[c1]كيف بدأ التفكير بفتح جبهة عدن :[/c]كان الاستعمار البريطاني مطمئناً إلى أنّ أيّ عمل نضالي مسلَّح في مدينة عدن المحاطة بطوق عسكري ليس سهلاً إن لم يكن مستحيلاً بحكم الاهتمام الفائق الذي أولاه ساسة بريطانيا العظمى وعسكريوها لهذه المسألة. غير أنّ اندلاع الثورة المسلحة في منطقة ردفان بع أشهر من ثورة 26 سبتمبر 1962م واستمرارها وتصاعد عملياتها العسكرية الناجحة قد أزاحتا هذا الاطمئنان ليحل محله الخوف والقلق والفزع، لأنّ مدينة عدن المتميزة عن بقية أراضي الجنوب اليمني من حيث وجود الإدارة المركزية للمعسكرات البريطانية الضاربة والشركات الاحتكارية والوكالات التجارية والصحف.. الخ بدأت تصحو وتقض مضاجع إدارة المستعمرات، ونبهت هذه الإدارة من ظهور أية بادرة نضالية مسلحة وإن كانت بسيطة.ومن جانب آخر كان شعور قيادة الجبهة القومية : أنّ العمل البطولي المسلح في الجبال والأرياف، لابد أن يرافقه عمل فدائي في مدينة عدن مهما كانت التضحيات والصعاب والمخاطر المترتبة عن ذلك، خصوصاً في ظل التشويه الذي تعرضت له الثورة المسلحة من قبل البريطانيين والأحزاب الانتهازية والأوصاف التي وصفت بها. لذا فإنّ العمل الفدائي كان يفرض نفسه، وتفرضه الضرورة الملحة لأسباب عديدة نذكر منها :أ ـ خلق وزن وثقل جديد للجبهة القومية بين صفوف الشعب اليمني وعلى الصعيد العربي والدولي.ب ـ إنّ بدء العمل الفدائي المسلح سوف يظهر إفلاس الأحزاب الانتهازية الانهزامية ويظهرها على حقيقتها وما تروجه من أباطيل، ويسقط حسابات المستعمر وعملائه.وهناك حقائق ينبغي إثارة الانتباه إليها وهي :. . . إنّ المتطلبات الضرورية للعمل الفدائي في عدن بصورةٍ عامة لم تكن متوافرة وما كان متوافراً هو أجهزة تنظيمية مكوّنة من طلائع واعية من المناضلين المتحمسين والمندفعين للعمل الفدائي في مدينة عدن، وكانت الأجهزة التنظيمية السرية وحالة الحماس والاندفاع الذي يغلي وسطها قد أشارت ـ بما لا يدع مجالاً للتردد ـ إلى أنّ الضرورة تقتضي البدء في العمل الفدائي ليترافق مع نضال جيش التحرير في الأرياف، ومع نضال العمال والطلاب في المدينة عدن، وأنّ هذه البداية ستكون حسنة على الرغم أنّ كثيراً من المتطلبات الأساسية ظلت ناقصة. وهذا ما يمكن ملاحظته عند مراجعة الإمكانيات المادية والعسكرية، التي كانت تعتمد عليها الجبهة القومية، ونوعية وفعالية وحجم تلك الإمكانات عند بداية العمل الفدائي في أغسطس 1964م.هكذا بدأ العمل المسلح في مدينة عدن يعتمد في الأساس على سلاح الوعي والتنظيم وعلى العنصر البشري المستعد للتضحية دوماً، وعلى دقة التخطيط والتنظيم، وعنصر المفاجأة والمباغتة ضد المحتل وعملائه المحليين.وقد تميزت بداية العمل الفدائي في مدينة عدن عن المناطق الأخرى بـ :1 ـ خلق حالة من الذعر والخوف والقلق داخل صفوف الإدارة الاستعمارية وعملائها، جعلتها تتصرف بهستيريا، فالتعذيب الوحشي الذي مارسته في المعتقلات، والتفتيش الكيفي في الطرق والأزقة ونصب الحواجز في الممرات والاعتقالات الجامعية وإطلاق النار بصورةٍ عشوائية.. أثبت فقدان المستعمر السيطرة على الأمور، وتحولت عدن إلى ثـُكنة عسكرية من خلال الحواجز التي نصبها، وكذا الدوريات الراجلة والآلية في الأحياء العامة والشعبية.2 ـ تكبَّد الجيش البريطاني خسائر مباشرة كبيرة ومؤثرة أحدثت صدىً واسعاً محلياً ودولياً وداخل المجتمع البريطاني نفسه، وخلقت جواً من المعارضة داخل مجلس العموم البريطاني.3 ـ إنّ العمليات الفدائية، مثل إحراق المطابع، ضرب المجلس التشريعي، والهجوم الضخم على الإذاعة المركزية ونسفها (2)، ونسف طائرة المندوب السامي البريطاني، ومهاجمة الضباط الإنجليز في ثـُكناتهم وقتل ((آرثر تشارلس)) رئيس المجلس التشريعي، و((هاري بيري)) نائب رئيس جهاز المخابرات في عدن، وتنفيذ حكم الإعدام على الجواسيس في الشوارع، الهجوم على منازل كبار الضباط البريطانيين في خور مكسر والمعلا وضرب المطار العسكري أكثر من مرة والصدام مع الدوريات البريطانية عند مجيء بعثة الأمم المتحدة طيلة فترة تواجدها في عدن من 2 ـ 7 أبريل 1967م (3) وضرب سجن المنصورة بالبازوكا (4)، وضرب نقاط ومواقع البريطانيين في كريتر والتواهي والمعلا وغيرها من الأحياء... تلك العمليات التي زرعت الخوف في نفوس قوات الاحتلال البريطاني وعملائه وعمّقت من ارتباط الشعب بالثورة ودعمه للجبهة القومية ونقلت قضية شعبنا إلى المحافل والمنظمات العربية والدولية وجعلت العالم يتعاطف ويساند قضية شعبنا وثورته من خلال القرارات التي خرجت بها لجنة تصفية الاستعمار والجمعية العامة للأمم المتحدة وغيرها من المنظمات العربية والدولية (5).لقد شكلت عدن مصدر تمويل وتموين لجبهات القتال بعد 13 يناير 1966م، عندما أوقفت الأجهزة المصرية الدعم المادي والعسكري عن الجبهة القومية، فحوصرت إعلامياً من قبل أجهزة المخابرات في مصرَ، وتمّ مطاردة بعض القياديين واعتقالهم في كل من مصرَ وشمال الوطن.وهناك ميزة مهمة امتازت بها جبهة عدن، فقد كانت الإضرابات والمظاهرات والتمردات والعمل البطيء وغيره من أشكال العمل السياسي والنقابي الذي تقوده الجبهة القومية عاملاً حيوياً في إشعال لهيب الثورة وجعل بريطانيا تفكِّر بالإسراع في الخروج من عدن.لقد ضمَّت الجبهة من خلال نشاطها السياسي والعسكري المتناسق فئات واسعة من عمال وفلاحين وجنود وضباط ومثقفين ونساء وطلاب، وكانت حريصة على توسيع القاعدة الشعبية وضبطها وتنظيمها حتى تسير مختلف الأشكال النضالية جنباً إلى جنب مع ضربات المدافع وطلقات الرصاص وانفجار القنابل وهذا ما أبرزه التكامل بين العمل السياسي (نقابياً وطلابياً ومظاهرات ومنشورات) والعمل الفدائي.لذلك فإنّ جبهة عدن والعمل الفدائي فيها إلى جانب نضال جيش التحرير كانت من العوامل الأساسية الرئيسة للانتصار الذي حققه شعبنا في 30 نوفمبر 1967م، بقيادة الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل.[c1]أهمية جبهة عدن سياسياً وعسكرياً:[/c]في سياق تحليلنا للعمل السياسي والعسكري في الجنوب اليمني المحتل وبشكل خاص ينبغي لنا الإشارة إلى الأمور التالية:1 ـ إنّ العمل الفدائي في عدن كان يعني إعادة الثقة في شعبنا بعد أن قام بعددٍ من الانتفاضات والتمردات في الأرياف. وفشلت تلك الانتفاضات والتمردات بسبب انحصارها في مناطق معينة وبسبب عفويتها إضافة إلى أنّ عدن ظلت محاطة بسياج، ولم تحدث فيها مثل تلك الانتفاضات والتمردات المسلحة.2 ـ استطاعت الثورة بعد نقل العمل الفدائي إلى عدن أن تنتزع الجماهير من الجو النفسي الذي كانت تعيشه ردحاً من الزمن.3 ـ أعطى العمل السياسي والفدائي في مدينة عدن شكلاً راقياً من أشكال الصراع السياسي الوطني، ضد الاستعمار وعملائه من سلاطين ومستوزرين وجواسيس.4 ـ استطاع العمل الفدائي، أن يعزل ويُضعف عمل الأحزاب السياسية الانتهازية ويكشفها على حقيقتها وفي مقدمتها ((الرابطة))، و((حزب الشعب))، اللذين حاولا الالتفاف في 13 يناير 1966م، على الثورة من جديد، بغرض القضاء عليها في مهدها، بعد أن شعرا بالانتصارات المتلاحقة في الريف والمدينة.5 ـ كان الاستعمار البريطاني، يعتقد أنّ النضال المسلح في مدينة عدن يستحيل قيامه لعدم وجود الأرض الصالحة له!6 ـ بدخول العمل الفدائي إلى عدن ـ ولأول مرة منذ الاحتلال ـ استطاع شعبنا أن يعجل بانتزاع الاستقلال الوطني، برحيل الاستعمار البريطاني في 30 نوفمبر 1967م.7 ـ لقد كان لدخول العمل الفدائي إلى عدن دوراً في نقل قضية شعبنا إلى المحافل العربية والدولية، بعد أن فرض الاستعمار طوقاً من العزلة على الانتفاضات والتمردات في الريف ضد تواجده، منذ أن وطأت أقدامه أرض الجنوب اليمني، في 19 يناير 1839م، بقيادة الكابتن هينس.8 ـ شكل العمل الفدائي في عدن وزناً كبيراً في معركة التحرير، ويعتبر تجرِبة متميزة من بين تجارب الثورات الأخرى في المدن وشكل ظاهرة جديدة في المجال النضالي.9 ـ كان العمل الفدائي في عدن يهدف إلى ضرب المصالح السياسية والعسكرية والاجتماعية ذات الأهمية الكبيرة للاستعمار وحلفائه المحليين، بحكم أنّ المستعمر كان مركزاً كل قواه في عدن فارضاً سيطرة كاملة عليها من النواحي الاقتصادية والسياسية والعسكرية والاجتماعية كافة.