أمين عبدالله إبراهيم بتحليل مشكلة الفقر فإنه ينظر إليها من ثلاثة مناظر، الأول هو منظور فقر الدخل الذي يعني اعتبار الشخص فقيراً إذا كان مستوى دخله دون خط الفقر المحدد، أما المنظور الثاني فهو منظور فقر الحاجات الأساسية والمتمثل بالحرمان من المتطلبات المادية اللازمة لتلبية الحد الأدنى المقبول من الاحتياجات الإنسانية بما في ذلك الأغذية، ويتجاوز هذا المفهوم المتعلق بالحرمان، الافتقار إلى الدخل الشخصي، فهو يتضمن الحاجة إلى الرعاية الصحية والتعليم الأساسي والخدمات المجتمعية التي ينبغي على المجتمع المحلي توفيرها، وهو يسلم بالحاجة لتوفير العمل وتحقيق المشاركة للجميع لأن واقع الفقر المحلي معقد ومتنوع وديناميكي.ولأن الفقر والحرمان الاجتماعي يشكلان انتهاكاً لكرامة الإنسان ويتطلبان اتخاذ تدابير عاجلة لوضع حد لهما - بالإضافة ألى منظور الدخل والحاجات الأساسية - فإن مفهوم الفقر في إطار التنمية البشرية يمتد إلى منظور القدرة (المنظور الثالث لمشكلة الفقر) والذي يعني عدم وجود بعض القدرات الأساسية للفرد لتساعده على أداء عمله كما أنه لا يتاح للفرد فرصة بلوغ بعض المستويات الدنيا المقبولة لهذا الأداء وذلك لعدم توفر برامج التدريب.فمنظور القدرة يركز على الوظائف التي يمكن أو لا يمكن للفرد أن يؤديها قي ضوء ما لديه من إمكانات وقدرات، وفي منظور القدرة لا يكمن الفقر بفقر الدخل فقط، أي بالحالة الاقتصادية للفرد، ولكن أيضاً في عدم توفر فرص حقيقية له (بسب العوائق الاجتماعية والظروف الشخصية)، بمعنى المشاركة في المجتمع المحلي.كما أن فقر الدخل وفقر البشر لا يسيران بالاتجاه نفسه، ففي الدول العربية تم تحقيق تقدم نسبي في الحد من فقر الدخل حيث لا يتجاوز (4 %) أما في ما يتعلق بفقر البشر، فإن النسبة تبلغ (32 %) لعام 1996م، وتؤكد مؤشرات وملامح الفقر البشري في بعض البلدان العربية خلال الفترة (1990 - 1995م) على أنه ليس هناك ضرورة بأن يسير فقر الدخل والفقر البشري بنفس الاتجاه، ففي المغرب مثلاً بلغت نسبة الفقر (13 %) فقط بينما نسبة الفقر البشري (41.7 %)، وهذا يعني أن السكان لا يحصلون على كامل ما يلزمهم من خدمات صحية وتعليمية، بينما في سوريا فإن نسبة الفقر البشري(21.7 %) هي أقل من النسبة المئوية للفقر (2 %)، أما نسبة السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر بلغت (26.5 %)، وذلك على الرغم من أن سوريا طبقت نظام التعليم المجاني ولكافة مراحله وللجميع، كما أن الرعاية الصحية مجانية في كثير من المستوصفات والمستشفيات بالإضافة إلى الاهتمام الكبير بالأطفال، فقد دعمت الحكومة السورية الحفاظ على الأطفال، وذلك بتأمين مجانية اللقاح لجميع الأطفال، فكان هذا سبباً لتراجع نسبة الفقر البشري.ومن الواضح أن التوزيع العمري الصغير للسكان ومعدلات الخصوبة المرتفعة (لاسيما في البلدان العربية)، ذات آثار عديدة على الفقر، حيث أن معدلات الإعالة مرتفعة وكذلك أعداد من يدخلون إلى سوق العمل لأول مرة، وهذان العاملان يشكلان ضغطاً متزايداً على توفير الخدمات الاجتماعية الأساسية، لاسيما في مجال الصحة والتعليم، بسبب ما يترتب عليهما من آثار على الإنتاجية ومن ثم على العمالة وعلى توفير فرص عمل التي لا تزال محددة جداً، إلا أن العمل المأمون والمنتج والسليم بيئياً هو مفتاح التقدم الاقتصادي