أضواء
فاطمة شعبان :مع ثورة الاتصالات وانتشار الفضائيات زاد تأثير وسائل الإعلام المرئية بزيادة الاهتمام بها لسهولة التقاطها ولتنوع خياراتها، ولقد ذهبت إلى غير رجعة تلك الأوقات التي كان فيها المواطن العربي مجبراً على رؤية محطات البث الوطني حصراً. فقد أصبح المواطن العربي قادراً عبر الصحن اللاقط والذي أصبحت تكلفته زهيدة، أن يشاهد كل القنوات العربية وغير العربية، وأن يختار ما يناسب اهتماماته من هذا الطيف الواسع من القنوات المعروضة أمامه.هذه الإمكانيات المتاحة أمام المواطن جعلته يصرف وقتاً أطول أمام الشاشة الصغيرة، مما زاد التأثيرات الثقافية لوسائل الإعلام المرئية، وأصبحت في الكثير من الحالات مرجعاً ثقافياً بكل التسطيح الذي تحتويه المحطات الفضائية العربية.على الرغم من التحسن الطفيف جداً الذي جرى على تغطية قضايا المرأة في الفضائيات العربية، إلا أن الصورة النمطية للمرأة في الثقافة العربية فرضت نموذجها على التغطيات الفضائية وعلى البرامج التي تقدم، فباستثناء عدد محدود جداً من البرامج التي تتعرض للمرأة من مواقع مناقشة قضاياها السياسية والاجتماعية والثقافية، وهي ما يناقش ضمن مفهوم برامج الأسرة، وليس ضمن مفهوم برامج المجتمع، ما يعني أن هذه المشكلات تكاد تكون خاصة، وليست لها تأثير على المجتمع، بالمعنى الشامل للمجتمع. فإن صورة المرأة لم يجر عليها تغيير يذكر في وسائل الإعلام العربية، صورة تحاكي الثقافة الشعبية عن المرأة كما يريد الرجل أن تكون، كائناً خارج الفعل والتأثير في القضايا الحاسمة لا في الأسرة ولا في المجتمع.لذلك ليس من الغريب أن تعكس وسائل الإعلام العربية الصورة التقليدية للمرأة، على اعتبار أنها سيدة المطبخ والمهتمة ببطون العائلة من جانب، والمهتمة بعروض الأزياء وأدوات التجميل ودعاياتها وصاحبة الوظيفة الوحيدة في الحياة بأن تنجب الأطفال للأسرة من جانب آخر. أي إنها ذلك الشخص المتعلق بالشكليات، لا يهمه أي شيء في هذه الدنيا غير هذه الشكليات. وحتى تنسجم هذه الصورة مع الصورة التقليدية للمرأة، يتم تصوير المرأة على أنها تجرها العاطفة ولا تستطيع مقاومتها، وبالتالي غير قادرة على التفكير السليم، لأن العواطف الجياشة التي تجتاح المرأة تجعلها أسيرة هذه العواطف وغير قادرة على المحاكمة العقلية. ومن هنا فإن المرأة تقدم دائماً على أنها الناطق بلسان العاطفة، ومن الممكن أن تتحدث عن الأطفال والأزواج والتربية الرقيقة، ولكننا نادراً ما نشاهد المرأة التي تدافع عن القضايا السياسية والاجتماعية والثقافية، وتخوض المعارك من أجل قضايا تتجاوز إطار أسرتها إلى الإطار العام الذي يخدم المجتمع. وهذا ما يعتبر في الكثير من الحالات أنه يقدم صورة إيجابية للمرأة. ولكن ينقلب العاطفي إلى عيب، وهذه وظيفته الأساسية، عندما يترافق مع التأكيد على أن هذه العاطفة تحتاج إلى ضابط، وهذا الضابط لا يمكن أن يكون غير الرجل، وبالتالي على المرأة أن تستسلم للعقل الراجح للرجل، الذي يملك من العقل الكثير ولا تسيطر عليه العواطف التي تعوق تفكير النساء، وبالتالي عليها الاستسلام لأفضلية الرجل، والرضا في البقاء في موقع دوني أقل من الرجل.