(أحمد الحبيشي) في عددها رقم 1004 الصادر يوم الخميس 29 ديسمبر 2005م الماضي نشرت صحيفة ( الصحوة ) الناطقة بلسان حزب التجمع اليمني للإصلاح مقالا افتتاحيا ً كتبه أمينه العام الأستاذ محمد اليدومي الذي ظهر من خلال سطور الافتتاحية حائرا ً بين مناهج وإرادات متناقضة في التفكير والعمل ، حيث تجسدت في هذا التناقض ملامح أزمة عامة يعيشها حزب الإصلاح بأجنحته المختلفة التي لا يجمعها سوى المراهنة على إمكانية توظيف الدين من أجل تحقيق أهداف سياسية ومصالح دنيوية في إطار ما يُعرف بالإسلام السياسي الحركي.بوسع القراءة الموضوعية لأسلوب وأفكار المقال الإفتتاحي أن تساعد على فهم ملامح الأزمة الداخلية التي يعيشها حزب الإصلاح تحت تأثيرمفاعيل الديمقراطية التعددية بعد ان أضطر الإخوان المسلمون للقبول بها غداة توحيد الوطن اليمني في إطار الجمهورية اليمنية التي ارتبطت ولادتها يوم الثاني والعشرين من مايو 1990م بالتحول نحو تأسيس ثقافة سياسية جديدة على أنقاض موروث فكري و ثقافي شمولي ذي نزعة أحادية إقصائية تدعي إحتكار الحقيقة وترفض التعدد والتنوع ، ولا تقبل التعايش مع الآخر المغاير ، حيث يمتلك التيار الإسلامي السياسي والتيار القومي والتيار الإشتراكي تراثا فكريا ً وسياسيا ً مشتركا ً لجهة الإدعاء بإحتكار تمثيل الدين والطبقة والوطن والقومية ، ووصم المخالفين بتهم الكفر والبدع والضلال والشرك و العمالة والخيانة والرجعية والماسونية! وزاد من حدة الأزمة التي أصابت حزب الإصلاح بالتنوع والتعدد في داخله تحت تأثير الإنخراط في العملية الديمقراطية والإعتراف ــ وإن على مضض ــ بالتعددية السياسية والفكرية ، والمشاركة في الحكم من خلال الإئتلاف الحكومي الأول مع المؤتمر الشعبي العام والحزب الإشتراكي اليمني بعد إنتخابات 1993 م ، والإئتلاف الحكومي الثاني مع المؤتمر الشعبي العام خلال الفترة 1994 ــ 1997 م ، ثم إنتقاله الى إئتلاف المعارضة المعروف بإسم (اللقاء المشترك ) الذي يشكل إئتلافا ً معارضا ً يجمع حزب " الإصلاح " مع أحزاب وتيارات فكرية وسياسية ومذهبية كان الإخوان المسلمون الذين يشكلون القوة الرئيسية المحركة لحزب ( الإصلاح ) يعادونها وبعتبرون أتباعها من أهل الكفر والعلمانية والروافض ، ولم يكن لهذا التغير في مواقف أطراف ( اللقاء المشترك ) أن يتحقق لولا القبول بالعملية الديمقراطية التعددية التي أجبرت النقائض على التعايش والتلاقح ، وما ترتب على ذلك من ميول نحو التأسلم السياسي من قبل بعض العلمانيين والعلمنة الليبرالية من قبل بعض الإسلاميين !! لا ريب في أن الإفتتاحية التي كتبها أمين عام حزب (الإصلاح ) في صحيفته المركزية تشير بوضوح الى أن ثمة مأزقا ً حادا ً يعيشه هذا الحزب بسبب تعدد وتناقض مناهج التفكير والعمل التي أفصح عنها اليدومي في قوله : ( ان صرير الأقلام وغزارة مدادها عامل حاسم في نتائج الجهود التي نبذلها ضد التخلف والقهر والإستبداد ) مؤكدا ًعلى ( أن الكلمة هي الأساس التي يرتكز عليه النضال السلمي لنيل الحقوق والحريات ، وهي بوابة الدخول الى حوار جاد بين مكونات الطيف السياسي ) .. وهنا تبدو بوضوح محاولة كاتب الإفتتاحية ترميم الجسور بين ثقافة العنف الجهادي التي ترسخت في أوساط واسعة من قواعد