهذيب السنن )) ( 3 / 214 ) : (( قيل فيه الرد على من يقول أن من عرف طلوع القمر بحساب المنازل جاز له أن يصوم ويفطر دون من لم يعلم ، وقيل : أن الشاهد الواحد إذا رأى الهلال ، ولم يحكم القاضي بشهادته ليس له أن يصوم كما ليس للناس أن يصوموا بشهادته )) أ.هـ . بتصرف . إذن ، هذا المعنى هو الذي يتبادر من حديث الترمذي السابق ، يؤيده احتجاج عائشة به على مسروق ، حين امتنع من صيام يوم عرفة خشية أن يكون يوم النحر ، فبينت له انه لا عبرة برأيه وان عليه إتباع الجماعة ، فقالت : (( النحر يوم ينحر الناس ، والفطر يوم يفطر الناس )) . وهذا هو اللائق بشريعتنا الإسلامية السمحة التي من غاياتها تجميع الناس وتوحيدهم ، ونبذ الآراء الفردية إذا أدت إلى تفريقهم ، فلا تعتبر الشريعة – مطلقاً – رأي الفرد – ولو كان صواباً في وجهة نظره - في عبادة جماعية كالصوم والعيد والأضحية ! وكان الصحابة - رضي الله عنهم - يصلي بعضهم وراء بعض ، وفيهم من يرى أن مس المرأة ، والعضو ، وخروج الدم ، من نواقض الوضوء !! ومنهم من لا يرى ذلك ، ومنهم من يتم في السفر ، ومنهم من يقصر ، فلم يكن اختلافهم - قط - ليمنعهم من الاجتماع في الصلاة وراء إمام واحد ! وذلك لعلمهم اليقين بأن التفرق في الدين شر من الاختلاف في الرأي ! روى أبو داوود في (( سننه )) ( 1 / 307 ) أن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - صلى بمنى (( في الحج )) أربعاً ، فقال عبدالله بن مسعود منكراً على عثمان : صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم - ركعتين ومع أبي بكر ركعتين ، ومع عمر ركعتين ، ومع عثمان صدراً من إمارته (( كذلك )) ثم أتمها - يعني عثمان - ثم أن ابن مسعود صلى بمنى أربعاً ! فقيل له : عبت على عثمان ثم صليت أربعاً ؟! فقال : الخلاف شر !! فليتأمل ، فيما سبق من أحاديث وآثار - أولئك الذين لا يزالون يتفرقون في صلواتهم وعباداتهم ، ويجعلون من الاختلاف في الرأي مضرة على الدين ، وإفسادا لحاضره ومستقبله ! والخلاف في الرأي والاستنباط مشروع شريطة أن يقصد الحق فيه من كل باحث ، لذلك أثبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للمجتهدين أجرين إذا أصاب ، اجر الاجتهاد واجر الإصابة ، وأجراً إذا اخطأ هو أجر الاجتهاد الذي لا يخسر أبداً أجره ، في الخطأ والإصابة ، شريطا أن يقوم على شروطه المبنية عند أهل الأصول وأهل الفقه ، وقديماً قال الفقهاء : كل مجتهد مصيب يعني يصيب المجتهد أجر اجتهاده حال خطأه أو حال صوابه . والله أعلم .
|
رمضانيات
الصيام .. ووحدة الجماعة
أخبار متعلقة