أضواء
المدينة الفاضلة هي مجرد حلم أفلاطوني مثالي لا وجود له، لأن البشرية بطبيعتها ترتكب الأخطاء دائما، وإذا كان الإنسان غير معصوم من الخطأ فإن التجمعات البشرية والشعوب والمدن أولى بارتكاب الأخطاء وعدم اتخاذ القرارات الصحيحة ومعالجة المشكلات بطرق لا تحقق أهدافها، كما أن في كل أمة وكل مدينة مجموعة من الأفراد الذين يرتكبون “الفظائع” سواء كان ذلك لأن قلوبهم قد ماتت وإنسانيتهم قد اختفت أو لأن الأمور أفلتت من أيديهم في لحظة ما وانحدروا إلى الهاوية.كل مدينة فيها سيئات، بما في ذلك المدينة المنورة في عهد الرسول الأكرم ـ صلى الله عليه وسلم ـ، حيث كان هناك منافقون وكان هناك أفراد ارتكبوا ما استوجب إقامة الحد عليهم، وإن كانوا قد تابوا وقبل الله توبتهم.ومع الانفتاح الإعلامي الذي يشهده العالم العربي في السنوات الأخيرة بدأت تظهر على السطح كثير من القصص الصادمة وغير المعتادة، ولو سألت أحدا من أهل تلك المدينة التي خرجت منها القصة لضرب كفا بكف غير متصور وقوع مثل هذه القصة في مدينته المحافظة، ولكنها الحقيقة المرة وهي أن هناك مشكلات اجتماعية وهناك جرائم وهناك أشخاصا خارج الإطار المقبول وهناك أشخاصا فقدوا القدرة على التفكير وهناك أحيانا كوارث تختفي خلف الجدران والأبواب، وهو أمر ليس بالجديد، وإن كان الجديد هو أن الإعلام بدأ يظهر ما خفى واستتر من قبل.هناك من يتعامل مع هذه التغيرات بالتأسف على الأيام الأولى وآخرون ينكرون ذلك ويتهمون الإعلام بالكذب وفريق ثالث يرمي باللائمة على الأعداء والإعلام الأجنبي وفريق رابع يؤكد أن الزمن قد اختلف والأمة تنتقل “من سيئ إلى أسوأ”.لكن العقلاء يعرفون أن هذا هو مجرد شتم للظلام لا يقدم ولا يؤخر. الحل هو أن نفتح عيوننا على الحقيقة ونعترف بالمشكلات ونبحث عن علاجها. نحتاج لأن نواجه أنفسنا بالحقيقة وأن نبحث عن الطرق الإيجابية لعلاج المشكلات. فيما يلي قائمة من “الاعترافات” التي يحتاج إليها كل أهل مدينة يريدون إصلاح مدينتهم ولا يريدون الاكتفاء بالغضب ورمي اللائمة على الآخرين: يجب أن نعترف بأن هناك فريقا من المخطئين بيننا، وأن هؤلاء لم يخطئوا لأنهم خلقوا سيئين بل لأن هناك عوامل وظروفا دفعتهم لارتكاب الأخطاء. يجب أن نعترف بأننا لا نعرف كل الظروف التي دفعت المخطئ لارتكاب الخطأ، وأنه لا يكفي أن نطالب الناس بالمثالية والفضيلة، وعلينا أن نعترف بأن الناس بشر ضعفاء ينقادون بسهولة وراء الخطأ، وأن علينا أن ننفق بسخاء على البحث العلمي والميداني الذي يساعدنا على فهم الأخطاء. يجب أن نعترف بأن إخفاء الحقيقة وستر المشكلات لا يعالجها، بل نحتاج لوضع المشكلة تحت ضوء الشمس حتى نستطيع إجراء الجراحة عليها.يجب أن نعترف بأن إيجاد الحلول أمر ليس بالسهل، ولا يكفي قرار رسمي سريع للعلاج، بل يجب أن تتلاحم جهود كل فئات المجتمع لإيجاد الحل وتطبيقه بالشكل الأمثل. يجب أن نعترف بأننا قد نختار الحلول بعناية، وهذه الحلول لا تنجح لسبب ما، وأن علينا أن نبذل كل جهد ممكن لتقييم مدى نجاح الحلول، والبحث عن الثغرات فيها، ثم نبحث عن كيفية تطوير تلك الحلول حتى نصل إلى الحل الأمثل.يجب أن نعترف بأن توجيه اللوم لأي جهة (سواء كانت خارجية أو داخلية) لا يكفي لعلاج المشكلة، وأن علينا أن نجد حلولا منطقية تلتف حول المشكلات وتحقق حلولا فعلية للمشكلات. يجب أن نعترف بأن حلولنا يجب أن تكون ممكنة التطبيق وليست مثالية، لأننا لو كنا مثاليين لما وقعنا في الأخطاء أصلا، وأن “المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى”. يجب أن نعترف بأن الناس متفاوتون في التزامهم بالأخلاق والقيم الفاضلة والعبادات، وإذا كان التدين يساعد البعض على الخروج من أزماتهم، فإن آخرين سيحتاجون لمساعدة المجتمع وتعاطفه ورحمته حتى يخرج من الأزمة. يجب أن نعترف بأن أخطاءنا ومشكلاتنا كثيرة جدا، وأن علاج هذه المشكلات يجب أن يكون أولوية تنموية حتى نتقدم.يجب أن نعترف بأن أمامنا رحلة من المصاعب قبل أن يضمحل الظلام! [c1]* صحيفة “الاقتصادية” السعودية[/c]