صنعاء / سبتمبرنت :اليمن بلاد طيبة منذ العصر البرونزي أي 3000 ق. م ومازالت سعيدة طيبة، حيث يشتق اسمها من 'يمنات' بمعنى 'اليمن' والخير، لان أرضها منبت الخيرات الكثيرة من الأشجار والنباتات والمياه الغزيرة، وأيضاً يعني اسمها 'البركة'، واليونانيون أطلقوا عليها 'بلاد العرب السعيد' Arabia Felix، ويقال كذلك أنها سميت باليمن لوقوعها إلى يمين الكعبة المشرفة.وقد التقينا في صنعاء زكريا احمد محمد هاشم الذي يعمل دليلا سياحيا، فقال: صنعاء أقدم مدينة بنيت على وجه الأرض، أول من وضع حجرا لبناء سكن في هذه العاصمة هو سام بن نبي الله نوح (عليه السلام)، ويؤكد بعض علماء التاريخ إن الذي بناها هو 'شيت بن آدم أبي البشر (عليه السلام)، وأما إضافة البيوت فجاءت على يد شراحبيل الحميدي، ثم جاء آل شرح يحصب، وتعاقب على صنعاء يونان ورومان وفينيقيون والأحباش والفرس حتى فتح الله عليهم بالإسلام.وقال زكريا هاشم: كما ذكر أيضاً في التاريخ أن كلمة صنعاء نسبة إلى صنعاء بن أزال بن عامر بن شالخ، وقيل أيضاً إنها سميت بهذا الاسم لان 'وهرز' قائد الفرس قدم إلى اليمن لنصرة سيف بن ذي يزن وحارب الحبشة وقتل ملكهم، ولما دخلها قال: صنعه ـ صنعه.[c1]أبنية عريقة[/c]وتحدث عن ارض أقيمت عليها حضارات وعمران وقد ذكرها سبحانه وتعالى في القرآن الكريم 'لقد كان لسبأ في مسكنهم جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور'.وأما اليمنيون فيقولون أن أرضنا معقدة من الأحجار البركانية، وطبقات صخرية صوانية ورخامية شكلت عليها الجبال الضخمة والأودية والهضاب المرتفعة ما بين 2000 ـ 3000 متر فوق سطح البحر، أما صنعاء المدينة، التي كانت تسمى في الجاهلية 'ازال'، فترتفع حوالي 7000 قدم، وبراكيننا تسمى 'الحرات' أو الحرار، ومفردها 'حرة'.وقال: لأنها مدينة قديمة تعود إلى آلاف السنين فأبنيتها لا مثيل لها، فكل عمارة أو بيت يعتبر نموذجا فريدا من التراث العالمي ومتحفا يجذب الناظرين في الروعة والجمال والإمكانات الهائلة وبراعة الهندسة التي شيدتها على هذه الصورة الغنية بالزخرفة والنقوش. وتحدث عن هذا السور التاريخي الذي لايزال صامدا وقائما ولا تمسه يد الدمار والهدام، سور له ستة أبواب حول المدينة القديمة، كانت تقفل في الليل حفاظا على الأهالي، ويمنع دخول الغرباء إلا بمعرفة ساكنيه، أبنية تشم منها رائحة التاريخ العربي الأصيل، وتذكرك وتعيدك إلى الحضارات والدهور التي مرت وتعاقبت على صنعاء.وقال: بنيت هذه البيوت من الحجر البركاني المربع، والنافذة التي تسمى 'قمريات' تتكون من الجبس الأبيض مزخرف بزجاج عليه أشكال هندسية فريدة من نوعها، فإذا دخلتها أشعة الشمس تشكل داخل الغرفة مناظر جميلة خلابة يشعر من سكنها بالمرح والفرح، وكل بيت عبارة عن خمسة أو ستة طوابق، الأدوار العليا للرجال والوسطى للنساء، والسفلى للمخازن، ولا يمكن لمالك أي بيت أن يغير أو يعدل أو يرمم إلا بالطراز والشكل نفسيهما حفاظا على القديم.وأضاف: هذا اليمني ما زال يباهي الأمم العريقة بتاريخه القديم الغني بالمساجد التاريخية أكثر من مائة اسس اقدمها سنة 6 هجري على يد الصحابي 'وبر بن يخنس الانصارى' وفيه مكتبة من ايام الخليفة الثالث، عثمان بن عفان رضي الله عنه ومسجد الاخضر 'خضير' الذي عمره مطر الهمداني وزاد في بنائه القاضي محمد بن حسين الأصفهاني ومسجد الابهر القديم ومسجد الصحابي فروة بن مسيك المرادي، وصنعاء غنية بالحمامات العامة القديمة التي ما زالت تستقبل روادها وأهمها: حمام الميدان وباسر، وحمام سبأ والطواشي، فهذه الحمامات غالبا ما تستعين مياهها من الينابيع الحارة المتدفقة طبيعيا داخل الأرض، وقد خزنت هذه المياه في برك فوارة من الطين لتكون طبيعية، تنشأ هذه الينابيع الحارة تحت الصخور اليمنية التي هي غنية فيها وعلى أرضها وجمالها.وقال: ان هذه الحمامات وينابيعها تشفي المرضى بإذن الله وبعضهم يقوم بشربها، وتعتبر اليمن بلد المنتزه للينابيع الحارة منذ القدم، وألان تتمتع بإمكانات طبيعية للسياحة العلاجية من خلال توافر العديد من العيون الكبريتية والحارة فهذا حمام صبو والطوير، وسيان وحمام علي.
