لا يمكننا أن نمارس فعل الحياة على أكمل وجه في غياب فضيلة التسامح، الذي يستحيل أن تظهر معالمه لدى أي أمة إلا أذا ما ارتقى أبناؤها أخلاقياً وعلمياً والحقيقة أن هناك فئة قليلة من البشر تستخدم فضيلة التسامح وبخاصة ممن أفاض الله عليهم من رحمته طاقات من الصبر على المكاره واحتمال الأذى والقدرة على مواجهة السيئة بالحسنة . وعلى كثرة ما قرأت من كتابات بهذا الخصوص لم أجد كالقرآن الكريم دليلاً ومرشداً على التسامح ولذلك يمكن اعتباره في هذا الجانب صوت التسامح والدليل الروحي والعملي المفضي والى أرقى مستويات التعامل بين البشر وهل هناك أبدع وأروع من هذا التعبير العظيم : ( ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ،أدفع بالتي هي أحسن ، فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم ، وما يلقاها ألا الذين صبروا ومايلقاها إلا ذو حظ عظيم).إذ لا يكفي أن نمتدح التسامح أو نكبر من شأنه وفي أعماقنا يرقد التعصب وفي سلوكنا تتجسد الضغائن والأحقاد ويلاحظ أن القران الكريم زاخر بالتعابير التي تدعو إلى الرفق والتسامح والى تليين الخطاب حتى مع الطغاة كما هي الحال مع النصيحة الإلهية الموجهة إلى موسى وهارون عليهما السلام (فقولا له قولا ليناً لعله يتذكر أو يخشى ) ونجد في الحقيقة الكثير من الآداب والأخلاق التي تحول بين الأمة الواحدة وبين الانجرار إلى الاحتراب والاقتتال الداخلي ،وذلك بسبب ما تشيعه من خلق التحمل والتنازل وتقدير مشاعر الآخرين وظروفهم وطريقة فهمهم للأشياء، ومن تلك الآداب والأخلاق : تحريم الغيبة والنميمة وشهادة الزور، وإشاعة التحابب والتوادد بين الناس، والنهي عن الحسد والتجسس، والأمر بإصلاح ذات البين عند وقوع خلاف، وإشاعة الخير ومحاصرة الشر بالحكمة والموعظة الحسنة، والتماس العذر للمخطئ، وحمل الكلام الذي لا يعجبنا على أحسن الوجوه، والأمر بالعدل عند الحكم.إن التخلي بنصف هذه الآداب والامتثال الجوهري من هذه التوجيهات كافٍ لبناء أجواء التسامح والتعاطف والتآزر في المجتمع، وتأسيس تقاليد ثقافية تجعل من التسامح أسلوب حياة، وخير مثال على ذلك، على المستوى السياسي، قرار العفو العام الذي اتخذه رئيس الجمهورية الأخ/ علي عبدالله صالح، بعد انتهاء الحرب الأهلية المشؤومة في صيف العام 1994م، فكان قراراً شجاعاً وسابقة غير مألوفة في حياتنا السياسية.إن أهم وسيلة لإشاعة استخدام التسامح بين الناس هو إقناعهم بأن التسامح قوة، وليس ضعفاً. ويتجلى لنا ذلك، عندما ندرك أن التسامح أشد إيلاماً وأثقل على النفس والعقل من الانتقام، عندها سنعرف ويعرف الآخرون - ومنهم الخصوم والأعداء - أننا في دخولنا معركة التسامح أقوى وأشد وأشجع من دخولنا معركة الانتقام.وقد كان رسولنا الكريم قدوة الأمة يفعل مع أصحابه،بل رحمة وتسامح حتى مع أعدائه فهل هناك تسامح أعلى من السؤال عن الجار المؤذي حين غاب أذاه. ثم على المستوى السياسي العفو العام يوم الفتح ،لاثأر ولا تنكيل بل رأس مطأطأة شكراً لله ، ونفس سمحة تقبل الرجوع والتوبة وتربية على العفو قبل أو بعد العقوبة ، والرحمة قبل وبعد تسوية الخلافات ، والترفع عن الحقد والحسد وكان من نصحه للمسلم وتنبيه) شركم من لا يقبل عثرة ولايقبل معذرة ).فمتى نتجسد فضيلة التسامح ، ونتمثلها سلوكاً في حياتناً العامة؟
|
اتجاهات
التسامح ... قوة أم ضعف؟
أخبار متعلقة