إنّ العمل الفدائي الشجاع الذي خاضته الجبهة القومية رغم الصعوبات الكبيرة والإمكانات المحدودة ورغم محاولات التآمر والتشويه، من قبل الأحزاب السياسية التقليدية المفلسة، كان من الأسباب الرئيسة لانتصار شعبنا وذلك لما تحتله مدينة عدن من أهمية من حيث الموقع والمكانة بالنسبة للاستعمار البريطاني آنذاك ولمصالحه وحلفائه.إنّ الأعمال التي كانت تقوم بها العناصر الفدائية والإعجاب الأسطوري الكبير الذي أخذ يتسع بين صفوف الشعب، كان من العوامل المهمة في نجاح العمل الفدائي في مدينة عدن الصغيرة المحاطة بقوات ضخمة، مكّنت الجبهة القومية، من أن تحظى بدعم شعبي واسع مادياً ومعنوياً، وسّع من دورها ومكانتها وتأثيرها السياسي والعسكري.فمن الناحية الفنية والعسكرية لحرب العصابات يمكن للمرء أن يدرك بعمق وبسهولة صعوبة العمل الفدائي والأخطار التي تحدق به، وتكمن أسباب ذلك إلى العوامل التالية :أ ـ إنّ مدينة عدن صغيرة لا توجد فيها الأراضي المناسبة لحرب العصابات.ب ـ ضخامة وإمكانيات العدو المادية والعسكرية، ففي هذه المدينة الصغيرة كان يوجد حوالي ((45.000 جندي بريطاني)) قادر من خلالها على محاصرة الأحياء والطرق والشوارع والأزقة كافة.ج ـ وجود جهاز مخابرات ضخم يتحرك ليل نهار لمتابعة الوطنيين، ومنتشراً في المقاهي والأزقة والشوارع والمرافق والمؤسسات المختلفة كافة.د ـ قلة الكثافة السكانية من المواطنين اليمنيين وتميزهم عن الجاليات الأجنبية التي وطّنها الإنكليز وتميز أماكن سكنهم في المناطق المختلفة، إضافة إلى التشريعات الاستعمارية المكبلة لحرياتهم.هـ ـ وجود أحزاب سياسية عميلة وانتهازية تخدم السلطات الاستعمارية.و ـ وجود إعلام تحت سيطرة ونفوذ الاستعمار البريطاني وعملائه من إذاعة، صحافة وتلفزيون ... الخ.ولهذا فإنّ العمل السياسي والعسكري في عدن شكل ظاهرة مهمة وانعطافاً تاريخياً كبيراً في حياة الجماهير اليمنية وأحدث حقاً نقلة نوعية في نضال شعبنا من خلال الانتصارات التي حققها ضد القوات البريطانية. حيث أخذت الجماهير تلتف حول الجبهة القومية وتمنحها الثقة وتدعمها وتقدم لها العون والتأييد، المادي والمعنوي واستطاعت الجبهة القومية أن تتفاعل مع حركة التأييد الجماهيري وتعبئته وتنظيمه ضد المستعمر البريطاني، والحكم السلاطيني العميل.ومن خلال هذا النشاط استطاعت الثورة في الجنوب أن تخفف من الهجوم المتواصل على ثورة 26 سبتمبر 1962م، الذي كان يصدر من قبل الاستعمار البريطاني وعملائه في الجنوب ((شريف بيحان، جعبل بن حسين، (1) الأمير شعفل(2) ))، ووجهت ضربات قوية ومباشرة للعناصر الملكية التي هربت من الشمال والتي كانت أحد مصادر التخريب العسكري والسياسي ضد الثورة أمثال ((فدامة ... وغيره)).إنّ أهمية جبهة عدن بالنظر إلى هذه الأسباب التي دفعت قيادة الجبهة القومية للإسراع في فتحها، رغم أنّ الشروط المطلوبة لم تكن متوافرة كام ينبغي من حيث الإمكانات العسكرية والإعلامية المطلوبة والتدريب للكادر القيادي المتمكن.ويشير التقرير السياسي الذي قُـدِّم إلى المؤتمر الأول للجبهة القومية 22 ـ 25 يونيو 1965م، إلى ما يلي :((إننا ونحن نسجل كل هذه النواحي الإيجابية لجبهة عدن من الضروري أن نشير إلى النواقص التي تتعرض لها جبهة عدن، ذلك أنّها تحتاج إلى عناية خاصة ودقيقة من الجبهة، وبالذات توفير كل المتطلبات فالأسلحة الخفيفة التي تحتاجها عدن غير متوافرة، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإنّ العمل الفدائي دون تموين مالي ثابت، حتى قبل أشهر قليلة ظل خارج الاعتماد الرئيسي الذي تقدمه الجمهورية العربية المتحدة لجبهات القتال وظل العمل الفدائي يعتمد على ما تحصله الجبهة من مساعدات بسيطة من مصادر خارجية أخرى)).[c1]النشاط الفدائي في عدنأولاً : الإعداد :[/c]بسبب العوامل والظروف التي سبق استعراضها، وطنياً وعربياً ودولياً، فقد اختط التنظيم السياسي للجبهة القومية، أسلوباً خاصاً في العمليات العسكرية الفدائية في عدن معتمداً على الواقع الاجتماعي الخاص والعامل الجغرافي وأخذاً بعين الاعتبار العادات والطبائع والتقاليد المتميزة لشعبنا واستعداد شعبنا لتحمل قسوة الحياة التي ستنجم عن تصاعد العمليات العسكرية في هذه المدينة الصغيرة.وقد اتضح أنّ شعبنا كان على استعداد تام للتضحية من أجل الحرية والسيادة على أرضه، بل كان السند والحامي الأساسي لكل عملية نضالية يقوم بها المناضلون ضد الأهداف الاستعمارية وضد العملاء، ورفع هذا التلاحم بين الشعب ومناضلي الجبهة القومية الروح الكفاحية والمعنوية بينهم ولعب التجاوب المنقطع النظير دوراً في زيادة فعالية العمليات العسكرية داخل المدينة.وقد كانت عيون المواطنين رقابة تلقائية لحماية المناضلين من الجواسيس والقوات البريطانية التي كانت تبتكر أساليب شتى للنيل من المناضلين في القطاع الفدائي والقطاعات الأخرى... وكانت منازل المواطنين تـُفتح تلقائياً عندما يشعرون بأنّ الفدائيين معرضون للملاحقة أو وقع أحدهم في مأزق، ويجدون كل رعاية وعناية مختلفة، وتقدم لهم المساعدات الممكنة، في الاستطلاع والإخفاء دون أية معرفة مسبقة ويقدم كل ما يمكن تقديمه من الأغذية والحماية الخاصة.وإذا كان التنظيم السياسي للجبهة القومية قد حقق هذا النصر، وبفترة قصيرة، فإنّ ذلك كله وبدرجة أساسية يعود إلى الفضل والدور العظيم الذي لعبه شعبنا وحركته الوطنية اليمنية، الذي لولاه لما تمكنت الثورة من نيل الاستقلال وتحقيق المنجزات العظيمة في هذا الشطر من الوطن اليمني وفي عموم اليمن.لقد كان لوجود التنظيم السري داخل مدينة عدن وفي مختلف المواقع الأساسية والرئيسة أثره الفعّال في بناء التشكيلات الفدائية، وقيام العمل الفدائي، كما لعب الإعداد والتحضير المسبق لقيام العمل الفدائي، كجزءٍ مكمل ومهم للعمل السياسي المسلح في الأرياف ـ دوراً كبيراً قبل وبعد تشكيل الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل من حيث :أ ـ اختيار العنصر البشري من بين القطاع التنظيمي المدني.ب ـ تدريب الفدائيين في شمال الوطن وفي عدن نفسها على الأسلحة المتوافرة، لاستخدامها في تنفيذ العمليات الفدائية.ج ـ إدخال الأسلحة وتخزينها وتدريب عناصر في الداخل عليها وبالذات من أولئك الذين لم يتمكنوا لأسباب أمنية من السفر إلى الشمال أو لأسبابٍ أخرى تتعلق بأعمالهم ومشاكلهم الداخلية.د ـ توفير الوسائل الإعلامية الضرورية للعمل الإعلامي والشعبي في الداخل من أجل تغطية النشاطات السياسية والنضالية للثورة.هـ ـ توفير المنازل والأماكن السرية للعناصر القيادية وللأسلحة وللعناصر الفدائية المتفرغة وللاجتماعات، إلى جانب استخدام منازل بعض الأعضاء والأنصار.و ـ شراء السيارات والدراجات النارية لأغراض العمل العسكري والشعبي من قبل عناصر غير مشكوك فيها، وغير مكشوفة، إضافة إلى استخدام أسماء وهمية للذين يقومون بشراء السيارات أو المنازل وغيرها من الوسائل الخاصة بالعمل التنظيمي.ز ـ وجود جهاز أمني خاص وسري للغاية تابع للجبهة القومية مسؤول عن متابعة كافة النشاطات داخل المواقع المهمة للجيش البريطاني وعملائه، إضافة إلى تكليف العناصر التنظيمية كل في مجاله برفع المعلومات وإعطاء كافة التفاصيل عن العناصر العميلة والمخابرات البريطانية ونشاطاتها ضد الثورة وأنصارها ونواياهم وتحركاتهم من أجل تزويد القيادة أولاً فأول، بمعلومات وافية عن نشاط القوات البريطانية في مناطق الجنوب، حتى تستطيع اتخاذ الإجراءات والحماية اللازمة لتحركات الفدائيين.وقد تمكّنت الثورة من خلال هذا الجهاز توجيه ضربات قوية للرؤوس العميلة من المخابرات البريطانية وعملائها، وكذا في عمليات الحماية الأخرى مما ساعد على عملية التحرك والنشاط ذي الاتجاهات المختلفة.ح ـ وجود القيادات السياسية والتنظيمية والعسكرية الصارمة التي اعتمدت في عملها على مبدأ المركزية ((نفذ ثمّ ناقش)) وبشكل أساسي على مبدأ السرية الكاملة، إضافة إلى اللوائح الانضباطية الصارمة المطبقة على الأعضاء التي شكلت عاملاً مساعداً إلى حدٍ كبير في عدم التردد وعدم تمكين الأعضاء من الوقوع في مطب الثرثرات التي تشكل خطراً جسيماً على النشاط العسكري السري في ظروف الاستعمار.. بالإضافة إلى ذلك، فقد كان محرّماً على أي عنصر تناول أو تعاطي المشروبات الكحولية.. وكانت تـنزل العقوبات الشديدة، بمن يكشف أنّه يتعاطى ذلك.