إعداد/ داليا عدنان الصادقحافظ ابراهيم شخصية متعددة الجوانب وعلم من اعلام الشعر في العصر الحديث وظف حياته وشعره للنضال ضد الاحتلال الانجليزي واشعال حماس الجماهير للثورة ففي عهده انقسم الناس فريقين : فريق فضله واثره عمن سواه وفريق فضل امير الشعراء احمد شوقي كعبقرية شعرية نادرة مع حبه لحافظ واعجابه به .. اما الدكتور طه حسين عميد الادب العربي فقد قال ان احمد شوقي وصل في شيخوخته إلى ماوصل اليه حافظ في شبابه ، واكد انهما كانا اشعر اهل الشرق العربي منذ مات المتنبي وابو العلاء . إن علاقة ( ابن النيل ) حافظ ابراهيم بنهر النيل علاقة قديمة تعود الى لحظة ميلاده فقد ولد في ( ذهبية ) مركب كانت راسية على شاطئ النيل عام 1872 امام مدينة ديروط بمحافظة اسوان وهي احدى محافظات مصر ، كان والده المهندس ابراهيم فهمي احد المهندسين المشرفين على قناطر ديروط ، ومولده بهذه الصورة كان ارهاصاً لطيفاً بأن يولد شاعر النيل على صفحة النيل .في عام 1912م انعم عليه الخديوي برتبة البكوية ونيشان النيل فأطلقوا عليه لقب " شاعر النيل " لكنه كان يفضل دائماً ان يلقب بالشاعر الاجتماعي وينتسب حافظ ابراهيم من ناحية أمه إلى اصول تركية فوالدته هي السيدة هانم بنت احمد البورصة لي وكان والدها ذا مركز مرموق في حاشية الاسرة الملكية الحاكمة . عاش حافظ ابراهيم ( 4 سنوات ) في كنف والده في ديروط وعندما توفي والده عادت به امه ليكفله خاله بعد وفاة جده ، اكمل شاعر النيل دراسته حتى المرحلة الثانوية لكنه تمرد على التعليم الإلزامي واتجه لدراسة الشعر الذي ملك كل حواسه ، وبسبب فصاحته وقوة حجته ضمه احد كبار المحامين لمكتبه ولم يكن للمحاماة وقتها قانون ينظمهما اذ كانت مهنة مفتوحة ينخرط فيها كل من يأنس في نفسه صلاحاً لها . تخرج حافظ ابراهيم سنة 1891 في المدرسة الحربية ضابطاً في الجيش وسافر إلى السودان واحيل خلالها للاستيداع مرتين ثم طلب احالته للمعاش سنة 1903م .. وكان حافظ ابراهيم ثائراً على الاستعمار بطبعه ويدافع عن زملائه امام المحاكم العسكرية مستغلاً خبرته السابقة في المحاماة وكان قد شارك في ثورة احدى فرق الجيش المصري بالسودان ضد الانجليز عام 1899 واخمد الانجليز الثورة وحاكموا زعماءها وكان من بينهم حافظ ابراهيم الذي احالوه للاستيداع واعادوه ضمن 18 ضابطاً آخرين الى القاهرة . لكن حافظ استقال من الجيش وهو في الاستيداع يائساً من إمكان استمراره في خدمة جيش يسيطر عليه عدو يضعه تحت المراقبة . كان حافظ قد ذاع صيته في الاوساط الوطنية بشعره الوطني وسيرته كضابط حر جري وجسور وكان يتردد على مجالس الزعماء أمثال الشيخ محمد عبده ومصطفى كامل ( وهو ابن خالته ) وسعد زغلول واحبوه جميعاً وقربوه اليهم بعد ان وجدوا في شعره سلاحاً يلهب شعور الجماهير بالوطنية . ولم يكن اي حزب يجرؤ أن يتخذ موقفاً معادياً من حافظ ابراهيم لذلك احترم الجميع استقلاليته في الرأي وقبلوا منه مالم يقبلوا من غيره .. كذلك تقرب اليه الخديوي عباس حلمي الثاني ثم السلطان حسين كامل والملك فؤاد ، كان الجميع يعلمون انه لايمكن احتواؤه فسعوا اليه وحرصوا الاَّ يختصموا معه . حتى الانجليز لم يكونوا اقل إدراكاً لمكانة حافظ الشعبية ، فأخدوا يتقربون اليه من خلال المندوب السامي البريطاني في مصر الذي كان يزور حافظاً في بيته بين الحين والاخر ويدعو نفسه إلى مائدته الشرقية التي اشتهر بها حافظ ، ورغم زياراته لحافظ فإن حافظ لم يدخل دار المندوب السامي البريطاني طوال حياته ولم تكن هذه الصداقات لتغير من سخطه على الاحتلال ودعوته الى الثورة . لم تكن الوطنية وحدها سر انجذاب الناس اليه لكن هناك اسباب اخرى كامنة في شخصيته منها انه كان حلو المعشر ساحر الحديث حاضر البديهة ورائع النكتة وكان مجلسه يزدان اكثر اذا اجتمع فيه مع الشيخ عبدالعزيز البشروي والدكتور محجوب ثابت فقد كانت لكل منهم شخصية الفكهة المرحة النادرة المثال .. طبيعة حافظ كانت حزينة لكنه يغلفها امام الناس برداء كثيف من المرح والفكاهة . وطبيعته الحزينة هذه كان وراءها المآسي التي عاشها منذ طفولته بفقدانه والده ثم والدته وانتقاله من بيت الى بيت ، وكان حزيناً متجهماً اذا خلا الى نفسه فاذا خرج الى الناس يبدو فكهاً مرحاً الشعر يكشف مكنون النفس وشعره كان جاداً رصيناً مع بساطة في العرض والتناول . واذا كان حافظ وشوقي قد اقتسما حب الناس واعجابهم طوال حياتهما فقد لقيا الله في سنة واحدة توفي حافظ في 21 يوليو عام 1932م عن عمر يناهز 60 عاماً وتوفي شوقي بعده في 14 أكتوبر من العام نفسه .
|
ثقافة
شاعر النيل .. حافظ إبراهيم
أخبار متعلقة