منذ سنوات وأنا أحثه على إصدار ديوانه الأول وهو يداعب تلك الفكرة ويوَّجل، ولذلك فرحت كثيراً عندما قدّم لي منذ أيام ديوانه الأول الذي يحمل عنوان "من أغوار الأمس" وكأنه يقول لنا إن معظم قصائد الديوان تنتمي إلى المرحلة السابقة، مرحلة الصبا وبداية الشباب .. فهو اليوم في عنفوان الشباب كما يلوح للمشاهدين كل يوم على قناة الشارقة من خلال البرامج الثقافية ونشرة الاخبار وتقديمه المتميز.ذلك هو الصديق الشاعر والإعلامي المعروف رعد أمان أبن الشاعر اليمني الغنائي علي عبدالله جعفر أمان صاحب الأغنية العدنية "فينك وفين ساكن، يا حلو يا فاتن،" "من الحان الفنان الراحل أحمد بن أحمد قاسم وصاحب الكثير من كلمات الأغاني الأخرى وكنت قد كتبت عنه فصلاً في كتابي "من شعراء الأغنية اليمنية" الذي صدر عام 2006م في السعودية.وعائلة أمان عائلة معروفة في عدن بالإبداع منهم الأستاذ نجيب جعفر أمان وكان له بعض الشعر الأستاذ فتحي جعفر أمان وكان يدرسنا الرسم ولكن أشهرهم كان الأستاذ لطفي جعفر أمان وكان تلميذاً لوالدي واستاذاً لي ولبعض اشقائي وكان شاعراً كبيراً نشر عدداً كبيراً من الدواوين وكان ايضاً رساما ًمبدعاً بالألوان والحبر الأسود والقلم الرصاص وكان يدرسنا مادة التاريخ ولكن يخرج قليلاً عن موضوع التاريخ ليحدثنا عن أوزان لشعر ونحن في المدرسة الأبتدائية! وكان يقيم لنا الاختبارات ويعطي الفائز كيساً من الحلويات والشوكلاته يشتريها من جيبه وقد فزت بتلك الأكياس عدة مرات وظلت التجربة في ذاكرتي لأنه المدرس الوحيد الذي كان يفعل ذلك خلال كل مراحل دراستي.ولطفي أهم الشعراء الرومانسيين في اليمن وقد كتبت عنه في أكثر من مكان، وكان ايضاً يهوى الموسيقى وله كلمات أغان كثيرة للفنانين أحمد بن احمد قاسم وأبوبكر فارع وسالم بامدهف ومحمد مرشد ناجي وغيرهم وقد كتبت عنه ايضاً في كتابي الآنف الذكر.ديوان رعد أمان ديوان أنيق من إصدار دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة التي تجيد إخراج الكتب ولوحة الغلاف بريشة الفنان علي المعمار وهي صورة حصان واقف على قائمتيه الخلفيتين رسمت بالقلم الرصاص. أما المقدمة فهي للأديب الفنان المترجم صاحب الكتابات الفكرية العميقة الدكتور عمر عبدالعزيز والذي يعرف شاعرنا منذ كانا في عدن.وقد حضر له أمسية شعرية أولى في مقر اتحاد الأدباء والكتاب بعدن بعد أن أنهى رعد دراسته الجامعية وشعر أنه أمام شاعر حقيقي. ويقول في آخر المقدمة: "في هذا الديوان استدعاء وتمثل مؤكد لثقافة شعرية لغوية تتقاطع مع ديوان الشعر العدني، مع التمسك بروحية الإحياء المقيم في العصر".ملاحظاتي الأولى عن الديوان هو هذه النزعة الرومانسية الشديدة المثالية التي تذكرني بديوان جدٍّه لطفي أمان الأول "بقايا نغم" مع مفارقة عجيبة هي أن "بقايا نغم" لم يخل تماماً من محاولات أولية لكتابة شعر التفعيلة وهو ديوان صدر عام 1948م بينما ديوان رعد الصادر عام 2007م كله من الشعر البيتي أو ما يسمى بالعمودي. فرعد أكثر محافظة من جدٍّه الذي انطلق في دواوينه التالية في كتابة قصيدة التفعيلة بشكل واسع يشكل نصف شعره على الأقل، إذ استمر ايضاً في كتابه الشعر البيتي.[c1]يفتتح رعد ديوانه بقصيدة تؤكد إيمانه بتقاليد الشعر العمودي:[/c]عاند زمانك واتبع رسم من بانوافليس شعرا سوى شعر الألى كانواواهجر بلاقع نثر الناثرين هباتنزه الشعر، لا كانت ولاكانواوغازل الضاد ابياتا وقافيةلها بأرواحنا وقع وإرنانوطف بنا في مغاني السحر مشرقةتنساب فيها المنى والفجر هيمان[/c]إلى أن يقول:[c1]وأجمل الشعر موسيقى منمنمةلها صدى غنج الإيقاع فتانعانده فيما يحيل الشعر هلوسةفلا يحب ولايعلو له شانولايغرنك ما في "الحر" من فسحما تلك إلا مدى ذاوٍ وخسران.