وعلى الرغم من المساوئ والمآسي التي سببتها هذه المركزية ونظام الطاعة المركزي وتلك اللوائح الانضباطية الحديدية، ومادة التثقيف السياسي ((ساطع الحصري)) و((الحكم دروزه))، وغيرهم من روافد الفكر القومي وعلى الرغم من التربية السياسية ذات الاتجاهات الضيقة، والتي ينبغي لنا أن نحاكمها بمنظار ذاك التاريخ وتلك المرحلة وليس بمنظار وتاريخ اليوم، فقد لعبت تلك المسائل دوراً انضباطياً فعالاً اقتضته المرحلة التاريخية المعينة، وساعد إلى حدٍ كبيرٍ على تحقيق الاستقلال الوطني لشعبنا وما رافقه من تحولات وطنية ديمقراطية بعد الاستقلال.وقد تركت في ذات الوقت آثاراً سياسية وأيديولوجية وتنظيمية سلبية لمرحلة ما بعد الاستقلال، خصوصاً عندما وجد التنظيم السياسي للجبهة القومية نفسه على رأس السلطة السياسية في عملية تحول من تنظيم يناضل لطرد محتل تحت ظروف وأساليب عمل سرية، إلى تنظيم في السلطة أمامه مهمات جديدة ومعقدة وفي غاية الصعوبة والتداخل.. لقد برزت العديد من الثغرات كنتاجٍ طبيعي للتركيب الاجتماعي وللتربية السياسية والأيديولوجية لمرحلة ما قبل الاستقلال.. وظهرت تناقضات اجتماعية وأيديولوجية وتنظيمية وتباين في الفهم المشترك لمرحلة استكمال التحرر الوطني، وأدت تلك التناقضات إلى تصدع التنظيم السياسي الجبهة القومية، وهي امتداد للصراع الداخلي الذي بدأ مبكراً في أول مؤتمر للجبهة القومية حول الاختيارات السياسية والأيديولوجية، التي حسمت في ما تناوله الميثاق الوطني من اتجاهات سياسية وأهداف اقتصادية واجتماعية مختلفة تشكل خطوة إيجابية متقدمة جداً.ط ـ التهيئة السياسية، لكافة قطاعات الشعب من خلال المظاهرات والمسيرات والمنشورات والندوات وتوجيه الإنذارات للعملاء والإضرابات والعمل البطيء وحركة التمردات والوقوف ضد مختلف الأشكال القانونية والتشريعية للاستعمار البريطاني وعملائه كقيام المجلس التشريعي والمجلس الاتحادي وقوانين العمل والجنسية.. الخ.لقد كانت هذه النضالات اليومية من المسائل التي جعلت حركة الجماهير اليمنية تعيش في مرحلة الإعداد والتهيئة للدخول في شكل جديد راقٍ هو العمل الفدائي الذي يعتبر ـ في ظروف الاستعمار المباشر ـ أرقى أشكال النضال واللغة الوحيدة التي تجعل المستعمر يفهم حقوق الشعب ويسلم بها... خصوصاً بعد فشل الأحزاب كافة كالرابطة وحزب الشعب الاشتراكي.[c1]ثانياً : شروط وصفات العنصر الفدائي في جبهة عدن[/c]بسبب المميزات الخاصة لمدينة عدن الصغيرة التي تحاصرها القوات البريطانية بترسانة ضخمة من الأسلحة، فإنّه ترتب على ذلك أن يكون العنصر الفدائي هو الآخر متميزاً تماماً عن فئات الشعب الأخرى حتى يستطيع تنفيذ المهمات العسكرية بأقل الخسائر. وإليكم تلك الشروط التي كانت الجبهة القومية تعتمدها في استقطابها لعناصرها الفدائية :1 ـ يتم الاختيار من بين القطاع التنظيمي الشعبي الذي أخذ قسطاً معيناً من التجربة في العمل التنظيمي السري داخل التنظيمات التي تكونت منها الجبهة القومية قبل تشكيلها، ومن الذين انخرطوا في صفوف الثورة بعد قيامها.. حيث يقوم بترشيح مثل هذه العناصر المسؤولون القياديون المباشرون عنهم بعد عملية جمع المعلومات والدراسة والتقييم لإمكانياتهم الضرورية التي تمكنهم من أن يقوموا بالعمل الفدائي ومعرفة صلابتهم وقدراتهم المختلفة، ومدى تمسكهم بقواعد العمل السري.2 ـ يتم الترشيح من بين الأنصار من قطاعات الشعب، وعلى الأخص من الذين للأعضاء الحزبيين عَلاقة ثقة وطيدة بهم، وعندهم من المعلومات ما يجعلهم يثقون بهم وبأنفسهم في ترشيحهم بواسطة المسؤولين المباشرين بعد مرور فترة الاختبار لهم وفي هذه الحالة يتم الآتي :3 ـ يرشح الشخص من قبل شخص آخر ويُزَكَّي هذا الترشيح عنصر تنظيمي يعرف المرشح، وبعدها يظل المرشح فترة زمنية تحت الرقابة كصديق، وتجمع عنه المعلومات بطرق وأساليب مختلفة يشترك فيها جهاز الأمن الخاص بالجبهة القومية، وعناصر حزبية أخرى، تحدد صلابته، صدقه وأمانته، ومدى التزامه بالسرية ومقدرته العملية عبر مجموعة من الاختبارات اليومية.4 ـ يُقدَّم ترشيحه كعضو مرشح في القطاع الشعبي لفترة بعد أن يكون قد تم توجيهه لقراءة بعض الكتب، وأختبر في بعض المهام العملية، وبعد أن يكون قد عقدت معه مجموعة من اللقاءات غير الرسمية من قبل الشخص المكلف الاهتمام به وبكسبه، وبعدئذٍ يؤطر ضمن جماعة من المرشحين (من 3 إلى 5 أفراد)، حيث تظل عَلاقته دائمة بهم، ويُمرَّس على السرية واللوائح التنظيمية، وأداء القسم على المسدس أو القنبلة وفيما بعد على الميثاق الوطني.5 ـ يتم تكليفه ببعض المهام الحزبية كتلخيص الكتب، والقيام بمراقبة بعض الأفراد الذين يكلفون بتوزيع المنشورات، ثمّ يكلف شخصياً بتوزيع المنشورات من أجل اختبار قدراته وصلابته العصبية والنفسية، وقدرته على الحركة والاختفاء، ومعرفة جوانب حفظه للسرية التي تعتبر شرطاً أساسياً تقتضيها ضرورة النضال.6 ـ وإذا ثبت بعد هذا أنّه جدير، يقدم بعدئذٍ ترشيحه للقطاع الفدائي كمرشح، وهذا يعني أنّه يجب أن يقطع صلاته بكل زملائه السابقين الذين كان يعرفهم في العمل التنظيمي الشعبي بطريقة غير مباشرة.وفي حالة المخالفة من قبل أيِّ عضو، فإنّه يتعرض للعقاب الصارم... بالإضافة إلى أنّ العضو نفسه كان ـ من باب الاحتياطات الأمنية السرية ـ لا يعرف إلا الأسماء الرمزية أو كانت تسمى بالأسماء ((الحركية)).. إلا فيما ندر فإنّ الأفراد يعرفون بعض الأسماء الحقيقية للأعضاء.. وحينئذٍ يقوم جهاز الأمن الخاص بالجبهة بجمع معلومات عن سلوكه من أجل التأكد منه.إنّ من مميزات الجبهة القومية أنّ قاعدة تنظيمها وأغلب قياداته قد تشكلت من الفئات العمالية والفلاحية الفقيرة بحكم التركيب الطبقي للمجتمع اليمني في الجنوب الذي لم تساعد ظروف وجود الاستعمار على تحديده تحديداً دقيقاً، كما فعل في مناطق أخرى استعمرها.ولقد ساعد هذا التكوين الطبقي للجبهة القومية على حفظ خط الثورة الوطني الديمقراطي وجنبها مخاطر عدة أكانت في مرحلة التحرير أو فيما بعد .. حيث أنّ هذه العوامل أحبطت محاولات عدة للانحراف النهائي بالثورة وخطها.بعد عملية المرور بالمراحل الأربع لاختيار العنصر الفدائي يُحال إلى جهة محددة تقوم بعملية تأهيله وتدريبه على الأسلحة، وكان أكثر ما يدرّب عليه الفرد هو القنابل اليدوية، والمسدسات المختلفة، والرشاشات الخفيفة جداً، والتي كانت في الوقت نفسه متخلفة جداً ((لانكستر)) وعلى ((البلاندسيد)) الذي كان يُعرف وسط الشعب بـ ((البازوكا)) وعلى المفرقعات والأشراك الخداعية الموقوتة التي كانت تستخدم لعمليات النسف، وعلى الرشاش ((البرن)) الإنجليزي الصنع. ((وفي عام 1967م، تمكنت الجبهة القومية من الحصول على عددٍ محدود من الرشاشات الآلية التي كان يتم نقلها من منطقة لأخرى بخطورة وصعوبة في عدن)).بعد إعداده وتدريبه على هذه الأنواع من الأسلحة كان يوضع ضمن جماعة فدائية سرية واحدة، قد لا يزيد عدد أفرادها عن خمسة أفراد في أقصى الحالات، وتظل تحركاتهم ولقاءاتهم متسمة بالسرية الكاملة لا يستطيع أي فردٍ من الجماعة أن يلتقي بالآخر إلا وفقاً لتعليمات من المسؤول المباشر عنهم... أما عند الاجتماعات التي يحددها أو عند القيام بعملية ما أو عند الضرورة، وقد كان لزاماً على المسؤول أن يُراعي كافة شروط السرية والنواحي الأمنية ويعمل على تجنب الخسائر قدر الإمكان. وهذه القاعدة كانت تعتبر أساس العمل التنظيمي داخل مدينة عدن للقطاعات كافة، حتى لا تتمكن الأجهزة الاستعمارية الاستفادة من الثغرات السلبية.أما الصفات الأساسية المطلوبة في اختيار العنصر الفدائي فتتحدد بالشجاعة، الإقدام، القناعة، الصدق، الأمانة، الحفاظ على السرية، الانضباط الحزبي الصارم، إطاعة التعليمات من دون تردد، تنفيذ التكليفات الحزبية، عدم التظاهر والتباهي على أسرته وزملائه في العمل، الحرص الدائم، على الصبر، التواضع، عدم تناول المخدرات، ومراعاة مشاعر المواطنين، والخضوع لكافة الأوامر التي تصدر من قيادته، تنفيذ التكليفات بشأن تلخيص المواد التي يُكلف بقراءتها، وأخيراً استعداده للتضحية والنضال ضد الاستعمار وعملائه.[c1]ثالثاً : الإجراءات قبل القيام بأية عملية فدائية[/c]قبل القيام بعملية عسكرية ضد البريطانيين أو عملائهم كان لابد من تحديد الهدف واختيار أو تحديد موقع تنفيذ العملية، والقيام بعملية استطلاع واسعة ابتداءً بجمع المعلومات ودراسة الموقع أو الهدف ورصد التحركات الكاملة لذلك الهدف، وما يحيط به من ظروف وملابسات وخطورة، ووضع أقصى الاحتمالات، ومن ثمّ وضع خطة تفصيلية شاملة يُحدد فيها عدد الأفراد، ودور ومهمة كل فرد على ضوء الاستطلاع المسبق لموقع ا لعملية، ومكان الانطلاق للتنفيذ، وكيفية الانسحاب بعد التنفيذ، مع الأخذ بعين الاعتبار كيف سيتصرف العدو في أسوأ الأحوال، أو عند أيِّ موقف غير متوقع في ذهن من خطط للعملية والمستطلعين... وهنا لابد من توفير الحماية الخلفية السرية والعلنية على ضوء طبيعة وحجم العملية ذاتها.