النسوية والصوفية والشيوعية والتمييز العنصري ابرز اهتماماتها
جاء الإعلان عن منح نوبل للآداب لعام 2007 للشاعرة والروائية البريطانية “دوريس ليسنغ” ليحيي من جديد الاتهامات للأكاديمية السويدية بتسييس اختياراتها، فالكاتبة التي أنتجت أكثر من خمسين رواية وكتابا على امتداد سنوات عمرها الثماني والثمانين بلغت ذروة مجدها الأدبي في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي يوم كانت أعمالها ترتبط بالقضايا الإنسانية المعاصرة، لكنها منذ ذلك الحين سلكت طريق الهبوط وباتت شهرتها وشعبيتها الواسعتان جزءا من الماضي.فهل هناك علاقة بين تكريم ليسنغ بالأجندة السياسية العالمية التي تضع تمكين المرأة بين أولوياتها ؟ هذا أمر لم تخفه الأكاديمية السويدية في إعلانها عن منح ليسنغ الجائزة، إذ جاء في الإعلان أن الاختيار قد وقع على هذه الأديبة كونها كاتبة ملحمة التجربة النسوية، التي أخضعت بالتشكيك والنار والقوة الرؤيوية المدنية المنقسمة على ذاتها للانتقاد، كما وصف الإعلان كتابات ليسنغ بأنها عمل طليعي ينتمي إلي تلك القلة من الكتب، التي أثارت رؤية القرن العشرين للعلاقة بين الذكر والأنثى.أما «الطفل الخامس» فكانت صرخة روائية مدوية لدوريس ليسينغ على مستوي انهيار ما يمكن اعتباره الجسور بين الأفراد من جهة، والوعاء الاجتماعي الأعم،و تبلغ ليسينغ، في هذا العمل حدوداً قصوي من ايصال مأزق التواصل بين الناس الى الطريق المسدود.. زوجان يصممان على تحقيق أحلامهما التي طالما راودتهما، يرزقان أولاداً اربعة،و تمضي هذه العائلة الهنيئة ايامها في أمن وأمان واستقرار، إلى إن يتمرد علي هذا الهدوء المفعم بالسعادة والثقة بالنفس، طفل خامس شاءت الأقدار ان ينجباه لتنقلب الحياة رأساً علي عقب ، تهب رياح عاتية على هذه العائلة المنزوية محدثة نوعاً من التحول الذي لم يكن في الحسبان ، الطفل الخامس هو اللعنة التي حلت عليها اتية من المجهول ، كائن من طينة الانحراف عينه، يشق طريقه كالقطار السريع غير ابه بالعراقيل والحواجز. تختار ليسينغ بذكاء روائي نادر نقيضاً للمعادلة القائمة من قلب العائلة لتحيل حياتها جحيماً دائماً ينتقل بين أتون وآخر. يتمثل مغزي هذه الرواية، علي الأرجح، في انها تستلهم أعمالاً سابقة تتوخي الكشف عن الخلل العميق في البنية الاجتماعية. غير انها تذهب بها الى الضفة الأبعد في الأدغال الموحشة للنفس الانسانية. يأتي «الشر» هذه المرة متلبساً طفلاً ليغير شكل الحياة ومضمونها. ليس شراً بالمعني الذي يتجاوز المفهوم التقليدي.انه احد اوجه التصادم بين الرغبات التي لا تقوي على الاختباء طويلاً. تظهر في اللحظة المناسبة لتقول بصوت عال ان الحياة لا تسير وفقاً للأمنيات والأحلام الوردية ، صورة مخيفة تظهرها الكاتبة في اشكال محتملة عدة لتستكمل بها المنحي المأسوي الذي يتربص بالانسان، يزيدها صعوبة استسلام الفرد للخرافات والأساطير المهيمنة من دون ان يأخذ قراراً حاسماً لمقاومتها وإعادة تشكيلها. أما «تحت جلدي» فهو الكتاب الأبرز في الدلالة علي السيرة الذاتية للكاتبة، و تكمن أهميته في افتراقه عن الطريقة التقليدية لكتابة