والاجتماعي، وهذا ليس مسألة اقتصادية بل إنه في صميم التنمية البشرية، فالفئات الأكثر فقراً في المجتمع هي عادة الأقل مساهمة في النشاط الاجتماعي(العاطلون) أو التي تكون إنتاجية عملهم متدنية، نتيجة لتخلف أدوات الإنتاج وتقنيات العمل التي تستخدمها النساء العاملات في الزراعة دون أجر، خادمات المنازل، المهاجرون الريفيون إلى المدن غير المؤهلين، كما أن الوضع الصحي والتعليمي لهذه الفئات يؤثر سلباً على إنتاجية عملها لذا فإنه ينظر إلى مدى تحقيق التقدم في التنمية البشرية من منظور الحرمان الذي يتم بموجبه الحكم على التنمية من الطريقة التي يحيا بها الفقراء والمحرومون في المجتمع.ولتحقيق التنمية لابد من تجاوز هدف النمو الاقتصادي ليشمل الاهتمام بجميع نواحي الحياة وطاقات المجتمع كافة، ولابد أن يساهم جميع الأفراد في عملية التنمية ولهم الحق في الانتفاع بثمارها، وبالتالي فإن السؤال المطروح هنا هو : ما الحل المطلوب اختباره للحد من الفقر وتحقيق التنمية البشرية في آن واحد؟ هل النمو الاقتصادي كفيل بتحقيق ذلك؟.لقد أثار هذا الموضوع العديد من الأفكار والملاحظات، حيث كان بعض الاقتصاديين (المتفائلين) يرون أن الفقر يتراجع بسرعة أكبر في البلدان الأسرع نمواً، نظراً لتحسين معظم أحوال الفقراء خلال فترات النمو السريع من جراء تنشيط دخول الأسر الفقيرة وخلق فرص عمل جديدة، وبناءً عليه فإن عدم تحقيق النمو الاقتصادي يخلق صعوبة في إحراز أي تقدم يمكن له أن ينعكس إيجابياً في القضاء على الجوانب الأخرى للفقر البشري (الأمية، معدل وفيات الأطفال، المياه المأمونة، الخدمات الصحية .. الخ)، وبالتالي لا يمكن إحراز أي تقدم في مجال تحقيق التنمية البشرية.أما رأي الاقتصاديين (المتشائمين ) فإنه يعتبر النمو الاقتصادي قادراً على إحداث تغيرات من شأنها أن تضر بالفقر، حيث أن هناك خاسرين من جراء تطبيق بعض أوجه التكييف التي يتطلبها النمو، إذ تحدث تخفيضات في العمالة الحكومية والخدمات الاجتماعية والنفقات العامة، وبما أن النمو الاقتصادي السوقي يعتمد على الكفاءة والتقدم التقني والتوسع التجاري الذي من شأنه أن يؤدي إلى تراجع في الطلب على العمالة غير الماهرة، فسيؤدي هذا إلى زيادة نسبة الفقراء، فالواقع يؤكد أن النمو الاقتصادي لا يساعد على الحد من الفقر إذا ما أنفقت الزيادة في الناتج خارج البلد، أي في اتجاهات لا تستهدف النهوض بالتنمية ولا تخدم الفقراء كقيام الدولة بسداد ديونها أو شراء الأسلحة، لذا من الأفضل أن يكون النمو مناصراً للفقراء حتى تأتي ثماره على الجميع، وهذا يعني أنه لابد من العمل على تحقيق العمالة الكاملة كأولوية عليا، أي ضمان الدخل للجميع وزيادة أجور الفقراء وتوجيه الموارد العامة لتعزيز التنمية البشرية، وذلك بإعادة هيكلة نفقات القطاع العام والضرائب لدعم الحد من الفقر وخلق بيئة للصناعات الصغيرة والقطاع غير النظامي، ذلك لأن القضاء على الفقر هو أكثر من حتمية أخلاقية، لأنه من حيث المبدأ ضرورة حياتية. وبما أن الفقر كما هو معروف يعيق عملية تحقيق التنمية البشرية من منطلق عدم وجود تنمية بشرية في ظل جهود الفقر، لذا فإن عملية القضاء عليه تشكل ضرورة عملية واقتصادية واجتماعية لتحقيق التقدم في المستقبل وينبغي أن يصبح الفقر من مخلفات الماضي لنعيش في عالم أكثر إنسانية.
الفقر والتنمية البشرية
أخبار متعلقة