إنّ هذه المرحلة تعتبر من أهم وأخطر وأصعب المراحل التي تجابه العمل الفدائي في المدينة، وبالذات عندما تكون هناك عملية جماعية يشترك فيها عدد يزيد عن خمسة أفراد، وفي موقع صعب محاط بالتحصينات والحراسات كما حدث في عملية ضرب المطار العسكري من قبل جماعة من الفدائيين في منطقة ((المملاح))، حيث لم يكن يخطر بالحسبان أنّ الطائرات (( الهليوكوبتر)) ستقوم بعملية المطاردة وملاحقة الفدائيين وللسيارات المستخدمة في العملية إضافةً إلى ذلك لم يؤخذ بالحسبان أنّ المنطقة مفتوحة ومناسبة لعملية المتابعة من قبل الطائرات، إضافة إلى وجود نقاط للتفتيش القريب في كل من ((كالتكس)) وجولة المنصورة المتجهة إلى السجن المركزي وكذا معسكر ((ليك لين)) المعروف الآن ((بمعسكر الشهيد عبدالقوي))، ونقطة المملاح نفسها إضافة إلى الدوريات المستمرة بين كل عشر دقائق داخل الأحياء.. الخ.. حيث أنّ الطائرات استمرت في عملية المطاردة من منطقة (( الدرين)) حتى تمكن الفدائيون من إسقاط إحداها فوق معسكر عبدالقوي.وعملية أخرى، عند محاولة السطو على البنك البريطاني في كريتر الذي كان من المفروض أن يشترك فيها عشرة فدائيين، من أجل إنقاذ التنظيم السياسي الجبهة القومية من الأزمة المالية التي فرضت عليه عندما قطع الجهاز العربي المصري الاعتمادات المالية على الثورة بعد فرض اتفاق 13 يناير 1966م، وهو القرار الذي رفضته قواعد وقيادات الجبهة القومية، حيث كان الإنجليز قد قاموا بتطويق الشارع بعد أن لمسوا حركات غريبة وبسبب الوشاية من أحد العملاء العرب، الذي لاحظ تلك التحركات داخل الشارع لوجوه ((غريبة)) وتحرك سيارات بشكل ملفت للنظر، ساعده على هذا التمييز مقر عمله الوهمي كطباع عرائض داخل الشارع فرصد بسهولة كل التحركات وأبلغ الحراسات البريطانية التي كانت متمركزة فوق سطوح مباني البنوك ذاتها، وتمكن الفدائيون من الخروج بأعجوبة وفشلت العملية، بعد جهود ومتابعة كبيرة لتنفيذها في مهمة لإنقاذ الثورة في الحصار الذي فرض عليها.وهناك عمليات أخرى تعتبر من أهم وأخطر العمليات الفدائية في مدينة عدن وهي تلك العملية التي اشترك فيها ما يقارب من ثلاثين شخصاً من الفدائيين لضرب الإذاعة في منطقة التواهي عام 1965م، التي كانت محاطة بحراسة مشددة جداً إلى جانب أنّها محاطة بقيادة البحرية البريطانية والمكتب المركزي للبريد، وليس لهذه الأماكن إلا مدخل واحد هو المخرج نفسه، بجانب نادي البحارة، وقد كانت المنطقة بكاملها محاطةً بحراسات مشددة للغاية بشكل عام، إضافة إلى الحراسات على كل مرفق من هذه المرافق كل على حدة، كالإذاعة، قيادة البحرية، سكرتارية المندوب السامي... الخ. ومع ذلك فقد كانت من أنجح العمليات واستخدمت في العملية مدافع ((البازوكا)) والقنابل اليدوية والرشاشات، على الرغم من إلقاء القبض على أحد الفدائيين، نتيجةً للخطأ الذي وقع فيه، لعدم تنفيذه وتقيده بالتعليمات التي أعطيت له حيث أنّ بهجة الفرح للانتصار الذي حققه بسبب شجاعة المنفذين ودقة الخطة، جعلته يهمل بعض المسائل التي اعتقد أنّها صغيرة في الوقت الذي تعتبر مثل هذه الصغائر في مثل هذه الأعمال النضالية الخطرة غاية في الأهمية!وهنالك كثير من الأمثلة للعمليات والسلبيات التي حصلت لكننا كنا نستفيد دائماً منها، ونقوم بعد كل عملية بتقييمها ودراستها، حيث تكوّنت لدينا قناعات كاملة من أنّ أهم الشروط الأساسية للعمليات الفدائية الجماعية وفي المواقع الخطرة هو وضوح الرؤية والتخطيط الجيد، وصلابة وشجاعة العنصر البشري المنفذ، وفحص المسائل المذكورة قبل التنفيذ، وفوق كل ذلك السرية الكاملة والتغطية الكاملة للإجراءات كافة.هذا بصدد الإجراءات للعمليات الكبيرة الجماعية، وهناك نوع آخر من العمليات الناجحة جداً والفعالة والمؤثرة مادياً ومعنوياً على الاستعمار وعملائه، والخطيرة في الوقت ذاته، بسبب استكمال الإجراءات لها، وهي تلك العمليات الخاصة بالاغتيالات الفردية الموجهة ضد الإنجليز وعملائهم، التي كانت تعتمد على الرقابة الشخصية الدقيقة جداً للمنفذين، حيث كان المنفذون هم الذين يقومون بتحديد الهدف ومراقبته وأخذ المصادقة عليه وعلى العملية، وعندما تتوافر الظروف المناسبة والشروط اللازمة يقومون بعملية التنفيذ.وهناك حالات تلعب فيها الصدف دوراً كبيراً حيث أنّ بعضاً من الفدائيين كانوا يجوبون الشوارع مسلحين، وبالذات المتفرغين، الذين كانوا مختفين، ويُصادف أن يلتقي بعضهم بأي بريطاني عندما يكون ماراً، إما بسيارته أو على الأقدام فيستغل الفدائي الفرصة ليقوم بتنفيذ العملية واتخاذ التدابير الشخصية للانسحاب والاختفاء وإبلاغ قيادته، وفي هذه الحالة فإنّ الجرأة والمهارة والخبرة السابقة تلعب دوراً بارزاً، إضافة إلى الطبيعة الخاصة التي أصبحت عادةً لدى الغالبية العظمى من اليمنيين بحكم عوامل لا ضرورة لذكرها هنا، والحياة القاسية التي تربوا عليها داخل مناطقهم حيث أصبحت ((الشجاعة)) مقياساً أساسياً حتى في العَلاقة الأسرية.فالتصرفات والطبائع هي انعكاس للعَلاقات الاجتماعية وللعادات والتقاليد والخبرة الشخصية التي لعبت دوراً كبيراً وإيجابياً في تجرِبة العمل الفدائي في عدن وحرب التحرير في الأرياف.لقد لعبت هذه العمليات دوراً كبيراً في تعزيز فعالية العمل الفدائي في عدن والتي كانت تعتمد على المتابعة الفردية، وترَّصـُد الهدف المقصود، وأحدثت مثل تلك العمليات خوفاً كبيراً في أوساط القيادات والقوات البريطانية وعملائهم في عدن.ومن هذه العمليات الجريئة والفعالة والتي أحدثت رعباً وهزة عنيفة في مجلس العموم البريطاني اغتيال ((آرثر تشارلس)) رئيس المجلس التشريعي الذي اغتيل من قبل المناضل الشهيد حسن علي الصغير المعروف بـ ((بدر)) والذي قام بتنفيذ هذه العملية تحت حراسة مجموعة من رفاقه. وكذلك اغتيال ((هيري بيري)) رئيس المخابرات البريطانية في عدن، والذي اشترك اثنان من الفدائيين في عملية التنفيذ المباشر لاغتياله، وتحت حماية رفاق آخرين لهما، إلى جانب عمليات أخرى ضد البريطانيين وعملاء عرب، كانوا يقفون موقف العداء من الثورة ويترصدون تحركات الفدائيين والمناضلين لا أرى ضرورة لحصرها، ويشكل هؤلاء الأفراد طابوراً خطراً على الثورة منذ بدايتها الأولى بجانب بعض الصحف والأقلام المأجورة التي عملت على تشويه الثورة وعملياتها وأهدافها، وكان لابد من توجيه الضربات القوية المباشرة لهم حتى يبتعدوا عن طريق الشعب، طريق الثورة التي ناصبوها العداء منذ الوهلة الأولى بحكم ارتباط مصالحهم بالوجود الأجنبي البريطاني.[c1]رابعاً : الحصول على الأسلحة عند تنفيذ المهمة[/c]كانت الطريقة التي تتبع هي أنّ لكل منطقة أسلحتها وسياراتها الخاصة ومخابئها السرية والذي لا يعرفها إلا المسؤول عن المنطقة فقط، ومن خلاله يحصل الفرد أو الجماعة ومن خلال القنوات التنظيمية على السلاح المطلوب للعملية وقبل ساعات محددة من تنفيذ المهمة، ثم يُسحب السلاح ويُسلّم ويُحفظ بالطريقة والأسلوب المناسبين وفي الموقع المحدد المناسب حيث لا يعرف به أحد. إضافة إلى ذلك فقد كان يحدث أنّ بعض الأفراد من جماعة خاصة أخرى يكلفون القيام بعملية معينة إماّ لوحدهم أو بالاشتراك مع آخرين عندئذٍ يجب ألا يلتقوا بأحد من الحلقة أو الخلية نفسها التي ينتمون إليها، وإلا تعرضوا للمحاسبة الصارمة.