باب اليمن
[c1]الأسواق القديمة[/c]صنعاء فيها الكثير من المعالم التاريخية والمواقع الثرية ولكن عراقة أسواقها تعتبر من عجائب الأسواق في العالم، تدخل أسواق صنعاء القديمة، ومنها سوق باب اليمن حيث البوابة التاريخية، فتجد فيها الحرف اليدوية القديمة والحديثة التي توارثها أهل اليمن، سوق فيه أكثر من ثمانين حرفة وتسمى كذلك بسوق الملح وسوق البذر والصرافة والنحاس، وسوق الفضة والحلي، وسوق الحديد والبن اليمني الشهير، وسوق القشر بحيث لا يخلو أي بيت يمني من مخلفات القهوة اليمنية، والتوابل اليمنية لها قصة مع سيدنا سليمان عليه السلام عندما أرسلت الملكة بلقيس هداياها إليه. من هذه النوادر الفخمة والطيبة والنادرة، نعم صنعاء أخذت اسمها من كثرة الصناعات، نعم أنها عاصمة الروح كما قال احد الشعراء في قصائده:'هي عاصمة الروح أبوابها سبعة[c1] *** [/c]والفراديس أبوابها سبعةكل بـاب يحقق أمنية للغريب[c1] *** [/c]سلام عليك سلام على صنـعاء سلام على كل البشر'وقال احدهم أيضاً:'مكة عاصمة القرآن[c1] *** [/c]باريس عاصمة الفنلندن عاصمة الاقتصاد[c1] *** [/c]واشنطن عاصمة القوةالقاهرة عاصمة التاريخ[c1] *** [/c]بغداد عـاصمة الشعردمشق عاصمة ا لورد[c1] *** [/c]وصنعاء عاصمة الروحصنعاء طيبة أهلها[c1] *** [/c]لله در مـن حلهاالأبواب من حولها[c1] *** [/c]مبنية بجهد الرجال'أسواق كثيرة شعرت بها كزائر ولا أدري من أين أبدأ؟ ومن أين أكتب؟ عن البن اليمني أم العنب اليماني، أو السيف والخنجر أو الرماح الردينية والعقيق اليمني من عروق الجبال، كل ما أقوله إن الماضي التليد والحضارة العريقة والجهود المخلصة المحبة لأرضها والأيدي الأمينة، والمشاهد الرائعة تجدها في هذه الأسواق، ولكن حسن التعامل والضيافة من أصحاب المحلات في هذه الأسواق لا تجدها إلا بين هذا القديم وفي هذا العريق، أسواق تقوم بدور فعال ومؤثر في الحياة الاقتصادية، ومتوافرة في هذه الأسواق مقومات السياحة وما يحتاج إليه السائح أو المواطن، أسواق تساهم في الدخل القومي وتجذب السياحة ورؤوس الأموال، أسواق تستوعب أعدادا من الأيدي العاملة جعلت من اليمن بلدا سياحيا جاذبا للزوار بقصد الشراء والتنزه والترفيه.في هذا السوق نتذكر المراكز التجارية التي كانت عليها اليمن من صنعاء ومعين ومأرب، وشبوة، وحضرموت، ومأرب، استقطبت كل أنحاء الجزيرة، كانت محطة التقاء التجار من آسيا وأفريقيا، أسواق تقليدية حتى اليوم تمتاز بالجودة والذوق الرفيع.
