أضواء
عائشة المري :وكأحجار الدومينو تساقطت المدن الخليجية أمام إغراء الاستثمارات الأجنبية والأموال المهاجرة العائدة لأرض الفرص الذهبية، فقامت الحكومات الخليجية تباعاً برفع القيود المفروضة على تملك الأجانب للعقار، وعملت الشركات العقارية الكبرى على تسهيل عمليات الشراء وتقديم عروض تتضمن شروط دفع مُيسرة مع إنشاء شركات تمويل تابعة لها، وشهدت المنطقة تدفق العمالة الوافدة الرخيصة لتواكب ثورة العقارات الخليجية. وأصبح العقار سيد الاستثمار بلا منازع، وبعبارات أبسط تم بيع المدن الخليجية في مزادات علنية.إن حديث التركيبة السكانية ليس بالجديد على المنطقة بالطبع، لكن حديث الهوية الوطنية هو إعلان رسمي عن قلق متصاعد بخطورة مشكلة قُتلت بحثاً ودراسة منذ مطلع ثمانينيات القرن الماضي، ولعل التساؤل الأدعى للطرح: أيهما أشد خطورة على التركيبة السكانية في الإمارات ودول الخليج بشكل عام: العمالة الوافدة، والتي يطيب لوزارة العمل أن تسميها العمالة المؤقتة، أم ملاك ومستثمرو عقارات الـ99 عاماً أو يزيد؟ سؤال منطقي في عام الهوية الوطنية.قبل محاولة الإجابة على التساؤل المطروح قد يكون من الأدعى تحديد مفهوم “السكان الأصليين”، والذي نطرحه تفاؤلاً كبديل منطقي عن استخدام لفظ المواطنين، فأدبيات حقوق الإنسان تعرف السكان الأصليين أو الشعوب الأصلية إنها “تلك الشعوب التي، قد توفرت لها استمرارية تاريخية في مجتمعات تطورت على أراضيها قبل الغزو وقبل الاستعمار، تعتبر أنفسها متميزة عن القطاعات الأخرى من المجتمعات السائدة الآن في تلك الأراضي، أو في أجزاء منها، وهي تشكل في الوقت الحاضر قطاعات غير مهيمنة في المجتمع، وقد عقدت العزم على الحفاظ على أراضي أجدادها وهويتها الإثنية وعلى تنميتها وتوريثها للأجيال القادمة، وذلك باعتبارها أساس وجودها المستمر كشعوب، وفقاً لأنماطها الثقافية ومؤسساتها الاجتماعية ونظمها الثقافية الخاصة بها”.وعليه تشير الأرقام الرسمية إلى أنه في نهاية عام 2007 انخفضت نسبة المواطنين إلى 10 %فقط من إجمالي قوة العمل إلى أقل من 5.% فيما بلغ عدد الجالية الهندية 1.5 مليون. وعودة للتعريف تبقى قضية الغزو والاستعمار، فنحن لم نتعرض لغزو كلاسيكي ولا استعمار استيطاني تعرضت له شعوب في القرون الماضية، بل نتج وضعنا الفريد عن عملية استعمار استيطاني حديثة تنظمها شركات عقارية مع إقرار بأن العولمة قد خلقت أنواعاً جديدة من علاقات الاحتكار والاستعمار الحديث.أولاً: لنبدأ بحديث العمالة الوافدة في ما يخص الإمارات، فقد صرح وكيل وزارة العمل بالوكالة في 28 مايو الماضي بأن إجمالي تصاريح العمل الصادرة منذ بداية العام الجاري وحتى نهاية أبريل الماضي في إمارات أبوظبي ودبي والشارقة، قد بلغ 565 ألف تصريح عمل فيما بلغت تصاريح العمل في بقية الإمارات الأربع نحو 72 ألف تصريح، واحتلت إمارة دبي المركز الأول بنسبة بلغت 48% (306 آلاف تصريح عمل فردي وجماعي) تليها إمارة أبوظبي بنسبة 25(%163ألف