حزب الإصلاح بعد ان ارتبطت بالنشاط الحركي والتحريضي للحرس القديم المتنفذ في الحزب ، وبين ثقافة السلم المدني التي أفرزت ــ تحت تأثير الإتخراط بالعملية الديمقراطية ــ جيلا ً جديدا من الناشطين الشباب الذين أصبحوا بفعل توجهاتهم الليبرالية ذات المنحى العلماني في حالة صراع موضوعي مع جناح الملالي الذي يهيمن على مصادر القرار والأموال في حزب ( الإصلاح ) وجمعياته الخيرية وإستثماراته وشركاته وعقاراته المسجلة بأسماء شيوخ هذا الجناح !!. والحال ان إنحياز اليدومي الى جانب الكلمة وحرصه على إعلاء مكانتها كخيار ديمقراطي في العمل السياسي بقدر ما يؤشر على تحول مهم في الخطاب السياسي للتيار الإسلامي تحت تأثير مفاعيل العملية الديمقراطية التي ينخرط فيها ، بقدر ما يؤشر أيضا ً على ميول واضحة لتجاوز ميراث الثقافة الأحادية الإقصائية الشمولية التي تشكل إرثا ً ثقيلا ً لحزب ( الإصلاح ) بصفة عامة ، ولأمينه العام بصفة خاصة لجهة رصيده القديم في التحاور بلغة أخرى مع خصومه من مكونات الطيف السياسي عندما كان ضابطا ً في الإستخبارات ! بيد أن إنحياز اليدومي للكلمة وإصراره على الإنتصار لدورها في النضال من أجل نيل الحريات والحقوق ، والحوار الجاد بين مكونات الطيف السياسي سرعان ما يتعرض للإلتباس عندما قال في الفقرة اللاحقة من الإفتتاحية مباشرة : ( ان امتنا الإسلامية ونحن جزء منها تعيش حالة انفصام في غالب أحوالها بين دين يلزم أتباعه بمقاومة الطغاة والظالمين وقهر الجبارين واقتلاع جذور المستبدين وإستئصال شأفتهم من حياتها ، وبين واقع تمتهن فيه كرامتها ويسلب فيه حقها في إختيار من يقوم بخدمتها ويدير شؤون حياتها .. فالإسلام لا يكتفي من معتنقيه ان يصدروا بيانات الشجب والتنديد ضد الطغيان والظلم والجبروت ، بل يلزم أتباعه بالرفض والمقاومة ونبذ الفكرة الماكرة التي أسهمت في تخديرهم وإستسلامهم وإذلالهم ) . لا شك في أن القارئ اللبيب لا يحتاج الى جهد كبير لفهم المقصود بالفكرة الماكرة التي دعا اليدومي الى نبذها وإستئصال شأفتها بسبب إسهامها في تخدير الناس حسب قوله ، لكن اليدومي يدرك جيدا ً ان حزب الإصلاح شريك في النظام السياسي التعددي للجمهورية اليمنية ، ويلتزم بدستورها الذي ينص ــ ولو كره ملالي هذا الحزب ــ بأن المواطنين متساوون في الحقوق والواجبات أمام القانون ، وأن الشعب هو مصدر الحكم ومالك السلطة ، ويؤكد على مبدأ التداول السلمي للسلطة عبرصناديق الإقتراع ومن خلال انتخابات تنافسية وتعددية حرة ومباشرة تشارك فيها مختلف مكونات الطيف السياسي والتيارات الفكرية ، ويختار فيها الشعب ــ وليس أهل الحل والعقد ــ رئيس الجمهورية وأعضاء السلطة التشريعية والمجالس المحلية ، حيث يحق لمن يحظى بثقة غالبية الناخبين إدارة شؤون الحكم والسلطة التنفيذية والمحلية ، وما يترتب على ذلك من ضرورة إحترام الأقلية للأغلبية المنتخبة ، وإحترام الأغلبية لحقوق الأقلية في المعارضة والتعبير عن الرأي بالوسائل السلمية التي يضمنها القانون ، وهو ما ينفي عن النظام السياسي الديمقراطي صفة الإستبداد الذي يميز النظام الشمولي والدولة الدينية، كما ينفي عن الأغلبية المنتخبة صفة الطواغيت والجبارين ( الذين ينبغي مقاومتهم وإستئصال شأفتهم ) بحسب كلام اليدومي في افتتاحية (الصحوة ) . هكذا يتجلى مأزق اليدومي في فقرتين متناقضتين ومتلاحقتين في آن واحد ، حيث يدعو في الفقرة الأولى الى الإنتصار للكلمة والحوار بين مكونات الطيف السياسي ، فيما يدعو باسلوب مموّه وملتبس في الفقرة الثانية الى مقاومة الطغاة والظالمين وقهر الجبارين وإستئصال شأفتهم ، وهو ما لايمكن تحقيقه بسلا ح ( الكلمة والحوار بين مكونات الطيف السياسي ، وإصدار بيانات الشجب والإدانة التي زعم اليدومي ان الإسلام يرفضها ولا يجيزها ) بل بإعلان الحرب على الخيار الديمقراطي وممارسة العنف الجهادي ونبذ وإستئصال (الفكرة الماكرة التي أسهمت في تخدير الناس واستسلامهم للحكام الطواغيت ) !! ومما له دلالة ان نقرأ هذا الكلام في الصحيفة المركزية لحزب (الإصلاح ) الناطقة باسم حزب كبير يقدم نفسه في المعارضة كمدافع عنيد عن الديمقراطية والقيم المدنية وحرية التعبير وحرية الصحافة ، فيما يدعو صراحة وبدون مواربة الى الرفض والمقاومة وإستئصال الإفكار الماكرة ، زاعما ً بأن الإسلام يرفض ( بيانات الشجب والإستنكار ) بما هي وسيلة سلمية مشروعة للمعارضة عن طريق التعبير عن الرأي ، الأمر الذي يعيد الى الأذهان ما نشرته صحيفة (الصحوة ) نفسها في عددها الصادر يوم الخميس 13 يونيو 2002 م ، وفي صدر الصفحة التي كانت تصل الى هيئة التحرير جاهزة من الأمانة العامة في إطار برامج الدعوة والتثقيف والتربية العقائدية ، قبل ان يضطر الزميل نبيل الصوفي رئيس التحرير المعزول الى إلغائها بسبب الشكوك التي تثيرها الموضوعات المنشورة في تلك الصفحة حول مدى مصداقية التزام ( الإسلاموين ) بقواعد العملية الديمقراطية في حالة وصولهم الى السلطة ، حيث نشرت ( الصحوة ) في العدد المشار اليه مقالا تثقيفيا دعويا قالت فيه باسلوب يشبه كثيرا ً افتتاحية اليدومي الصحوية الأخيرة ( ان الإستسلام لمسمى الديمقراطية بمعنى خضوع الأقلية للأغلبية هو كفر صريح ، لأنها تتناقض جذريا مع الدين الذي يجعل السيادة والحاكمية لله وحده بينما تجعله الديمقراطية للأغلبية ) .. ثم يمضي المقال قائلا ً : ( أما اذا كان التعامل مع الديمقراطية من منطلق التعامل المرحلي وعدم القبول المطلق بها ومن باب الموازنة بين المصالح والمفاسد واختيار اقلها ضررا ، فهو من مواطن الإجتهاد التي فيها مندوحة)!! وبحسب مقال ( الصحوة ) التثقيفي الدعوي يكون (الدخول في البرلمانات انما هو لنصرة دين الله و للامر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة الحجة على المرتابين ، والاّ فالبراءة والاجتناب هما الأصل في الموقف من هذه البرلمانات ، واذا كان الدخول في هذا الشراكة السياسية مسألة اجتهادية تختلف الفتوى فيها زمانا ومكانا وظرفا وحالا بحسب المقاصد الشرعية ، فان الخروج منها يخضع لنفس المعايير والموازنات الفقهية ، بشرط ان يحدد ذلك العلماء واهل الحل والعقد ) ــ راجع الصحوة 13 يونيو 2002 م ــ !!!