وكانت توجد المنازل الخاصة والسيارات الخاصة لكل منطقة من المناطق، ولكل قطاع من القطاعات المختلفة؛ التي يتحمل مسؤول المنطقة المسؤولية مباشرة وكاملة في وضع الاحتياطات الأمنية المناسبة لعدم كشف الأسلحة والأفراد الذين يترددون على المنازل. وعليه بهذا الصدد، أن يقوم بوضع خطةٍ للتغطية المناسبة لاستئجار المنازل أو عند السكن فيها وكذا الضمان الأمني لعملية حركة الدخول والخروج من المنزل، وهذه العملية كانت جزءاً من الاحتياطات التي تُطرح على الأفراد كتعليمات بألا يدلوا أحداً من رفاقهم على المنزل الذي يترددون عليه عدا العناصر التي يحددها مسؤول الجماعة أو المنطقة إلى جانب ذلك كانت تجرى عملية ((رقابة)) سرية على الأماكن المهمة من غير العناصر التي تتردد على المنزل. وهي غالباً ما تكون من المناضلين في الحي نفسه أو العمارة نفسها أو غيرها، وذلك بالطريقة التي يحددها المسؤول مباشرةً كإجراء مسبق، وكعمليات وقائية سرية. وبهذه الإجراءات استطاعت الثورة أن تضمن لنفسها الوقاية والحماية، ولم يحصل أن تمكنت السلطات البريطانية أن تكشف مخبأً واحداً للسلاح، بسبب سوء التصرف أو عدم مراعاة السرية أو النواحي الأمنية، وإنّما حصل ذلك عندما اعتقلت بعض العناصر فأفصح أحدهم ـ بسبب ضعفه وعدم قدرته على التحمل ـ ببعض المعلومات عن المواقع والأفراد القياديين والثانونيين.وقد وجهت أقوى الضربات للعمل الفدائي بسبب هذا العنصر الذي لم يستطع الصمود. كان عنصراً قيادياً في إحدى المراتب العسكرية للقطاع الفدائي والذي استغلته الاستخبارات البريطانية بعدئذٍ في ملاحقة المناضلين حيث كان يقوم تحت الحراسة بالتجوال مرتدياً ((شرشفاً)) نسائياً من أجل تعريف المخابرات البريطانية بمن يعرفهم من تنظيم الجبهة القومية، وبشكل خاص من الفدائيين.هذه الثغرة جعلت القيادة تـُعيد النظر في جملة من الإجراءات الداخلية بما يضمن عدم تكرار ما حصل من ناحية، ومن ناحية أخرى كإجراءات وقائية أمنية على ضوء ما وصلت إليه أجهزة الأمن البريطانية وعملاؤها.[c1]خامساً : اختفاء الأفراد وإخفاء الأسلحة والأدوات المستخدمة في العمليات[/c]إنّ نجاح تنفيذ العملية يتحدد بمدى القدرة على إخفاء الأفراد والأسلحة والأدوات المستعملة من سيارات وغيرها، ولذلك كانت هذه القضية تعتبر من أهم القضايا وفي غاية الخطورة، لأنّها تحدد نهاية الجهود المبذولة وتحدد فشل أو نجاح العملية، ولأنّه لا يمكن اعتبار أنّ العملية المنفذة ناجحة مائة بالمائة إلا إذا اختفى الأفراد المنفذون وأخفيت الأدوات المستخدمة في العملية نفسها؛ وفي هذا الحال فقد كانت تستخدم أهم وأدق الأساليب عند تنفيذ العملية، فمثلاً إلى جانب مخابئ الأسلحة والمنازل والسيارات ... الخ لا يعرفاه إلا مسؤول المنطقة أو مسؤول لجماعة للمجال الفدائي فقط، فقد كانت الأسلحة للمنطقة نفسها موزعة في مجموعة من الأماكن وعلى أساس تشكيل الجماعات ولا يعرف موقعها الرئيسي سوى رئيس الجماعة تحسباً لانكشاف الموقع أو إلقاء القبض على فردٍ معينٍ أو أفراد، ومن الأساليب التي كانت تـُستخدم في العملية، فإنّه لا يعرف إلا المسؤول المباشر من أين أُحضر السلاح ومن هو الشخص الذي أحضره وكانت تستخدم أساليب تغطية وتمويه كثيرة عند عملية الإحضار. وهكذا الأمر عندما يسلم بعد تنفيذ أية عملية أكانت عملية جماعية أو فردية، وهذا الأسلوب ضمن لنا كثير من النجاحات في عدم اكتشاف الأفراد والأسلحة أو السيارات والمنازل ولفترة مناسبة في بداية العمل الفدائي في مدينة عدن.وفي جبهات القتال الأخرى كانت ظروف الرفاق تختلف بحكم الطبيعة الجغرافية الصعبة. على أنّ تكوين الجماعات المسلحة والقدرة على الحركة بشكل أفضل من ناحية الإمداد بالأسلحة والدعم والمساعدة في التبرعات لأفراد جيش التحرير ولأنّ لعمل الرفاق في جيش التحرير ظروفاً وعوامل وأساليب خاصة تختلف إلى حدٍ كبير عن المدينة عدن، فالأراضي شاسعة والجبال والمناطق مفتوحة معه الشطر الشمالي من الوطن وغيرها من العوامل المساعدة، رغم تفوق العدو من حيث عتاده العسكري أو البشري، إلى جانب العملاء التابعين للسلاطين والمشايخ الذين كان يعتمد عليهم الاستعمار في متابعة جيش التحرير.وهنا ينبغي لنا التطرق إلى المضار الخطيرة التي تعرض لها العمل الفدائي النضالي للخطر من جرائها، وخصوصاً عدم التقيد بالتعليمات وتنفيذها حرفياً.. وسنتطرق إلى نموذجين منها من واقع التجرِبة :أولها : في سبتمبر 1965م، وبعد محاولة تنفيذ عملية ضد أحد ضباط المخابرات البريطانية في منطقة المعلا ((حافون)) والذي كان يعتبر نائباً لرئيس المخابرات ويدعى ((مستر وايجت)) استخدمت سيارة في العملية لنقل الأفراد والأسلحة إلى الموقع، وكان يفترض إخفاء السلاح والسيارة واختفاء الأفراد وتغيير رقم السيارة ووضعها في منطقة بعيدة عن سكن الأفراد المشتركين في العملية، إلا أنّ تلك التعليمات لم تنفذ بالكامل بسبب عامل جدي غير متوقع هو أنّ السلاح المستخدم لم يكن مفحوصاً جيداً، حيث أنّه لم تطلق من المسدس سوى طلقتين فقط، الأمر الذي سبب إرباكاً للمنفذ الذي كان قد دخل المنزل مع أحد زملائه بمساعدة أحد العاملين اليمنيين في المنزل، وكان يصاحب الضابط ((وايجت)) جندي مسلح يقوم بحراسته في مسكنه ويرافقه في السيارة وعند حصول هذا الخلل حصلت بعض الإرباكات منها أنّ الضابط لم يُقتل وإنّما أصيب إصابة طفيفة. وثانياً أنّ هذا الخلل سبب إرباكاً في عملية الانسحاب بحيث ذهب الأفراد بالسيارة نفسها وبأرقامها المزيفة كما هي ووضعت في شارع قريب من المنزل الذي يتردد عليه بعض القياديين بين مدنيين وفدائيين، إلى جانب أنّ المنفذين ذهبوا إليه مباشرة وكان أحد الجواسيس العرب قد التقط رقم السيارة ولونها وقام بإبلاغ السلطات البريطانية، وتحركت أجهزة المخابرات والشرطة ووجدت السيارة كما هي برقمها وأوصافها في منطقة المنصورة وأجرت عملية تطويق واسعة وقامت بعملية تفتيش المنازل وألقت القبض على بعض العناصر القيادية التي كانت في المنزل وقد فوجئوا بمداهمة الإنجليز لهم ومنهم المناضل الفقيد عبدالعزيز عبدالولي والذي كان آنذاك مسؤولاً عسكرياً عن منطقة كريتر، ووجدت القوات البريطانية بعض النشرات والمنشورات وتمكن من الهرب بصعوبة سعيد عبدالوارث الإبي، الذي كان متواجداً المنزل نفسه.وقامت المخابرات على إثر ذلك بعمليات اعتقالات واسعة في المنطقة، وعند التحقيق اعترف أحد العناصر بمن يعرفهم من العناصر القيادية ومنهم الذين اعتقلوا معه والبعض الآخر اختفى من المنزل أو العمل لأنّهم آنذاك لم يكونوا مكشوفين، وبعضهم سافر إلى الشمال لفترة مؤقتة. ومن الذين سافروا عبدالفتاح إسماعيل الذي كان مسؤولاً عن العمل الفدائي وعن جبهة عدن. ومحمد صالح مطيع الذي كان مسؤولاً عن منطقة المعلا آنذاك لتجنب الملاحقة المستمرة وبحكم انتشار صورهم في نقاط التفتيش مع الدوريات والجواسيس.ولقد خلف علي أحمد ناصر السلامي الرفيق عبدالفتاح إسماعيل، في تحمل مسؤولية جبهة عدن لعدة أشهر ثمّ عاد إلى تعز مرة أخرى، وهكذا فإنّ هذا الخطأ البسيط جداً اعتقل بسببه ما لا يقل عن أربعين فدائياً من بينهم عناصر قيادية وتوقف العمل الفدائي في عدن لفترة ستة أشهر تقريباً بهدف وضع الاحتياطات والإجراءات الأمنية للعناصر الفدائية والإعداد للإمكانيات البديلة من منازل وسيارات .. الخ .. والاستعدادات المختلفة لاستئناف العمليات بشكل أقوى ولتقييم مراجعة السلبيات والخطاء التي حدثت.وكانت هناك قاعدة متبعة عند اعتقال أي فردٍ من القطاع الفدائي أو الشعبي تقي بضرورة اختفاء العناصر التي يعرفها المقبوض عليه حتى تتأكد المعلومات فيما إذا كانوا مطلوبين من أجهزة المخابرات أم لا، وتغيّر أماكن السكن التي يعرفها والسيارات ومواقع الأسلحة، إن كان هو أو أحد من جامعته يعرفها، ويتم ذلك بسرعة فائقة حتى لا تتمكن المخابرات من الحصول على الوقت الكافي للقيام بأعمال التفتيش والمطاردات والاعتقالات. وهنا لابد من الإشارة إلى أنّ هذه القاعدة جنّبت العمل الفدائي خسائر كبيرة كانت ستقع لو لم تـتّبع عند الاعتقالات مثل هذه الإجراءات.والحقيقة أنّ الاعتقالات التي تمت في سبتمبر 1965م تعتبر من أقوى وأشد الضربات التي وُجهت إلى الثورة، ونجحت المخابرات البريطانية في توجيهها للعمل الفدائي وسببت تأثيراً مباشراً عليه في عدن.إنّ تغيير المنازل وإخفاء السيارات المعروفة وسحب الأسلحة من جميع مواقعها إلى مواقع سرية غير معروفة وتغيير العناصر القيادية لمواقع سكنهم ولقاءاتهم واتخاذ الاحتياطات الضرورية اللازمة جنّب الوقوع في مطبات فادحة لتكون الثورة في غنى عنها، وذلك كي لا تتمكن المخابرات البريطانية من العثور على مخابئ الأسلحة وأماكن اختفاء العناصر القيادية الأساسية.[c1]عوامل تطور ونجاح العمل الفدائي في عدن1- العوامل:[/c]تعتبر عدن القلب النابض للثورة، فإضرابات العمال والمسيرات والمظاهرات الشعبية لمختلف قطاعات الشعب وغيرها من أشكال النضال اليومية التي استفادت منها الثورة، هي التي عززت العمل الفدائي بالروح المعنوية المتواصلة.