تصريح عمل فردي وجماعي)، وتوقع أن يزيد إجمالي تصاريح الاستقدام من الخارج خلال العام الحالي في جميع إمارات الدولة عن التصاريح الصادرة خلال العام الماضي، وذلك لـ”زيادة استثمارات الدولة بشكل ملحوظ”، وكانت وزارة العمل قد أعلنت أن إجمالي عدد العمال الأجانب قد بلغ 3 ملايين و113 ألف عامل من نحو 202 دولة، أي أن هذه الأرقام مرشحة للزيادة لمواكبة النمو المتسارع في قطاع التشييد والخدمات والبنى الأساسية اللازمة لدعم المشاريع الاستثمارية. لقد حذر وزير العمل البحريني من “تسونامي” قادم للخليج قائلاً بأن المنطقة مقبلة على كارثة “أخطر من القنبلة النووية، بل ومن أي هجوم إسرائيلي، إننا أمام تغيير وجه المنطقة وتحويلها إلى منطقة آسيوية بالغالب”. وقال في حديثه متهماً رجال الأعمال الخليجيين بأنهم “أكبر لوبي في المنطقة”، بعد أن أجهضت ضغوطات رجال الأعمال مشروع 3+3 الخاص بإعطاء العمالة الوافدة مدة إقامة ثلاث سنوات تُجدد لمرة واحدة، قائلاً إنه يتوقع “وبدون مبالغة أن نرى وزيراً أو عضو برلمان خليجياً من شبه القارة الهندية، بعد عشر سنوات”، مضيفاً “لست متشائماً، ولكني وزير عمل، وأرى بوضوح ما ستصل إليه المنطقة من جراء هذا المد الآسيوي المخيف”. حديث من فم مسؤول يعي النتائج الكارثية المترتبة على وجود أمواج بشرية من العمالة الوافدة تبدو لقِصار النظر هادئة، وهو رجل مسؤول يعي أن منظمات حقوق الإنسان الدولية تُسلط تقاريرها للضغط على دول الخليج لإقرار حقوق للعمالة “المهاجرة لا يتمتع بها في كثير من الأحيان مواطنو هذه الدول كتشكيل النقابات إضافة إلى التوطين والتجنيس على المدى البعيد.ثانياً: الحلقة التالية هي سياسات الدول الخليجية بما فيها دولة الإمارات بالسماح للأجانب بالتملك والاستثمار العقاري والحصول بالتالي على إقامات مفتوحة أو محددة بـ 99 عاماً لكل من يملك شقة سكنية لا تتعدى مساحتها 350 قدماً وما بدا بأنه استثمارات محدودة لشركات حكومية وشبه حكومية تحول إلى سلسلة من المشاريع العقارية العملاقة، والتي حولت البلاد لورشة عقارية انتشرت كالخلايا السرطانية مخترقة أحياء السكان الأصليين -حيث أن تعبير المواطنين لم يعد ينطبق حرفياً عليهم كما رأينا- مزيلة أو مهددة بخطر الإزالة والإحلال أحياءً سكانية؛ فالعصر عصر الدرهم والدولار، فمن يملك يشتري، ومن لا يملك يقطن في ضواحي المدن والصحراء، فمنها خرجوا وإليها يعودون! ونحن في حديثنا عن خطر الاستثمارات العقارية على التركيبة السكانية والهوية الوطنية، ننطلق من حب خالص للوطن حباً جسدته مقولة القائد العام لشرطة دبي لدى مشاركته في منتدى الهوية الوطنية:”أخشى أننا نبني العمارات ونفقد الإمارات”. لا نزايد في حب الوطن ونحن بالطبع لا نريد أن نتحول إلى سكان أصليين في دولتنا العربية والإسلامية، لابد من وقفة حازمة وقرار سياسي، ولنا في حديت المفكر ابن خلدون عن العلاقة بين السياسة والاقتصاد في مقدمته الشهيرة عبرة.* عن / صحيفة “الاتحاد” الإماراتية