خطاب ملتبس نحن الآن امام خطاب ملتبس إضطرته شروط الإنخراط السلمي في العملية الديمقراطية الى المواءمة بين الشعار المركزي للإخوان المسلمين الذي يتكون من مصحف وسيف وتحتهما كلمة ( وأعدوا ) ، وبين متطلبات التكيف مع العملية الديمقراطية السلمية التي وجد الإخوانيون أنفسهم مضطرين للتعاطي معها من خلال التنظيمات التي يستخدمونها كغطاء للنشاط السياسي ووسيلة للوصول الى السلطة وإقامة الدولة الدينية !! ما من شك في أن حديث اليدومي عن ضرورة إعلاء دور الكلمة في النضال السلمي من أجل نيل الحريات والحقوق المدنية ، والحوار الجاد بين مختلف مكونات الطيف السياسي قد يبدو منطقيا ً من زاوية التكيف مع قواعد العملية الديمقراطية التي لا يوجد لدى الإخوان المسلمين رصيد فكري وسياسي يعمق ايمانهم بها وممارستها والتسليم لنتائجها باعتبارها ( فكرة ماكرة تسهم في تخدير الناس واستسلامهم للأمر الواقع ) الأمر الذي يستوجب نبذ هذه الفكرة واستئصالها بحسب اليدومي الذي حرص في افتتاحيته الصحوية على أن يوهم القراء بأن ما يقوله بهذا الصدد هو من تعاليم الإسلام ونواهيه .. لكن اليدومي يصعقنا بدعوته الصريحة للمقاومة والإستئصال ، بدلا ً من التسليم لنتائج الإنتخابات وممارسة المعارضة السلمية والأعتراف بحق الأفكار المغايرة بالتعبير عن نفسها بالوسائل المشروعة . يتجلى في هذا السياق جانب من إزدواجية مناهج التفكير والعمل في فسيفساء الثقافة السياسية المركبة لحزب ( الإصلاح ) بما هي خليط من أفكار ينتمي بعضها الى موروث الفكر الشمولي الأحادي ، فيما ينتمي البعض الاخر الى مخرجات عملية القبول بالديمقراطية التعددية والإنخراط فيها وما يترتب على ذلك من تلاقح وآثار ونتائج ، مع الأخذ بعين الإعتبار ان المرء لا يحتاج الى جهد كبير للتعرف على جذورالموروث الفكري الشمولي لحزب (الإصلاح ) في المصادر والمراجع الفكرية لايديولوجيا الإسلام السياسي عبرمختلف مراحل العمل الحركي للإخوان المسلمين الذين يشكلون القوة المحركة الرئيسية لهذا الحزب . تقوم الآيديولوجيا السياسية لجماعة الإخوان المسلمين كما حددها مؤسسها حسن البنا على الربط الوثيق بين المصحف والسيف اللذين لا بنفك أحدهما عن الآخر .. وبحسب هذه الآيديولوجيا يعتبر الحكم عند هذه الجماعة من العقائد والأصول وليس من الإجتهادات الفقهية والفروع ، فالإسلام جهاد وعمل ودين ودولة على قاعدة البيعة التي عرفها حسن البنا بأنها تنازل عن الإرادة الذاتية للعضو يقدمه طائعا ً مختارا ً للمرشد مقابل ان يتحمل المرشد كامل المسؤولية أمام الله ، فالطاعة للمرشد واجبة و لا مجال للنقاش او المخالفة أو الخروج عن البيعة !! ولئن كانت هذه الأفكار تتعارض مع قيم الحرية والديمقراطية التعددية ، فإن القول بضرورة المقاومة والإستئصال ــ على نحو ما جاء في جانب من افتتاحية (الصحوة ) التي كتبها اليدومي ــ يتعارض هو الآخر مع أدوات التغيير الديمقراطي السلمي بواسطة المعارضة بالرأي والفكر ، والدعوة الى الإصلاح بالبرامج السياسية التي أشار اليها اليدومي بصورة ملتبسة في إحدى فقرات الإفتتاحية ، ثم نسفها صراحة ً في الفقرة اللاحقة عندما تحدث عن الرفض والمقاومة وعدم جواز بيانات الشجب والإستنكار التي ينهي عنها الإسلام ولا يجيزها !!! يمكن البحث عن جذور هذا الإلتباس في إستمرار مفعول الإرث الثقافي الشمولي لآيديولوجيا الإسلام السياسي المعاصرعلى نحو ما نجده في أدبيات الإخوان المسلمين خصوصا ابو الحسن الندوي الذي كان أول من أطلق في الخمسينات صفة الجاهلية على المجتمعات الإسلامية