وقد لعبت الروح الوطنية الثورية عند الشعب داخل المدينة دوراً في مد العمل الفدائي بدماء جديدة من ناحية، ومن ناحية أخرى وفرت عوامل واسباباً كان لها الدور الفعال والمؤثر في تطور العمل الفدائي.لقد سجلت جماهير الشعب مواقف رائعة أمام التحديات الكبيرة التي كانت تهدف إلى احتواء الثورة والقضاء عليها من قبل بريطانيا وعملائها بالتحالف مع الرجعية العربية، فقد خرجت رافضة قيام (المجلس الوطني) الذي شكل بعد 13 يناير، رافعة شعار (المجلس الوطني ولد ميتاً) وأثبتت بنضالها ابن الشعب اليمني وسقط الكثير من مناضلي جماهير الشعب وفي مقدمتهم ابن الشعب اليمني المخلص مهيوب علي غالب (عبود) يوم 11 فبراير 1967م أثناء المظاهرات والمسيرات، وعبرت الجماهير عن رأيها من خلال تلك المواقف المعلنة وتمسكها بالثورة بقيادة الجبهة القومية عند وصول لجنة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق في إبريل 67م عندما شددت عملياتها النضالية ومسيراتها وتظاهراتها رغم الاحتياطات الأمنية المشددة التي فرضتها بريطانيا آنذاك والتي كانت تحاول طمس الحقائق على العالم.لقد اشتد لهب الثورة بالعمليات العسكرية الجريئة ضد القوات البريطانية الأمر الذي أعاق من تحرك لجنة الأمم المتحدة وتحقيق الغرض الذي أتت من أجله إلى عدن، وتمكنت الجماهير من تحويل عدن إلى شعلة ملتهبة بالمظاهرات والمسيرات والحرائق والإضرابات والمنشورات والملصقات والعمليات الفدائية من شارع إلى آخر بين فدائيي الجبهة القومية والقوات البريطانية، التي انتشرت بشكل لم تشهده البلاد من قبل..... وهذا ما دفع بريطانيا إلى الإسراع في إعلان الاستقلال فأعلنت إنها سترحل في العام 1967م بدلاً من العام الذي يليه، واتضح للجنة الأمم المتحدة أن الجبهة القومية هي قائدة النضال، وهي الممثل الشرعي لشعبنا اليمني في الجنوب، وأن الحقائق التي اكتشفتها، قد أكدت رفض الشعب للوجود البريطاني والمغالطات التي كانت بريطانيا تروجها في المحافل الدولية.ومن الأسباب التي لعبت دوراً مؤثراً في تحقيق انتصارات عسكرية ونجاحات باهرة للعمل الفدائي يمكن إيراد ما يلي:أولاً: توجيه الضربات القومية للعملاء اليمنيين والأجانب من الهنود والصوماليين الذين كانوا يلعبون دوراً كبيراً في مراقبة ومتابعة الفدائيين، وكذلك رصد تحركات المشكوك فيهم ورفعها إلى المخابرات البريطانية إضافة إلى ما يسمعونه ويلاحظونه في الشوارع والأماكن العامة.وكان من الضروري جداً في سبيل تقدم العمل الفدائي وعدم تمكين الإنجليز من الحصول على أية معلومات عن الجبهة ونشاطها أن توجه رسائل وإنذارات شخصية للعملاء اليمنيين وغيرهم، وتوزع المنشورات العلنية بأسماء بعضهم أفراداً وجماعات تحذرهم فيها من الوقوف أمام تيار الثورة، وتطالبهم كحد أدنى بأن يكونوا مواطنين صالحين، وأن يكفوا عن رفع المعلومات وتجنيد أنفسهم ضد شعبهم ووطنهم وثورتهم، إلاّ أن قناعات بعضهم كانت أقوى وأرسخ من النداءات والإنذارات والمنشورات، وكان لابد من اتخاذ تدابير أخرى في سبيل ضمان تصاعد واستمرارية الثورة وبالذات العمل الفدائي. هذه التدابير قضت بالتخلص منهم واحداً بعد الآخر باعتبارهم جواسيس وخدماً للاستعمار البريطاني ضد شعبهم ارتبطت مصالحهم بمصالحه، والذي كان من حل آخر لإيقافهم عند حدهم إلاّ بهذه اللغة وهذا الأسلوب والذي كان من أفضل وأنجح الأساليب التي ساعدت الثورة في تحقيق انتصاراتها على الرغم من أنها لم تكن تهدف إلى ذلك، ولكنها بهذا قطعت خط الرجعة على الكثير من ضعفاء النفوس، حيث أوقف البعض تعاملهم والبعض الآخر ولى هارباً إلى الشمال مقدمين الولاء والطاعة المفتعلين، وبعضهم ظل يعمل بشكل ضعيف تحت الحراسات المشددة التي هي الأخرى لم تضمن لهم حياتهم في مواجهة رصاص الصورة في وضح النهار، ولم تستطع القوات البريطانية حمايتهم،لأن الشعب هو الذي كان يرصد تحركاتهم.وهناك عدد من الذين كانوا يهزأون ويسخرون من الثورة، ولكن سرعان ما عاد صوابهم! عندما شاهدوا زملاءهم يتساقطون، وعرفوا أن الثورة ليست تمرداً قبلياً أو حركة (دراويش) كما كان يطلق عليها بعض المحترفين السياسيين!ثانياً: وقوف شعبنا إلى جانب الثورة في المدينة مسانداً ومدعماً المواقف والأعمال البطولية للفدائيين الذين كانوا يتلقون المساعدات الكبيرة من المواطنين عند قيامهم بواجباتهم في تنفيذ العمليات أو عند توزيع المنشورات ووضع الملصقات، وكان المواطنون يقدمون لهم الأكل والشرب ويسهلون لهم عملية الاختفاء أو المراقبة لأية دورية بريطانية أو الشرطة العرب، وينبهونهم عند أية مواطن يشهد عملية فدائية ما، ترتسم البهجة الواضحة على محياه والبسمة الساطعة الراضية كأجمل تعبير، وكأعظم حافز معنوي للفدائيين. إلى جانب أن بعض المواطنين، كانوا يقدمون منازلهم لعملية إيواء الفدائيين. و إعطاء سياراتهم الخاصة لإستخدامها في بعض العمليات الفدائية أو لنقل بعض الإمكانات من موقع إلى آخر.إن كل ذلك قد لعب دوراً كبيراً في انتصار الثورة وتحقيق انتصارات للعمل الفدائي في مدينة عدن الصغيرة المزدحمة نسبياً، والضيقة التي لا تزيد مساحتها عن 60 ميلاً مربعاً كما لا يزيد عدد سكانها آنذاك عن 250,000 ألف نسمة بمن فيهم الجاليات الأجنبية المختلفة التي تواجدت في عدن والتي كان الاستعمار البريطاني يعتمد اعتماداً كبيراً عليها في مختلف أجهزة الدولة لتحل محل المواطنين الأصليين اليمنيين.ثالثاً: السلوك والأخلاق الجيدة التي كان يتحلى بهما المناضلون في علاقاتهم وتعاملهم مع المواطنين الذين يعرفونهم أو تعرفوا عليهم من خلال سير العمل النضالي اليومي في وسطهم، إلى جانب عدم تظاهرهم وعدم الاستخدام السيئ لوضعهم، وتصرفهم بما يعزز الثقة والعلاقة اليومية ويوطدها، وفوق ذلك البساطة في سلوكهم وأوضاعهم.إن ذلك كان من العوامل الأساسية في عدم تمكين المخابرات البريطانية من النيل منهم أو توجيه الضربات لهم.. على أن هذا ليس كل شيء فهناك أمور أخرى مهمة لعبت دوراً في نجاح العمل الفدائي في قلب العاصمة عدن منها توافر الصفات الضرورية في الفدائيين كالجرأة والانضباط والسرية والتدريب الجيد على الأسلحة المستخدمة، والتخطيط الجيد والتنفيذ الدقيق للعملية والمفاجأة والتقيد بالتعليمات والتغطية والاختفاء.كما أنّ هناك مسألةً غاية في الأهمية لابد من الإشارة إليها في هذا السياق، هي العَلاقة الرفاقية الحميمة والشخصية والحب العميق والحرص الرفاقي بين رفاق النضال، والتواضع فيما بينهم، إلى جانب الثقة الكاملة وعدم التفكير إلا بنجاح مهماتهم وحفاظهم على بعضهم البعض.وهنالك أمثلة لتلك العَلاقة، فقد كان كل ما يملكه أي مناضل هو ملك الآخرين كالملابس الشخصية، فمن يلبس أية قطعة فهو صاحب الحق في تلك اللحظة، وهناك أمثلة عديدة تدل على عمق العَلاقة اليومية، فالساكنون من الرفاق مع بعضهم البعض في مسكن واحد كان كل شيء ملكاً لهم جميعاً على الرغم أنّ بعضهم لم يكونوا يعرفون بعضهم من قبل، إلا في عملية نضالية واحدة أو اجتماع معين أو بحكم سكنهم معاً : على أنّ القاسم المشترك الذي كان قد جمع بين ابن المهرة مع ابن الضالع وتعز وردفان وحضرموت وإب وصنعاء هو النضال المشترك. وكانت هذه القضية هي أساس لكل عَلاقاتهم وحرصهم على بعضهم البعض.. وهي التي جعلت دماءهم تمتزج كتعبيرٍ عن امتزاج تفكيرهم الوطني اليمني مع تفاوته في تلك المرحلة التي عملوا فيها كمواطنين يمنيين تجمعهم أهداف واحدة وقضية واحدة، ولم يفكر أحدهم بأية أمور أخرى غير ذلك... وكانت هذه القضية أساساً لانتصارات عديدة ومتلاحقة جعلتهم يتخطون الحواجز والخرائط والتقسيمات الجغرافية التي أوجدها الاستعمار ونظام الإمامة، ويعملون من أجل قضية واحدة هي قضية تحرير الوطن والشعب من الاستعمار ومخلفاته.وقد بلغ عدد العمليات الفدائية في شهري 7 و8 من عام 1966م، (24) عملية فدائية، بينما بلغت عام 1967م (96) عملية فدائية ناجحة.[c1]2 - حياة الفدائي في عدن[/c]كان الفدائيون يعيشون حياةً في منتهى التواضع والبساطة بين الناس وفقاً لما تسمح به ظروفهم المادية والشخصية والأمنية، أكان في مظهرهم الخارجي أو غذائهم... الخ.