المذكرات ، ويشتمل على جزاءين أولهما تروي فيه ليسينغ محطات فاصلة من حياتها الصاخبة ،و تنطلق في نسج خيوط هذه السيرة منذ ان كانت صغيرة في روديسيا مروراً بزواجها الأول وهي لا تزال يافعة في مدينة سالزبوري، بلوغاً إلى تشبعها بالفكر الماركسي، ومن بعد، انتقالها الى العاصمة البريطانية لندن. و الأرجح أنها رواية مكتملة العناصر الدرامية تستقي من الحياة وتجاذباتها وتعقيداتها مادتها الأساسية. ليسينغ توظف مذكراتها لإعادة اكتشاف الحلقات المفقودة في حياتها الغامضة ، وتستقرئ ما في جَعْبتها من وقائع علي قاعدة ان الماضي والحاضر والمستقبل أزمنة افتراضية لا تشكل وحدها سياق التاريخ• يتدخل في تسلسلها زمن رابع هو ذلك العائد إلى انعكاس الأشياء على مرآة الذات في أبعادها الداخلية، نمط مبتكر يتدفق بحيوية ليعيد صوغ الحدث الانسانية من جهة، والتجربة الاجتماعية الاوسع من جهة ثانية ، شريط سينمائي يضع نطاق التجربة الحيّة التي تجعل من الفرد همزة وصل بين التجربة الانسانية، من بصماته عليه مخرج كبير من وزن انساني ثقيل يعيد فيه خلط الأوراق، في النتيجة بعمل ذي معني مؤثر للتجاذب الانساني والأفكار التي تدير حياة الناس علي نحو غير مفهوم. أما عملها الروائي « الصدع « الذي صدر عام 2007 حيث تتناول فيها فكرة كانت مصدر إلهام كثير من كتاباتها الأولى، وتطرح سؤالاً هو: كيف يمكن للرجال والنساء وهم مخلوقات متشابهة لكنها متميزة أن يعيشوا جنبًا إلي جنب، وفيها تتخيل عالمًا بدائيًّا يسيطر عليه وجود أنثوي، مسكون بكائنات تعيش في لا مبالاة تامة ضمن مجموعات أشبه بخنزير البحر، وبمجرد أن تبدأ هذه الكائنات بوضع «مواليد ذكور» تعمّ الفوضي نظام الحياة في هذا المكان أو الصدع الذي تعيش فيه الكائنات الإناث ، فمخلوقات الرواية التي كانت تعيش في هذا الصدع تعتبر المولود الذكر مسخًا وتتركه على الصخور للنسور، ويتزايد عدد المواليد الذكور ولكن النسور تنتشلها وتضعها في الوادي المجاور لتواصل الحياة، وينشأ مجتمعان أحدهما في الصدع والآخر في الوادي، وفي ظل الاحتياج المتبادل يتفاعل المجتمعان ومع توالي الأجيال تتلاحق أحداث الرواية الخالية من الشخصيات، وبالرغم من ذلك تصور باقتدار ذلك التناقض بين الرغبة في التغيير والخوف منه. ورغم اعتبار درويس ليسنغ كاتبة ملحمة السنوية، إلا أنها تدفع عن نفسها شبهة الانحياز للمرأة، قائلة: «استغرب دائما الطريق التي ننظر بها اوتوماتيكيا الي ما يفرقنا، نحن لا ننظر أبدا الي الأشياء المشتركة لدي الناس، البيض والسود علي حد سواء يرون الفوارق ولا يرون المشتركات، رجالا ونساء شيوخا وشبانا ، وما إلى ذلك، أنا اعتبر هذا مرضا ذهنيا، لأن المشترك بين الرجال والنساء أكبر من الاختلاف بينهما». عندما سئلت دوريس ليسنغ قبل أيام من إعلان جائزة نوبل في الآداب عن الظلم الذي وقع عليها بتجاهل الأكاديمية السويدية لها كأديبة من أبرز كاتبات القرن العشرين، أجابت بأسلوبها الساخر التهكمي: «لا فائدة من القلق في هذا الشأن .. أظنهم يعتمدون نظام الكوتا، ثمة وقت للاعتراف بالأدب اليهودي الأمريكي، وآخر للاعتراف بالمصري والإفريقي