وغير الأسلامية في كتابه : " ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين " ، ثم جاء بعده سيد قطب الذي كتب مقدمة ذلك الكتاب مبدياً إعجابه بوصف تلك المجتمعات بالجاهلية ، وصولا ً الى الإقتناع في الستينات بضرورة مقاومة تلك المجتمعات الجاهلية بالقوة وليس بالدعوة فقط ، مستنكراً في كتابه ( معالم في الطريق ) حصر الدعوة على اللسان والبيان ، و داعيا ً الى إستخدام القوة لإزالة العقبات التي تحول دون إستئصال الجاهلية الحديثة ــ بحسب وصفه ــ و إقامة الحاكمية). ثم يأتي بعد ذلك محمد عبدالسلام فرج الذي أصدر في نهاية السبعينات كتابه الشهير ( الفريضة الغائبة ) مشددا ً على ( أن طواغيت هذه الأرض لن تزول إلا ّ بالمقاومة والإستئصال بقوة السيف ) ، وهي ذات الأفكار التي انتشرت في حقبة الجهاد الأفغاني التي كان للإخوان المسلمين باع طويل في تجنيد وارسال الشباب والصبيان الى أفغانستان والشيشان والبوسنة والهرسك لمحاربة ( أعداء اميركا ) طوال الثمانينات ومطالع التسعينات ، ثم اتخذت منحى جهاديا ضد فسطاط الكفر على مستوى العالم بأسره بعد تأسيس الجبهة العالمية لمقاتلة اليهود والنصارى وجهازها السري الخاص ( تنظيم القاعدة ) على هدى خبرة الإخوان المسلمين في تأسيس أجهزة سرية مسلحة تختفي خلف واجهتها السياسية العلنية . ولا نبالغ حين نقول ان ثمة تناسق في النسيج العام للفكر السياسي الإخواني إبتداءً بأفكار وبيانات وأدبيات جماعة الأخوان المسلمين منذ تأسيسها في نهاية العشرينات وحتى اغتيال مؤسسها الشيخ حسن البنا في نهاية الأربعينات ، مرورا بأفكار الرعيل الثاني من جيل المؤسسين في الخمسينات والستينات ، وإنتهاءً بالجيل الثالث الذي انفجرت فيه شحنات التربية الفكرية الإخوانية لتسفر عن ولادة صحوة جديدة للإسلام السياسي تزامنت مع إنتشار الجماعات السلفية الجهادية المقاتلة ، وتزايد أعمال العنف و جرائم الإرهاب التي تغذيها ثقافة التعصب والفكر التكفيري والفتاوى الدموية القاتلة .ومما له دلالة عميقة أن تمتلئ محلات التسجيل الإسلامية التابعة لحزب ( الإصلاح ) في مختلف محافظات الجمهورية ، بشرائط التسجيل الصوتية والكتب والمحاضرات المطبوعة التي يتم توزيعها على أعضاء هذا الحزب ، وتتضمن تحريضا على محاربة أتباع الأديان السماوية ، وتكفير الأحزاب القومية والإشتراكية والشيعية والفرق الصوفية . وحتى لا نتهم أحدا ً بالباطل ، بوسع القراء الكرام مراجعة أشرطة الشيخ عبدالله صعتر عضو مجلس شورى حزب (الإصلاح ) التي قال فيها ( انه لا يجوز أن يبقى شبر في الأرض لا يحكمه الإسلام ، أو أن يبقى إنسان في الأرض لا يؤمن بالإسلام ، فالله لم يرسل رسوله وأتباعه ليقول لهم إدعوا فقط واقعدوا في مكانكم ، بل قال لهم وقاتلوهم .... فالمعركة قائمة لهذا الغرض والصراع مستمر على هذا الأساس ) !!!!!! وثمة شريط آخر( لقيادي إصلاحي ) يقول فيه كلاما ً يشبه ما قاله اليدومي في إفتتاحيته الصحوية : ( يا أعداء الإسلام .. الدولة لن تحميكم فساعة الطوفان قادمة ، ولا عاصم من غضب الله ، فلا حرية للمبتدعين وأهل الضلال ، ولا رأي ولا رأي آخر وغير ذلك من الأفكار الماكرة بين المؤمنين وأعداء الله ) !!!!!! ومن الصعوبة بمكان فصل الدعوة الى المقاومة والإستئصال التي بشر بها اليدومي في افتتاحية ( الصحوة ) ، عن ثقافة العنف والتطرف التي توهم من يعتنقها بالنجاة من النار ، وتصف من يخالفها بالكفر والضلال ، ثم تربط الإنضمام الى الفرقة الناجية بالسمع والطاعة ونبذ المفارق للجماعة وجهاد أهل الكفر والشرك و الرأي والبدع .