إن معظم الصور التي تقدمها الفضائيات العربية للمرأة تفتقر إلى معالجة الواقع الحقيقي للمرأة في المجتمع، الواقع الحي الذي تواجهه يومياً، فمعظم هذه الصور تقدم المرأة بلا طموحات ولا وجهة نظر في القضايا العامة، ولا حتى مشاكل طبيعية مع محيطها الطبيعي، وأكثر من ذلك تقدمها بلا طموحات شخصية تتجاوز جدران المنزل، والمفارقة التي نجدها في هذا الإطار، هي حتى النساء العاملات يحلمن فقط في المنزل، ولا نجد لهن طموحاً خارج المنازل أو في إطار العمل، وتصور المرأة العاملة التي تملك طموحات مشروعة خارج المنزل بأنها مجردة من مشاعر الأمومة، ومعتدية على العادات والتقاليد، وهي تخوض الصراع مع المجتمع الذي لا بد من أن ينتهي بإقرارها بالخطأ الذي ارتكبته، وبالتالي عودتها إلى المنزل من جديد. وهي صورة لا تعكس الصورة الحقيقية والواقعية لمشاكل المرأة وطموحاتها الحقيقية، ولا تضعها في الصورة المتطرفة للمرأة الغارقة في عواطفها التي تفسد عقلها، أو التي تقتل عواطفها من أجل طموحات غير مشروعة من وجهة النظر الاجتماعية، لذلك لا نجد في الإعلام العربي صورة للمرأة المتوازنة القادرة على أن تكون أماً حقيقية وصاحبة طموح وموقع لا يتناقض مع دورها كأم، فدور المرأة كفاعل اجتماعي لا يقل أهمية عن دورها كأم، ولا يمكن وضعهما في مواجهة بعضهما. وبذلك لم يستطع الإعلام التعاطي مع الصورة الحقيقية للمرأة وتصوير مشاكلها الحقيقية في العالم المتوحش اليوم، والذي يزداد توحشاً مع التقنيات الحديثة.إن الإعلام العربي ما يزال على الرغم من التطور الذي أصاب عالم الاتصال مصرّاً على تقديم المرأة بالصورة التقليدية، أو بالصورة المعلبة للنموذج الغربي لمفهوم الموديل، وهو ما يجعلها وسيلة للجذب الجنسي ولتشجيع وزيادة الاستهلاك، على اعتبار أن نموذج المرأة الحديثة هو نموذج المرأة المستهلكة، ولأن هذه الصورة التي تبثها بشكل مكثف وسائل الإعلام العربية، وبحكم وقع الصورة المؤثر في زمن الصورة، تدفع المرأة ذاتها إلى تبني الصورة السلبية عن نفسها والتماهي مع هذه الصورة للظهور بمظهر المرأة الحديثة من الزاوية الشكلية.إن الانتشار الواسع للفضائيات العربية، يفترض أن يجعلها عاملاً مساعداً في تحسس القضايا الملحة والمباشرة للمجتمعات العربية، وليس وسيلة للتسلية فقط. وقد نجحت الفضائيات في رسم صورة واضحة للعديد من المشكلات التي تعاني منها المجتمعات العربية، وبحكم ضعف إمكانية الرقابة عليها، استطاعت أن تتعامل مع قضايا حساسة بالكثير من المسؤولية، وأن تعطي صورة واضحة عن الواقع العربي البائس كتصوير الوضع المأساوي في أكثر من مكان من العالم العربي، أو الدفع باتجاه التضامن مع نضالات الشعب الفلسطيني كما جرى في انتفاضة الأقصى التي شهدتها الأراضي الفلسطينية، ولكنها في موضوع المرأة بقيت محافظة على بث صورة تقليدية عنها. والاستمرار في تعزيز هذه الصورة على هذه الشاكلة، يبقي أوضاع المرأة العربية في حالة يرثى لها تحت ضغط الواقع من جهة، وتدمير وسائل إمكانية الخروج من دائرة القهر التي تقع المرأة تحت وطأتها. [c1]*عن/ صحيفة “الوطن” السعودية[/c]