جانب من باب اليمن
[c1]هدايا الملكة[/c]وفي جولتنا في الأسواق القديمة سألنا تاجر التوابل السيد أكرم علي الصنعاني عن تاريخها وأهميتها فقال: كانت بضاعة غالية التكلفة وكانت الضرائب تفرض عليها، وأصبح وزنها يساوي الذهب، فكيس منها هدية للملك، فهذه بلقيس ملكة سبأ أهدت سيدنا سليمان (عليه السلام) إبلا محملة بالتوابل، وكانت للأغنياء والملوك فقط، فالبحارة كانوا يشدون رحالهم إلى اليمن والهند ليملأوا سفنهم من التوابل، ورحلات كثيرة مشهورة في العالم دفعت لأجلها. [c1]التوابل اليمنية[/c]وقال: اليمنيون هم الزراعون والوسطاء في تجارة التوابل لأن أرضهم غنية في هذه النباتات فبراعمها وجذورها وسوقها ولحاؤها طعام يثير الشهية ويجلب النكهة، ولعبت توابل اليمن دورا كبيرا في تاريخ الشرق والغرب، توابلها لها رائحة الأريج والعبير، وتحتوي على حالة زيتية ذات مذاق طيب، ونكهة معطرة إذا وضعتها في الطعام انبعثت منه رائحة يسيل لها اللعاب، وهذا دليل التأهب للطعام اليمني الغني بتوابله، وحتى الإضاءة والإنارة كانتا من زيت التوابل خاصة قصب الذريرة والقرفة والبخور. وأضاف: اليوم فقدت قيمتها فأصبحت تباع بسعر التراب، ولكنها غنية على الموائد، فتكسب الأكل متعة الشهية والإثارة، وأهمها: الفلفل على رأس التوابل فهو الأغلى، القرفة: لحاء أشجار ذات أوراق دائمة، زيتها هوالعامل الرئيسي في مفعول التوابل، وهو المنشط والمقوي والمعقم والمضاد للتعفن. أوراق الغار: فهي رمز للنصر والمجد والعلاج وزينة للتوابل.القرنفل: حبته توضع في فم الذين يريدون مخاطبة الملك حتى يخرج الكلام نقيا، ويعلق القرنفل في خزانات الملابس، فالتوابل مطهرة ومخدرة لطيفة، الينسون: كان يعتبر عملة قانونية يسدد بها جزء من الضرائب، له فؤائد طبية في التوابل يكافح الالتهابات، ويقضي على الزكام، بمفرده يحير العقول خاصة في علاج فقر الدم.جوزة الطيب: تستعمل مع التوابل، وإذا وضعت جوزة واحدة مع مائة غرام من الفلفل الأسود مثل القرنفل والقرفة تسمى 'الدقة'.قصب الذيرة: من التوابل الرئيسية يرش على أرضيات الكنائس قديما في الاحتفالات وله عطر حلو.الشبت: وهو المهدئ ذو القيمة الكبيرة.الكراوية: عشب رائحته معروفة، هاضمة ومسكنة اذا اضيفت الى التوابل تدر حليب النساء. [c1]البراعة في صنع الفضيات [/c]انتقل بنا هشام إلى سوق الفضة الشهير وهو من أسواق صنعاء القديمة وداخل سوارها، فترى تمسك اليمني بجذوره العريقة وتجد البراعة والإبداع في صناعة الفضيات، فتعيش سحر الماضي. وأهمها عند التجار المشهورين وبأيدي صناع مهرة مثل: 'البوسانية' و' البديحية' اللتان اشتهر بهما يهود اليمن، ثم تأتي صناعة 'المنصوري' و'الاكوعي' و'الزيدي'، ولا تجد قطعة منها إلا عليها لفظ الجلالة، وأسماء الرسول صلى الله عليه وسلم، والآيات القرآنية.وما زال اليمني بارعا في صناعة الفضيات والعقود وتطريز الملابس والأدوات الفخارية، فهذه الصناعات في أسواق اليمن عبارة عن تراث شعبي يمني مجسد للهوية الوطنية على أيدي أبناء بلاد السعيد.وأخيراً، عرفتنا هذه الجولات على أكثر من 40 سوقا متخصصة في المنتوجات اليدوية والآلية، وأسواق الجلدية عددها 22 سوقا، وعلى الرغم من التطور في عالم الصناعات فان هذه الصناعات قائمة وصامدة أمام الماكينات الصناعية الاقتصادية، وتجد في هذا السوق، الذي يعتبر جزءا من سوق الملح داخل السور، سوق البنادق المصنوعة من الفضيات التي يعود تاريخها الى ما قبل أربعمائة عام عندما دخل الأتراك اليمن، بنادق مطرزة بالعقيق والزخارف، ومحلاة بالفضة والصدف، وصناديق خشبية مرصعة بالعقيق اشتهرت بها أيد يهودية.أصبنا بالدهشة والإعجاب من هذه الفضيات البديعة التي تتحدث بالأصالة وعبق التاريخ منها 'الختم' و'المحافظ' والمكامل' و'العنايش' عبارة عن سلاسل من الفضة، و'الدقة' لتزيين الصدر، و'المعصب' لعصابة الرأس، و'البليزق' و'المشاقر' اخراص للاذن والحزام، وتجد في الأسواق القديمة الفوانيس النحاسية المطرزة بالفضة، والأباريق الخاصة بالقهوة، والمباخر على اشكال الغزلان والثعابين التي تجذب الزوار.واليمني البائع يقنع السائح بلبس 'الثوم الفضي' و'الثوم العادي' عليه الحروز الفضية وفيه آيات القرآن الكريم التي تحرس الإنسان من الشر والحسد، والخلاخل الفضية، وبخانق العنق، والسيوف اليمنية الفضية المشهورة.وأقول كزائر لهذه الأسواق: إن ارتفاع الأسعار يحول دون الشراء، وحتى البائع لا يظهر الفضة الجيدة.