خطاب الإستئصال و ثقافة التعصب يثير الإلتباس الحاصل في إفتتاحية ( الصحوة ) التي كتبها أمين عام حزب ( الإصلاح ) تساؤلات مشروعة حول مدى تحرر هذا الحزب من إرث الثقافة الشمولية التي مازالت تلعب دور حاضنةٍ تغذي خطابا ً تحريضيا ً يستثير في المتلقي منطقة اللاوعي ، ويستولد منها أفعالا ً عنيفة وعصبية ضد المغايرين والمخالفين الذين يدعو اليدومي ــ في الوقت نفسه ــ الى إعلاء دور الكلمة في الحوار معهم ، بينما يقدم في فقرة أخرى تأويلا حزبيا ً و ًسياسيا ً ضيقا َ للدين بهدف توظيفه لتسويق خطاب ( المقاومة والإستئصال ) !!! وإذ يحرص اليدومي على عرض بضعة سطور عن دور الكلمة في التغيير والحوار والنضال من أجل نيل الحريات والحقوق بهدف التمويه على الأهداف الحقيقية التي يسعى اليها حزبه عن طريق الإنخراط في العملية الديمقراطية ، فإن تلك السطور لا تخلو من البعد الإعلامي للخطاب الديني الذي ينظم ثقافة العنف والمقاومة والإستئصال والجهاد ، حيث يتحول المسجد ــ الذي يصر حزب ( الإصلاح ) على إستخدامه كأداة في الدعاية السياسية ــ من دار عبادة الى واسطة إعلامية ، شأنه في ذلك شأن وسائط أخرى مثل الصحف الحزبية وشرائط التسجيل الصوتية وشرائط الفيديو وشرائط الأناشيد التحريضية ، علما ً بأن حزب ( الإصلاح ) يمتلك رصيدا ً لا ينكر من الخبرات في مجال إضفاء طابع تخييلي وتهييجي ــ في آن واحد ــ على الخطاب الدعوي ( الدعائي ) الذي ينتج ثقافة العنف والتعصب بهدف الحصول على إستجابة حماسية تغيب عنها الرؤية ويسودها الإنفعال الذي يتحول الى عنف يستولد التطرف والقمع والإرهاب من رحم الإرث الفكري الشمولي . يقودنا الإلتباس الحاصل في نسيج أفكار افتتاحية اليدومي الى الإستنتاج بأن حزب التجمع اليمني للإصلاح مزدوج بين ثقافتين مختلفتين وطريقتين متغايرتين في طرائق التفكير والعمل .. الأولى تدعو الى الحوار مع الآخر والإعتراف به وممارسة المعارضة بالكلمة والوسائل السلمية ، فيما تشدد الثانية على أن أتباع الفرقة الناجية مأمورون بعداوة ومجاهدة أهل الكفر والشرك و البدع والمكر والضلال ، وتحض على التشريد بهم والتنكيل بمن انحاز الى جانبهم بالقتل فما دونه بحسب مراجع أصولية!! والحال ان الديمقراطية التي أضطر الأخوان المسلمون الى القبول بها تجعل التنوع والتعدد طبيعيا َ في سياق المباراة السياسية يبن مختلف قوى المجتمع المدني التي تسعى الى الفوز بالسلطة كأداة للتغيير السلمي وقيادة التحولات السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية .. وفي ظل الديمقراطية يكون التنوع والتعدد في الأفكار والرؤى طبيعيا ً وضروريا ً ايضا سواء داخل المجتمع المدني ، أو ً داخل كل الأحزاب والنخب والجماعات السياسية .. وفي الحالين يجب الفصل بين الدين الذي يقع في مجال اليقين المطلق والمقدس ، وبين السياسة التي تقع في مجال مدني نسبي قابل للصواب والخطأ والمراجعة ، حيث لا يقين في اجتهادات وأفكار وأفعال البشر بصورة مطلقة ، وهو ما حاول اليدومي جمعه في خلطة واحدة من خلال افتتاحية ( الصحوة ) على نحو يشبه خلطة (الحريو) التي تحظى بشعبية واسعة بين قواعد حزب ( الإصلاح )!!