رحلتي مع المسرح من أثينا الى عدن(205)
في الحلقة الماضية رقم (204 ) من هذه السلسلة المنشورة في عدد يوم السبت 18 مارس 2006م. توقفنا عند الجدال الذي أداره المؤلف بين ( الفتاة المخدوعة ) وطيف (الشاعر الخائن ) ، أو لنقل بين الضحية والذئب ، أو كما وصف كل صاحبه بما وضع المؤلف على لسان خصمه ،حيث جعل الفتاة تتنبه من تخيلاتها لابنها الموؤود حين رأت طيف الشاعر فتقول : أجل ! طيفه * أجل شبح الآدمي النّكِر * هنا شبح العار في خَطوِه * تضرّج بالإثم مما غبر فتىً طبع الفن في قلبه * فجورَ الخيال وكفر النظر * الجدال والإتهام بين العاشقين :فالذي كان حبيباً ، ودوداً ،حاني النظرة ، جميل الطلعة ، ناعم اللفظة ، قد صار أقبح مثال للعار المجسد ، ملطخاً بدم الإثم من فعلته ، ختم الفن على قلبه بالفجور ، وختم على نظره بالعمى ، وعلى ضميره بالجحود ..وما أن تنهي الفتاة تهجمها بوصف عشيقها بأقذع ما شاءت ، حتى تخاطب طيفه :أنتَ الذي خانني فاجترحت ؟ *وهنا ينبرى لها (الشاعر) يدفع عن نفسه ويلقي باللائمة عليها قائلاً : ألستِ التي خنته فانغمر ؟ * لقد كنتِ جسراً الى فنّه * فقال قصيدته اذ عبر* خطرتِ فأغريتِه بالجمال * وحدثتِه فمشى في الخطر * ترى من الغادر المغري ؟هنا نقف لحظة ونسأل : من الذي تعرض بإغرائه للآخر( الفتاة )؟ أم ( الشاعر ) ؟ والجواب على هذا السؤال يحضرني من قول أستاذنا الدكتور محمد عبده غانم يرحمه الله تعالى - في قصيدة من أول دواوينه: ( صدى صيرة ) : (أقبلت في مِشية الثّمل /بدلالٍ مضرب المثل/ لو مشت فوق الفؤاد لمَا/مسّه منها سوى الجدل). أما الشاعر المؤلف علي لقمان ، فقد جعل الفتى الشاعر في مسرحيته يدفع عن نفسه جريمة الإغواء ويقول أنه كان ضحية اغوائها :( ألستِ التي خنته فانغَمر ؟ ) ، ثم يضيف قائلاً : ( خطرتِ فأغريته بالجمال * وحدثتِه فمشى في الخطر *) ولأن الشاعر أناني من جملة شخصيات الرواية الذين وصفهم المؤلف بالأنانية نجده هنا ينفي عن نفسه اغواءها ، ويتهم الفتاة أنها هي التي تعرضت له بفتنة جمالها ، وسحرته بمعسول كلامها، فقذف بنفسه في خضم الأخطار ..قدرات ( أبولو ) وموقفه من القضية :أما (أبولو) اله الشعر عند الإغريق ، المتمتع بالقوى الخارقة التي يستطيع بواسطتها التأثير في البشر من المجرمين فيحسسهم بأخطائهم ، ويعذبهم بها ، ثم يطهرهم منها، فان له جانباً عاطفياً ، فقد عرفه الإعريقيون (إلهاً ) محباً للفنون ، موحياً بالشعر للشعراء ، وبأروع الألحان للموسيقيين والمنشدين ، وللراقصين أبدع الرقصات الجماعية .. وكذلك كان ( أبولو ) كما يعتقد الإغريق إله الخصب ، والزراعة ، والأنعام ، وكان اسمه الحقيقي ( فيوبس ) ومعنى هذا الإسم ( الصفاءوالنقاء والنور ) ..( أبولو ) هذا الذي اجتمعت في شخصيته الأضداد كان ( أنانياً ) بسبب ما توفر له من قوى وخوارق في نظر شاعرنا علي لقمان (كما كتب في مقدمة مسرحيته)، تغلب على( أبولو) روح الأنانية .. وبما أن (الشاعرالعاشق) من أتباعه والمنشدين بإيحاءاته ، نجد ( أبولو ) يدافع عن أخطاء الشاعر فنسمعهه يقول وهو( على عرش له جناحان .. حوله الشعراء والحوريات في مكان فسيح منور بأضواء لامعة ومن ورائه موسيقى تعزف والحوريات ينشدن ) :يا شعر يا لحن القلوب * يانغمة الحب الحبيب * يا ابن السماء ونورها * وتحية القلب الكئيب ( ترديد ) ياشعر! ( الخ)....(أبولو ) : هل سمعتنّ يابنات السماء * ما جرت من حوادث هوجاء * تعب الشاعر الذي ركب الإثم ولاقى متاعب البرحاء * حورية : أينه الآن ؟ (أبولو) ضاحكاً : يسكن الأرض في هم، وغم ولوعة وشقاء *حورية بإستغراب :كيف والأرض منزل اللذة الكبرى ووكر الخنا ودار النساء * وهو الآدمي! فنسمع اعتذار( أبولو مقاطعاً) : فيه شعور * مرهف من أشعة الأضواء * رزِق الحسّ والفصاحة لكـن قلوب الأنام من أهواء * انما الهَمّ عنده أنه * يسكن في عالم كثير الرياء * لم يعد بين بيئة من خيال * مستنارٍ وعِشرة من ضياء *هل تشفع هذه الخطبة الفصيحة الجلّى لما فعل ( الشاعر المغرم ؟ . هنا يقول (شاعر) من حاشية ( أبولو ) : سيدي ! .. ويجيبه (أبولو) : هات ! (الشاعر) : هل عسير على الشاعر سكنى منازل الغبراء؟ (أبولو) ضاحكاً يسأل أحد حاشيته : مايرى الشيخ ؟ (الشيخ ): آه من عمل الأرض ! والى اللقاء في الحلقة القادمة لنتابع الحوار في قاعة عـــــــــــرش ( أبولو )