[/c]فالشاعر يؤكد إيمانه بموسيقى الشعر وشكله البيتي، ولا نعرف إن كان سيكتب قصيدة التفعيلة في دواوينه المقبلة. هناك احتمال حتى وإن كانت الدلائل لاتدل على ذلك. ونلاحظ في أبيات القصيدة السبعة والعشرين رومانسية في لغتها وألفاظها وصورها كما استوقفني استعماله لفعل الأمر في كثير من بدايات ابياته في القصيدة بل وفي قصائد اخرى ايضاً: عاند، وأهجر، وغازل، وطف .. الخ .. وكأنه يحث نفسه كي تصمد ولاتدع التيار يجرفها وهو مثالي يترفع عن الاغراق في الماديات كأكثر الرمانسيين:[c1]هكذا شئت فاحي هيكلابارداً ما فيه حتى وهم حس ..ايها المسكون بالدنيا .. كفى آن أن تبرأ من أتعاب مس ..في غد تطويك أسداف الدجىثم تلقيك هبا في بطن رمس[/c]وفي قصيدة "لست قدري" يذكرنا بإيليا أبو ماضي وهو هنا يختم كل مقطوعه من خمسة ابيات بعبارة "لست تدري"[c1]خذ من الفجر الذي لاح وأحيا الكون بسمهخذ من الطير الذي باح بسر الفن نغمهخذ من الزهر الذي فاح وأروى النفس نسمهفإذا مالورد ضم الشوق في عينيك ضمَّهأنت لاتدري لماذا الحسن للأعمار نعمهلست تدري[/c]إن رعد هنا يعيدنا إلى كتابات الرومانسيين قبل الحرب العالمية الثانية وكأن تلك المرحلة الشعرية الجميلة هي الفترة المثالية في دنيا الشعر كأن رعد شاعر ولد بعد زمنه الشعري بجيلين.وفي قصيدة ليلة عرسي، "وقليلاً ما كتب الشعراء عن ليلة عرسهم" نسمعه يقول،وأعراس عدن دائماَ مضمخة بالفل:وشذا الفل يعلم الكل أنفاس ذرتها أفراح آل "أمان"[c1]هذه في الزمان ليلة عـرسـي حسبت بالدهور وهي ثوانرب إنــي أحبـهـــــا بجنــون فابقهـا لـي حتى يحين أواني[/c]اللهم أحفظ هذا الشاعر العاشق "المجنون" لحبيبته واحفظها له.وفي الديوان عدة قصائد رثاء تظهر مدى وفاء الشاعر للأصدقاء والاعلام فهناك قصيدة في رثا لطفي أمان واخرى في رثاء صديقه الإذاعي اليمني المعروف علوي السقاف قصيدة في ثراء الفنان اليمني اسكندر ثابت واخرى في الفنان أحمد قاسم واخرى في رثاء والدي الدكتور محمد عبده غانم رحمهم الله جميعا. ولايمكنني إلاَّ أن اقف قليلاً عن هذه القصيدة ولو من باب بر الوالدين وتقديراً لهذا الوفاء من هذا الشاعر الشاب لأولي الفضل:[c1]كم قلوب وكم عيون سقاها كلها كلها إليه ظماءيستبيها "موج وصخر" وكأن الصخر كأس والموج ذا صهباءصدحت روحه النقية بالشعر فضاءت في كل روح ذكاءلم يمت من "على الشاطئ المسحور هامت بشعره الجوزاء[/c]و"على الشاطئ المسحور" هو عنوان ديوان والدي الأول و"موج وصخر" هو عنوان ديوانه الثاني وهما الديوانات الأكثر رومانسية بين دواوين والدي مما جعل رعد يخصهما بالذكر.ورعد أمان صديق لشقيقي الطبيب الفنان د. نزار غانم فأهداه قصيدة أشاد فيها بالعيادة المجانية في المركز الفني والتعليمي الذي انشأه نزار في صنعاء ثم ساعد في إنشاء مراكز اخرى في تعز وحضرموت .. وهو عمل اجتماعي رائد سبق به نزار معظم البلدان العربية كما نوهت بذلك صحيفة الأهرام يقول رعد:[c1]لك يا نزار لك الفخار بمركزما كان إلا للفنون مناراً[/c]وكان الشاعر حسين أبوبكر المحضار قد اشاد بعيادة المبدعين هذه لنزار بقصيدة عامية:[c1]وأعمل من الخير في دنياك ما تستطيعوقدم الشكر للشاب الأديب الرفيعنزار غانم تعمق في المعاني ضليععيادة المبدعين تأتي بما هو بديع[/c]والديوان يحوي قصائد عن باكثير والأخطل الصغير وبوشكين ولبنان .. الخ وقصيدتين من [c1]وحي الشارقة يقول في إحداها:أشرقت في خاطري "شارقة"كم وكم قلبي تمنى وصلها حوت الحسن فهامت أعينواستفاقت مهج تهفو لهاإنني أهوى سماها .. بحرهاجوها .. أهوى رباها .. حقلهاأعشق الساحات فيها تزدهيبالثقافات وأهوى نخلها[/c]ولاشك أن الشارقة صارت عاصمة متميزة للثقافة والجمال خصوصاً تحت قيادة حاكمها المثقف والمبدع صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي حفظه الله.
أخبار متعلقة