والثابت أن خلطة أفكارإفتتاحية اليدومي الصحوية تعبر عن حاجة حزب ( الإصلاح ) إلى تقليص رقعة الخلافات الحادة بين جناحين متناقضين حرص اليدومي على التوفيق التعسفي بينهما في سياق التناقض الموضوعي بين العقل والكهانة ، حيث يصر جناح الملالي على إضفاء نوع من السلطة المتماهية مع الدين على مواقفه و تصوراته وآرائه ومصالحه الدنيوية ، بيد أن الإعتراف بهذا التناقض والتباين والمراهنة على إمكانية إختزالهما والجمع بينهما على نحو ما تدل عليه الخلطة التي تتشكل منها أفكار افتتاحية ( الصحوة ) ، لا يجيز بأي حال من الأحوال التنازل أو التراجع عن نقد الميول والآراء التي تدعو الى إعلان الحرب على الديمقراطية عبر الدعوة المموّهة الى مقاومة نظام الحكم واستئصال جذوره بدعوى مقاومة الطغاة والطواغيت والمستبدين وإستئصال الفكر الماكر !!! وعليه فإن التيار الذي يسعى الى الإنتصار لدور الكلمة في الحوار مع مختلف مكونات الطيف السياسي بحسب ما جاء في احدى فقرات الإفتتاحية الصحوية مطالب ٌ اليوم أكثر من أي وقت مضى بمواصلة إجتراح آلام التجاوز للإفكار القديمة التي تعيق تقدم العملية الديمقراطية وتتعارض معها ، بما في ذلك محاولة توظيف الدين لتسويق أغراض حزبية وسياسية ، والتي لا تؤهل من يتعاطاها للصمود والنجاح في إختبارات الديمقراطية خصوصا ً وإن إستحقاقاتها تأتي عبر صناديق الإقتراع التي تتعارض مع الدعوة الى المقاومة والآستئصال وعدم جواز بيانات الشجب والإستئصال التي زعم اليدومي ان الإسلام لا يجيزها !!! و لاريب في ان حرص اليدومي على إرضاء الحرس القديم كان سببا ً أساسيا ً في تشويه جزء كبير من أفكارالإفتتاحية التي كتبها في ( الصحوة ) وتعريضها للنقد ، ما يعني ان قيودا عدة تكبل تيار الحداثة والتجديد في حزب الإصلاح الذي حرص اليدومي أيضا ً على إرضائه في بعض أفكار الإفتتاحية التي يرفضها الحرس القديم من خلال إصراره على التمسك بنوع من السلطة الدينية تشبها ً بالإكليروس ، حيث يحاول شيوخ الحركات الإسلامية ممارسة ( بروفة ) الحاكمية في الحياة الحزبية الداخلية تمهيدا ً لممارستها عند بلوغ السلطة إنطلاقا من الفكرة السلفية التي تقول " إن لم يكن للخليفة سلطان ديني فلن يكون للقاضي أو للمفتي أو لشيخ الإسلام حق ممارسة مثل هذه السلطة " !! يبقى القول ان التصدي لأضرار هذه الخلطة على مسيرة الديمقراطية وعلى حزب ( الإصلاح ) نفسه كشريك أساسي في هذه المسيرة ممكن جدا .. فالخلاف بين حزب (الإصلاح) والأحزاب والتنظيمات السياسية الأخرى وبضمنها المؤتمر الشعبي العام هو خلاف مدني وليس دينيا ً.. لأن الإسلام في مجتمع مسلم ومتدين كاليمن ليس بحاجة الى حزب يحميه بحسب ما تدل عليه بعض فقرات الإفتتــاحية الصحوية بشــــــــكل ممو ّه ، ولم يكن الإسلام أيضا ً بحاجة الى حزب كهذا طــــوال ألف وأربعمــــائة عـــام ونيّـــف !!ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــعن / صحيفة (22 مايو)
عندم يتحدث اليدومي بخطاب إستئصالي مقاوم
أخبار متعلقة