فالفدائي الذي كان متخفياً ـ مثلاً ـ يختلف وضعه عن زميله الفدائي الذي كان يعمل علناً من نواحي عدة كالمسكن والملبس والاطمئنان النفسي والعائلي وحرية الحركة، فالمتخفون لا يعرفون ماذا سيكون مصيرهم عندما ينامون هل سيستيقظون عند الفجر في المكان نفسه، أم سينقلون في منتصف الليل إلى مكان آخر، أو أنّهم سيظلون في سهد وسينامون في النهار، أو أنّهم سيصبحون فريسة في أيدي المخابرات البريطانية، وهكذا بالنسبة لحريتهم الشخصية فهي ليست ملكاً لهم طالما هم في وضعٍ لا يمكِّنهم من التحرك كما يرغبون، هذا إضافة إلى الأوضاع المعيشية الصعبة التي كانوا يعانون منها، حيث أنّ الظروف المالية للثورة لم تكن تسمح بأنْ يحصلوا على ما يريدون مالياً.. وكان يصرف للفرد المتخفي ثلاثمائة شلن ((15 ديناراً)) في الشهر في أحسن الأحوال، وفي بعض الأوقات لم تـُستلم المعونات لأشهرٍ متتالية لأسباب عدة ولولا المساعدات التي كانت تقدم لهم من أسرهم وتعاون المواطنين في رعايتهم لكانت أوضاعهم أتعس بسبب عدم استقرار الأوضاع المالية للجبهة القومية.. وما عانته من مصاعب نتيجة لسياستها، وخصوصاً بعد اتضاح خطها السياسي، عند صدور الميثاق الوطني الذي حدد أهداف الثورة.إنّ أدق وصف يمكن أن يُوصف به الفدائي آنذاك هو أنّه كان يعيش في خطر دائم طالما يناضل، فهو معرض للاعتقال أو القتل، ولذلك فإنّ من أهم ما كان يمكن أن يستفيد منه الفدائي ويحرص عليه :ـ التزامه الكامل بالتعليمات ونظام السرية الكاملة.ـ سرية تحركاته واتصالاته وسكنه.ـ الاحتياطات الضرورية عند اختلاطه بالمواطنين.ـ الحذر واليقظة الدائمة في سلوكه ونشاطه اليومي.إنّ كل ذلك يُعتبر من الشروط الأساسية وأي تجاوزٍ وتساهلٍ في أية مسألة من هذه المسائل من شأنه أن يؤدي إلى أخطاء كبيرة وخطيرة على الفدائيين والعمل النضالي عموماً. لقد كان من ضمن ما تناقشه الأطراف القيادية بشكل دوري، هو الأوضاع الخاصة التي تحصل وتصادف المناضلين، وكذا بعض الثغرات في سلوكهم، وكانت تساعد إلى حدٍ كبيرٍ في عملية تجاوز الثغرات والأخطاء كان بعضها يقع بسبب تدني الوعي، وبعضها نتيجة للوضع الخاص الذي كان يعيشه المناضلون. وكان للنقد والمحاسبة على الخروقات والأخطاء التي ترتكب من قبل المناضلين في اجتماعاتهم دور وتأثير في الحفاظ على المقاييس.لقد ساهمت مثل هذه التربية ـ رغم مركزيتها المطلقة ـ في تجنب العديد من الأخطاء خصوصاً وأنّ بساطة وتواضع شعبنا تجعل الثقة سمة سائدة بين أوساطه. هذا من جهةٍ ومن جهةٍ أخرى فإنّ تدني الوعي بحكم الهيمنة الاستعمارية لبلادنا شكلت ثغرة احتلت مكاناً مهماً وأثرت تأثيراً كبيراً على مجرى النضال العام أكان في مرحلة التحرير أو بعد الاستقلال بسبب عدم وجود تقاليد للطبقة العاملة، وعدم وجود مستوى ثقافي معين أسوةً ببعض البلدان المتقدمة، وكذلك الصراعات التي عاشتها الساحة اليمنية عبر التاريخ، وتعدد الأنماط الاقتصادية وتخلف القوى المنتجة وعَلاقات الإنتاج، تخلفاً شديداً، وعدم الاستقرار الداخلي والانقسامات اليمنية الداخلية.[c1]3 - جهاز الأمن في مرحلة التحرير وأهميته :[/c]كان من أولى اهتمامات الجبهة القومية ضرورة وجود جهاز أمن للثورة، يقوم بعملية الحماية من خلال المعلومات عن العملاء والجواسيس المحليين والأجانب من جهة. ومن جهةٍ أخرى من أجل وضع الإجراءات والاحتياطات الضرورية اللازمة لحماية التنظيم السياسي وعناصره المدنية والعسكرية ونشاطاتهم، يساعد على جمع المعلومات عن أي هدف أو أهداف يُراد بها توجيه الضربات إليها، ويقيّم ويُحّلل أية معلومات عن الرأي العام المحلي وعن العناصر المندسة والمشبوهة، وفحص العناصر المرشحة ويساعد على انضباط الأعضاء وسرية تحركاتهم، كما يقوم في الوقت نفسه بجمع المعلومات عن مواقع الإنجليز وعملائهم وتحركاتهم ضد الجبهة القومية وقواعدها ويجمع المعلومات عن نواياهم، ويساهم في تنقل الأعضاء القياديين من مكان إلى آخر ومن منطقة إلى أخرى وعلى توفير المنازل السرية ونقل بعض المواد والإمكانيات وتوفير بعض التغطيات عند الضرورة. لقد لعب هنا الجهاز دوراً إيجابياً في مرحلة التحرير، وساعد على شن العديد من العناصر التي وُضِعَ حد لها.وعلى الرغم من الخبرة الشحيحة والمتواضعة جداً لهذا الجهاز، إلا أنّه بفضل دور القطاع التنظيمي الشعبي الذي كان من المصادر المهمة لتزويد الجهاز حقق نتائج مفيدة جداً لعبت دوراً مهماً في إحباط العديد من المحاولات التي كان يمكن للإنجليز أن يحققوا نجاحاتٍ من خلالها.إنّ هذا التشكيل المحدود الإمكانيات كان ضرورياً رغم شحة الخبرة؛ لأنّ تجارِب عدة أثبتت أنّ أي تنظيم سري يناضل ضد عدو مؤهل وشرس لابد له من جهاز أمنٍ يحمي نشاطاته ونضال أعضائه، ويضمن لهم إمكانية الحركة ويقلل من الخسائر المحتملة أثناء فترة الكفاح المسلح.على أنّ الدور الذي لعبه الجهاز لا يعني أنّه لم تكن هناك أخطاءً وثغرات، ومنها أنّ قيادة الجهاز في ((تعز)) وإمكانياتها كانت محدودة جداً ونشاطها هو الآخر شبه مفقود بل ويمكن أن نقول إنّ قيادة الجهاز كانت معزولة عن جبهات القتال. وإضافة إلى انشغالها في بعض المسائل المتعلقة بأمورٍ داخلية، وفي فترة من الفترات أرادت تسخير الجهاز لصالح قناعات أفراد معينين، كما أنّها لم تقم بعملية تأهيل الأفراد، بل حدث ذلك بحكم اكتساب الخبرة والتجربة أثناء تأدية مهامهم. وكان جهاز الأمن للعمل الفدائي في جبهة عدن مستقلاً عن جهاز الأمن المركزي في تعز ويُعاد من قبل المسؤول الأول لجبهة عدن.وأنّ ما يميز فعالية الجهاز داخل مدينة عدن هو أنّ القيادة في تعز لم تكن تعرف أية تفاصيل عن الجهاز ونشاطه، حيث أنّ السرية لم تسمح إلا للقيادة اليومية المحلية داخل جبهة عدن وحدها بمعرفة نشاطه، التي كانت تتحمل كافة المسؤوليات المباشرة وغير المباشرة عن هذا الجهاز وغيره من القطاعات الأخرى، وهذا ما ساعد على تحقيق نتائج إيجابية ومفيدة للثورة.وبهذا الخصوص فإنّ مؤرخي الثورة اليمنية ينبغي أن يدققوا في العديد من المسائل التي تتعلق بنشاط الأجهزة التابعة للجبهة القومية، لأنّ تجرِبة الثورة في الشطر الجنوبي من اليمن رغم عمرها القصير، إلا أنّها غنية جداً بحكم عوامل مختلفة تمكنت من خلالها أن تصل بالإمكانات المتواضعة إلى تحقيق انتصارات عظيمة، وطنياً، عربياً ودولياً، جعل حلفاءها وأصدقاءها يحترمونها ويدعمونها، وأكثر أعداؤها من التركيز والتآمر والتخريب عليها بهدف تركيعها تارةً والقضاء عليها تارةً أخرى.[c1]4 - الأسلحة التي استخدمها القطاع الفدائي في مدينة عدن[/c]إنّ العودة إلى دراسة وتقييم الماضي والوقوف أمام حجم ونوع وفعالية الأسلحة التي كان يستخدمها الفدائيون في مدينة عدن تجعل في الحقيقة من أولئك الذين هُم على إلمام بتجارِب حرب العصابات في الريف أو العمل الفدائي في المدن، لا يصدقون أنّ كل تلك العمليات الفدائية في قلب العاصمة عدن أو الأرياف طوال السنوات الأربع من 14 أكتوبر 1963م حتى 30 نوفمبر 1967م، وفي مواجهة أحدث الأسلحة الإنجليزية الفتاكة والضخامة العددية في القوات البريطانية المتدربة تدريباً عالياً.. لا يصدقون أنّها من نوع تلك الأسلحة التقليدية المتخلفة التي استخدم بعضها في الحرب العالمية الأولى.وبنظرة فاحصة لتلك الأسلحة التي استخدمتها الجبهة القومية إبان الثورة، وتحديداً أنواعها وفعاليتها وجدواها سنجد أنّها كانت في الواقع رديئة ومتخلفة، بل وأنّ بعضها لقدمه وفساده كان سبباً في فشل بعض العمليات العسكرية. ومع ذلك وفي حالات أخرى فإنّ العمليات العسكرية نجحت لأنّ العنصر البشري اليمني استطاع إجادة استخدامها حس الإمكانات! ويمكن الإشارة إلى نماذج من هذه الأسلحة التي استخدمها المناضلون في حرب المدن وحرب العصابات في ريفنا اليمني : ـأ ـ فرخ رشاش عيار 9 ملم صنع إنجليزي ((استن جان)).ب ـ رشاش بور سعيد عيار 9 ملم صنع مصري.ج ـ رشاش لانكستر عيار 8 ملم صنع سوفيتي.د ـ رشاش برن عيار 303 صنع إنجليزي.هـ مدفع ((بلاندسيد)) أو ما كان يُعرف في عدن ((باالبازوكا))، صنع إنجليزي.و ـ مدفع عيار 82 ملم.ز ـ مدفع عيار 2 بوصة.ح ـ مدفع عيار 3 بوصات.ط ـ مسدسات متنوعة، بلجيكي، إسباني، فرنسي، إنجليزي، وهي غالباً مستخدمة، ما عدا المسدسات الفرنسية التي اشتريت أواخر 1966م كانت جديدة وفعالة.ي ـ مفرقعات بأنواعها (تي . إن . تي) وغيرها، ألغام ضد الآليات رقم (5) و(7) صنع إنجليزي.ك ـ قنابل يديوية صيني الصنع وإنجليزية وسوفيتية.هذه هي الأسلحة التي استخدمت في العمل الفدائي في عدن، حيث لم يُعرف العمل الفدائي في منطقة عدن الرشاشات الأوتوماتيكية إلا في منتصف عام 1966م ((نوع آلي)) ((كلاشنكوف)) وبعدد محدود جداً لا يزيد عن عشر قطع، وقد لعبت دوراً فعالاً نتيجة لفعاليتها.