الموسيقار الراحل أحمد بن أحمد قاسم غنى للوطن و (لحبه وطنه) وقدم للحب أعظم وأجمل الأغنيات ملامساً ومداعباً بها المشاعر.. مشاعر العشاق (في الليل أغني لك) و ( أصحاب القلوب الغليظة ) حتى تلين وحتى لا يختفي الحب كان ومازال صوتاً يمنياً فريداً وجد في زمن كان فيه عمالقة الفن والطرب الأصيل وصاحب مشوار غنائي طويل أرتبط به كارتباطه بالكثير من الشعراء والأدباء والفنانين.. حتى ساعة رحيله عنا وليظهر بعده جيل آخر وربما ( ظهر الأخير ) في زمن عشوائي فيه نكهة التعصب أو التحجر.. إذاً ما هو الدرس الذي استفدناه من رحيل هذا المبدع العبقري؟ سوى أنه لو سمع أو قرأ نصف ما قيل عنه.. بعد أن صار في ذمة الله، فكيف سيكون حاله وأنه لمن المؤسف والمؤلم أن نعرف الكثير عن حياة مبدعينا ولا نعدل في تصنيفهم.. إلا إذا كان حديثاً مؤلماً نسلي به أنفسنا لنكتشف فيما بعد أنه كان ناراً في قلوبهم ولا نعترف بذلك حتى يومنا هذا.. والراحل أحمد قاسم من المبدعين القلائل الذين أبدعوا في ربط الكلمة بالنغم لكي يكون لدى المستمع أكثر ( تقبلاً ) أو (قابليه) لها مما يجعله ( الأخير) في حالة انفعال طربي، وقد حظي باحترام وتقدير فنانين كبار في الوطن العربي أمثال الراحل / فريد الأطرش/ رياض السنباطي/ والسيدة فاطمة عثمان (كوكب الشرق أم كلثوم ) وغيرهم من أولئك الذين رحلوا قبل رحيله عنا، فتعالوا لنسمع شيئاً عن إحدى أغنياته العاطفية ( يا حمام الشوق ) فنجده يضع هذه العبارة ( أنته فينك ) في مقام موسيقي يطبق عليه ( راست على الفا ) أما العبارة الأخرى ( والحبايب فين ) وضعها في مقام آخر (بيات نوى) ويتلاعب بأنامله قليلاً إلى ( مقام الهزام ) ( اللي شفته في بعادك ) الخ.. وهنا تكمن عظمة الفكر الموسيقي الذي امتلكه أحمد قاسم إضافة إلى امتلاكه خفة الدم والروح التي سخرها لعالمه الموسيقي الجميل، كما كانت له القدرة على التمثيل وقد حقق نجاحاً في فيلمه الوحيد.. (حبي في القاهرة) وبرع فيه لما يتمتع به من أخيلة واسعة وحس فني مرهف..لكن هناك من اتخذ الشائعات وسيلة لإسقاط هذه الإبداعات وروج لها وكالذي يحكم على أشياء لا يعي تفاصيلها أو ربما لم يعيشها ولم يقرأ عنها، والذين يسخرون من فن هذا العبقري أنما يعزفون نغماً على وتر نشاز يتردد في أذهانهم ليس لهذا الوتر وجود في فكر وفن وخيال ( أحمد قاسم رحمه الله) وابنا فرقته الموسيقية التجديدية.. وها هو ( أبو أحمد ) أو ( أبو حمادة) يقدم للشاعر/ عبدالله عبد الكريم عام 1987م (بلدنا الغالية مبروك) ومن مقام موسيقي شرقي ( بيات دوكاه ) والأخيرة تعني بيات على الدرجة الثانية ( للسلم الموسيقي) ولكن هي في الأساس الدرجة الأولى (Toneka) ( التونكة) في مقام ( البيات الدوكاه ) وفي عرف الموسيقي المتلقف يطلق عليها ( بيات على الثرى )، كما أن إيقاع هذه الأنشودة كان اختياراً دقيقاً سماعي ثقيل ثم ينتقل إلى إيقاع ذلك الإيقاع الشرحي السريع ولكن من مقام حجاز على درجة ( الصول) (Sol) ونغمة ( صول ) هي الدرجة الرابعة في مقام (بيات على الدوكاه ) وقد استخدم أحمد قاسم في أغانيه العدنية الإيقاعات الخفيفة.. مثلاً.. أخذ إيقاع ( الدوك ) في أغنية ( الكوكب الساري ) ( مقام حجاز على الدوكاه ) وجعل إيقاعها بطيئاً ولم يسرع فيها ولو كان سريعاً خرجت عن مضمونها وأصبحت راقصة ( تمشياً مع الكلمة ) وهذا دليل على وصفه هذه الكلمات التأملية بإيقاع راقص روضه وجعله بطيئاً ( خلافاً ) لمحمد عبد الوهاب الذي استخدم هذا الإيقاع سريعاً راقصاً.. ( والمسألة إبداعية )..وهكذا أجد نفسي أمام بانوراما من حياة مبدع قدم الكثير لوطنه معبراً عن حياتهم وآلامهم، ولقد كانت العلاقات والتشكيلات الثنائية بين الشعراء والفنانين العامل الأساسي لإبراز الكثير من الروائع الأدبية والإنسانية.. فكان الشاعر/ لطفي جعفر أمان يتجلى في إحدى ملاحمه الشعرية الوطنية أوبريت ( في موكب الثورة ) الذي صار أحمد بن أحمد قاسم ( لحناً ) يغنى بصوته العذب الرقيق ( يا مزهري الحزين.. من يرعش الحنين.. إلى ملاعب.. الخ) أول تجربة فنية نادرة وملحمة وطنية رائعة فيها تتعانق القلوب بذبذبات موسيقية منسجمة ببعضها.. لتحثنا على فعل أمر ما ومن مقام موسيقى غربي.. ثم نراه ونسمعه يغني للطفل.. ويلحن له ويلعب معه ومع الراحل/ أحمد شريف الرفاعي رحمه الله في ( تفاحة) أجمل وأعظم الألحان التعبيرية النابعة من عطفه وحنانه.. ذلك هو الراحل أحمد قاسم ( رحمه الله) الذي لا يعرف السؤال ولكن تأتي الإجابة عفوية صادقة منه قبل أن نسأله.وأخيراً وليس بآخر.. إن الراحل/ أحمد قاسم.. كما أحب الناس وقدم لهم.. لا يريد اليوم يداً تصفق له ولكن يريد يداً تحنوا عليه.. وعلى أسرته التي تركها في لحظات مؤسفة..أحمد درعان
|
ثقافة
(الموسيقار) أحمد بن أحمد قاسم/ الفكر الموسيقي والأخيلة الواسعة
أخبار متعلقة