والآسيوي». ويبدو أن ليسنغ لم تتخل عن سخريتها عندما علمت بفوزها بالجائزة ، عندما عادت إلي منزلها وجدت عشرات الصحفيين في انتظارها، وعشرات الكاميرات، جلست لدقائق علي «سلم» منزلها في إحدى الضواحي الهادئة غرب لندن، وقالت لماذا صار المسئولون عن نوبل يحبونني، بعد أن كانوا يكرهونني في الماضي، وابتسمت لهم قبل قولها: أعذروني لابد أن أصعد إلى أعلى للتحدث في التليفون. لم يعرف أحد إلى من تحدثت السيدة العجوز، ربما لم تتحدث إلى أحد وإنما كانت تجهز مجموعة من الجمل المناسبة التي سوف تستخدمها مع الآخرين بعد فوزها بنوبل، حيث أخبرتهم عقب عودتها أنه لا يمكن للأكاديمية منح الجائزة لشخص ميت، لذا قرروا أنه من الأفضل أن يمنحوها الجائزة قبل الرحيل. علي الرغم من بلوغ ليسنغ 82 عاما إلا أنها لم تفقد بعد حسها الساخر، ولم تتلق باقات الورود من المؤسسة الرسمية البريطانية، وربما كانت سوف ترفض استلام الباقات إذا وصلتها، تمامًا كما فعل «هارولد بنتر» منذ عامين بعد حصوله علي الجائزة ذاتها، لتأكيدها الدائم أن المؤسسة البريطانية لم تغفر لها أبدًا كونها شيوعية في سنوات ما بعد الحرب، وأنها لم تنس آرائها القوية في القضايا النسائية والسياسية، ولكن هذه المؤسسة لم تعد تعنيها كثيرا، وأنها رفضت منذ سنوات طلب ملكة بريطانيا منحها لقب «سيدة الإمبراطورية البريطانية»، معلقة علي ذلك بأن الإمبراطورية لم تعد موجودة. هكذا، رفضت دوريس ليسنغ تكريم الملكة ، وقررت الانعزال في بيتها لرعاية قطتها التي تحبها، والجلوس أمام الآلة الكاتبة للكتابة فقط، لأنها لا تعرف شيئًا آخرًا في الحياة سواها، الموت بالنسبة لها هو التوقف عن الكتابة، لا تعنيها الجوائز ولا الشهرة ولا الأموال، وإنما المتعة فقط، كما لم تتعال عن تطوير أدواتها الإبداعية والمغامرة بالدخول في عوالم إبداعية جديدة ومعقدة• كل هذه الظروف والملابسات، التي تحيط بفوز ليسنغ بهذه الجائزة الأدبية الكبيرة، من تجاهل دام طويلا، والأفكار التي ربما يراها البعض مخالفة لتوجهات الأكاديمية السويدية المانحة للجائزة أو الإتجاه الصوفي الغالب علي بعض الكتابات، كل هذه الأمور وغيرها تجعلها على درجة كبيرة من الشبه بظروف فوز الروائي العربي نجيب محفوظ بذات الجائزة، الذي وصفته قبل أيام من حصولها علي نوبل بالرائع، بقولها: «لم أكن قبلاً سمعت عن هذا الكاتب المصري الرائع الذي فاز بنوبل، الآن أنا أقرأه وهو رائع فعلاً ». مِن أبرز أعمال ليسنغ الروائية: العشب يغني صدرت عام 1950 - عودة إلى البراءة - المفكرة الذهبية - رجل وامرأتان - شتاء في تموز - قطط على وجه الخصوص - مذكرة هبوط الي الجحيم - الشمس بين أقدامهم - - مذكرات من نجا - الشمس بين أقدامهم -- الصيف قبل الظلام - ذكريات تاج - متدونا السوداء - يوميات جار طيب - الارهابية الطيبة - آداء اللعبة - الحب - الحلم الاأحلى - قصة الجنرال دان وابنه مارا . [c1] ومن أبرز مجموعاتها القصصية: [/c]الدورادو صدرت عام 3591 - جوع - المرأة الأخرى - تقرير عن المدينة المهددة - بين الرجال - عادة الحب - كيف خسرت أخيرا قلبي ؟ - رسالة من الوطن - الكلمات التي قالها .