وكان الفدائيون يقومون بعملية نقلها من منطقة إلى أخرى داخل عدن وحسبما تقتضي مهمات العمل الفدائي، وكم من مرةٍ كاد أن يقع العديد من العناصر وهم يقومون بنقل هذه الأسلحة بيد القوات البريطانية. وإلى جانب الأسلحة التي كانت تستخدم في مدينة عدن فقد كانت توجد البنادق الإنجليزية الصنع من نوع ((شرفا 303)) وهي قديمة جداً إلى جانب البندقية الألمانية القديمة ذات الاسم المحلي ((زاكي كرام)). وإضافة إلى ذلك، تمّ ابتكار مواسير مؤقتة صنعت محلياً شبيهة بمدفع (2) بوصة. وقد كانت تستخدم بأجهزة توقيت موجهة للهدف المحدد.إنّ إيمان العنصر البشري اليمني بقضيته العادلة وتحمله لكافة المشاق، والمعاناة والمتاعب والحصار والعسف والاضطهاد، كانت هي العامل الأساسي والدافع المعنوي في تحقيق الانتصارات، وإلا كيف يمكن أن نفهم أنّ جماعة من عشرة أفراد من جيش التحرير في الضالع والشعيب، أو ردفان أو دثينة أو العواذل تضع كميناً لقافلة عسكرية وتنزل بها خسارة كبيرة وبهذه الأسلحة المتخلفة غير الصالحة للاستعمال في عصرنا الراهن.لقد حدث كما سبق الإشارة إليه أنّه في أكثر من مرة كان الفدائيون يجدون أنفسهم وجهاً لوجه أمام الإنجليز، بأسلحتهم الفعالة مقابل أسلحة الفدائيين القديمة التي ليس لها فعالية من ناحيةٍ ومن ناحية أخرى، إنّ العديد من العمليات كان مصيرها الفشل، إما بسبب الذخائر الفاسدة، أو بسبب أنّ الأسلحة نفسها غير صالحة للاستعمال ... وهناك نماذج كثيرة منها ما وقع عند محاولة اغتيال أحد كبار ضباط المخابرات البريطانية ((مستر وايجت)) أو عند ضرب مطار عدن عام 1965م بقذائف ((البلاند سيد))، حيث تمّ ضرب الأهداف داخل المطار، إلا أنّ القذائف لم تنفجر جميعاً، وفي العمليات التي يتم تبادل إطلاق النار فيها مع الإنجليز، كان بعض الفدائيين يفاجأ بأنّ أسلحتهم غير صالحة للاستخدام، ومع ذلك وعلى الرغم من تخلف هذه الأسلحة فقد كان يتم الاستفادة القصوى منها وتشديد النضال في مختلف الجبهات. مع أنّه كان يمكن أن تكون الفعالية أكثر وأكبر فيما لو كانت قد توافرت أسلحة مناسبة، خصوصاً وأنّ كثيراً من الفدائيين كانوا يخرجون وهم في شكٍ من الأسلحة التي سوف يستخدمونها وبالتالي غير واثقين من قدرتها على أن تؤدي الغرض المطلوب منها في العمليات.كما أنّ هناك قضية أخرى هي نقص التدريبات على المواد المتفجرة التي كانت تستخدم في العمليات، وخسرت الثورة بعض الأفراد وأصيب البعض منهم حيث استشهد ((علي الدلالي)) و((منصور أحمد هادي)) بسبب ذلك : الأول كان مكلفاً بتجهيز العبوات الناسفة لنادي الضباط الإنجليز، والثاني كان مكلفاً بتجهيز العبوات الناسفة من أجل القيام بعمليات نسف داخل المطار حينما اشتد الصراع بين النقابات الست وشركة عدن للطيران بسبب مواقفها المعادية للنقابات ورفضها لنداء الثورة.لقد كانت الأسلحة التي استخدمتها الثورة حتى النصف الأول من العام 1966م لا تساعد على تحقيق بعض الطموحات لتوجيه خسائر كبرى للقوات البريطانية، وذلك يرجع إلى الظروف التي واجهتها الثورة ومصدر دعمها الشحيح. وعدم توفير الإمكانيات العسكرية الفعالة والكافية، بسبب عوامل عديدة كان من أسبابها، نظرة بعض القوى لفك الحصار على ثورة 26 سبتمبر .. ولم تكن تعتقد بإمكانية تحقيق نجاحات وانتصارات للثورة. وهذا ما جعلها تعيد تفكيرها فيما بعد من خلال الحصار، وفرض سياسة تحالف. وما تعانيه اليوم التجرِبة من متاعب ومخاطر وتآمرات هو امتداد لفرض تلك القوى خطها السياسي وموقفها من الثورة في اليمن الديمقراطية.[c1]دور الإعلام السياسي والجماهيري[/c]لعب الإعلام السياسي في حركة التحرر الوطني ضد الاستعمار وعملائه دوراً كبيراً وواسعاً في إيقاظ الوعي والحماس الوطني وجذب المواطنين إلى أتون الثورة ورفع من فعالية نشاطهم الكفاحي إلى جانب المناضلين من فدائيي الجبهة القومية وجيش التحرير الشعبي والمواطنين في المرحلة منذ ثورة 26 سبتمبر 1962م.. وازداد هذا الوعي والحماس اشتداداً وعمقاً واتساعاً بعد قيام الثورة في الجنوب في 14 أكتوبر 1963م، ثمّ نما وتطور في الفترة من 1964 ـ 1967م، وعزز من ثقة الشعب بقيادة الثورة بعد إحراق مطابع الصحف التي كانت تشكل بوقاً خطيراً معادياً للكفاح المسلح وللثورة ولإرادة شعبنا في النضال لتثبيت النظام الجمهوري الجديد في شمال الوطن، وتحرير الجنوب اليمني المحتل من الاستعمار.وكان لوقع الإعلام السياسي الواسع أهمية حيوية، لأنّه لخص وترجم آنذاك معاناة شعبنا من اضطهاد الاستعمار الإنجليزي والحكم السلاطيني... وبرز بشكل أكثر جلاءً في ظل الهياج والحماس الفياض لجماهيرنا اليمنية بعد قيام الثورة. [c1]العناصر القيادية من الفدائيين إبان مرحلة التحرير وأبرز العناصر الفدائية : [/c]عبدالفتاح إسماعيل علي (عمر).فضل محسن عبدالله (معروف).محمد صالح عبدالله (مطيع).عبدالعزيز عبدالولي ناشر (قادري).سالم ربيع علي (سالمين)صالح عبدالله باقيس (الحاج صالح).فضل عبدالله.عبدالله أحمد حسن (عبدالسلام)حسن علي الزغير (بدر).مهيوب علي غالب (عبود).عبدالنبي محمد مدرم.أحمد سالم طوحل (عباس).علوي حسين عمر (فرحان).ناصر عبدالله الحداد.ناصر عوض أحمد السعدي.أحمد علي العلواني (حسان).أحمد ناصر الخادم.علي عوض الحداد.عمر محمد الحداد.يوسف علي بن علي.عبدالله أحمد الخامري.محمد سعيد عبدالله حاجب (محسن).عبدالرب علي محمد (مصطفى)رضوان عبدالرحمن.عبدالكريم سلام (صالح عبدالكريم).صالح عبادي عبدالكريم (عفيف).خالد أحمد سعيد مفلحي.محمد علي باشماخ.راشد محمد ثابت.أحمد محمد سعيد.عوض محمد السعدي.صالح فهد علي.الخضر ناصر حسودي.صالح محمد السجر.علي مقبل مرشد.محمد أحمد الزواد.صالح عبدالله العنتري.سالم عبدالله سالم (ياسين).عبدالرب بن عبدالرب.محمد ناصر جابر.محمد علي عريم (أبو خالد).عبدالله محمد كمراني (جواد).أبوبكر عبدالله شفيق.محمد عبدالله الطيطي.حسين عبده عبدالله.ناصر عمر فرتوت.فارس سالم أحمدعلي ثابت حسن (الحجاج).أحمد محمد مدرم (حامد).عبدالكافي محمد عثمان.محي الدين أحمد سعيد.عبده هزاع (عبدالرحمن).قائد قاسم سعيد (عبدالحكيم)محمد أحمد علي.علي فرج (شاهين).منصور مطلاء.عمر أمعبد.فاروق مكاوي.صالح سعيد (الحكومة).عبدالله حسين مساوى (أبو هاشم).محمد هيثم يافعي.عبدالله محمد باهارون (سبولة).عثمان يوسف.عوض محمد جعفر.علي جاحص.حمود أحمد نعمان.عبده فارع النجادة.عبدالله محفوظ.عوض عبدالله ميسري.محمد حيدرة الجميل.جميل مشبق.عمر العلواني.أحمد ناصر الحماطي.صالح زيزيه.محمد علي الهميش.سالم عمر صالح.صالح محمد هيثم (البدوي).منصور أحمد هادي.صالح أحمد ملقاط.الجبل.محمد سرحان.محمد عبدالخالق.علي سالم يافعي.علي سالم مقبل.صالح الفاطمي.صالح عبدالله السقاف.أحمد علوي الشينة.(الدوح) علي محمد الدوح.علي محمد أمرهوه.عبدالله أحمد عمر.السيد حسين صالح.محمد سالم باهديلة.أحمد حسين المرتني.أحمد فضل (الممثل).علي شيخ عمر.علي صالح البيضاني.علي الشوبجي.محمد علوي عوذلي.عبده علي عبدالرحمن.علي محمد الدلالي.أحمد محمد دنبع.محمد علي طا لب.قاسم علي نشفة (لطفي).محمد أحمد سعيد.ثابت قاسم طاهر.سعيد فارع ثابت.علي محمد الفاطمي.قاسم عبدالله الجدل.عبدالجبار فضل.السيد صالح عيدروس.علي عبدالله مشدق.محمد سالم مدرم.صالح الأوصابي.عثمان علي سيف معمري.أحمد صالح العبيدي.محمد عبدالله العويطاني.إسماعيل محمد شمسان زريقي.علي عبدالنبي (كويس).البصير (استشهد في الحرب الأهلية).صالح عبدالله قشاش (عدن).علي سلام فوز.حسين عوض.عوض حسين يافعي.إسماعيل شيباني.إبراهيم سعيد طاهر.عبدالجليل محمد إبراهيم.شكيب محمد إسماعيل التواهي ـ مع عبده علي.خالد هندي.أحمد عبده الطاهر كان أبوبكر.محمد أحمد جازم كان السجن.محمد ناصر سعيد.عبدالعزيز سلام.محمد عوض مدرار.سالم محمد لحوس.أحمد محمد ناصر.محمد الرهوي.ناجي البرطي.عبدالله صالح هديل عودلي (جبران).محمد عمر العنتري (معرف).عبدالله محمد سيف (سرحان).علي سالم مقبل شعبي (رضوان).صالح ثابت (نعمان).سالم علي محمدعلي سالم البيض.أحمد صالح حيدره.مثنى سالم عسكر.صالح فاضل.الشيخ العبيدي.الجعري.المقبلي.منصور سيف مشعل.فضل عبدالله.عزب محمد فضل.حسين عبدالنبي.إبراهيم علي الزغير.عبدالله محفوظ .السيد علي (مختار).
جبهة عدن من الكفاح السياسي إلى الاستقلال
أخبار متعلقة