أضواء
في الكويت ضجة حول قانون منع الاختلاط في الجامعة بعدما تصاعدت المطالبة بوقف العمل به, وأخذ المتمسكون بهذا القانون يتبارون في اطلاق التهديدات, واستحضار الحجج والمبررات والتحذير من إسقاطه بحجة أن ذلك سيجلب الانحرافات والفساد والانحطاط الخلقي داخل الحرم الجامعي, وكأن منع الاختلاط هو حامي الحمى والحصن الحصين والدرع الواقي من كل المشكلات الاجتماعية, لكن على ما يبدو إن الضجة حول هذا الموضوع دخلت طرفاً أساسياً في الاطار السياسي وابتعدت عن الجانب الخلقي والاجتماعي, لأن المتمسكين بمنع الاختلاط لم يكلفوا أنفسهم عناء مراجعة الاحصاءات الرسمية أو التي أجرتها مؤسسات المجتمع المدني.جاء فيها بوضوح أن قضايا الانحرافات والاعتداء على الأعراض هي أقل من غيرها في المؤسسات ذات الطابع المختلط, علاوة عن أن قانون المنع تسبب في إفساد التعليم مهنيا ومنهجيا وماليا وسوى ذلك والادلة أكثر من أن تحصى, فلا سلامة المجتمع يضمنها منع الاختلاط, ولا ظواهر الفساد تسبب فيها اختلاط الذكور مع الاناث, فلا نغطي الشمس بالغربال, ولندرس بهدوء وبعقلانية, جوانب الافادة أو الضرر.ولسوف نرى أن السماح بالاختلاط يوفر حصانة ذاتية للأخلاق العامة, وهو ما نلمسه في كل المؤسسات والوزارات, والجمعيات والنوادي ومجمعات الأسواق والإدارات والبنوك ومؤسسات النفع العام, وهو ما نتأكد منه من طلابنا وطالباتنا الدارسين في عواصم العالم, وليس عيباً أن نتراجع عن قانون ثبت عقمه بالتجربة وتقادم الزمن.فدول كثيرة تصدر القوانين في أوقات معينة ثم تلغيها وتستبدلها بما هو أكثر توافقا مع متطلبات المجتمع وظروف التطور, وذلك فإن قانون منع الاختلاط أثبت عدم جدواه لأنه لم يوفر الحصانة الأخلاقية للناشئة من جهة, ولم يجر تطبيقه إلا في المراكز والمؤسسات التعليمية من جهة ثانية, وهو عمليا لم يستطع منع الاختلاط, ولنتصور ان قانونا صدر تحت ضغط ذوي العقول والتوجهات المحدودة والفئوية وبموجب أسلوب التراضي والمراعاة, ودعا لإلزام نساء الكويت ارتداء الحجاب, فهل سيلاقي أي استجابة؟وهل ستلتزم به نساء الكويت أم سيواجهن واضعيه بالأدلة والبراهين على أن الحجاب ووجوبه محل خلاف واجتهاد فقهي؟ وإذا كانت الضجة الموجودة الآن حول قانون منع الاختلاط كشفت وجها سلبيا لا يزال قائما في الكويت إلا أنها, ومن جهة أخرى, عكست شعورا لدى معظم المهتمين بأن الأكثرية الصامتة داخل البلاد بدأت تتحرك ولم تعد تخلد للتنويم وإنما بدأت تبحث بين القوانين عن حقوقها وواجباتها, وعما يصلح لها وللوطن, وما يمكن أن يكبل طموحها ومسيرتها نحو النهضة والانماء, وقد اتجهت لنفض الغبار عن قوانين عقيمة صدرت بمنطق “شيلني وأشيلك” واتضح بالتجربة أنها لا تعدو كونها قيودا تكبل إرادة الناس وتضر بمصالحهم.حتى قانون الزكاة ينطبق عليه الأمر نفسه, فالزكاة قناعة والتزام ديني وأحد أركان الإسلام, وعلى كل مسلم أن يطبقها بموجب إيمانه لا بسبب قانون مفروض عليه, فلا إكراه في الدين, ومن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر والله غني عن العالمين, وعقاب المتخلي عن الزكاة يأتي من عند رب العالمين, فهو ليس قانوناً وضعياً, وإذا كان المسلم لا يؤدي الزكاة إلا بقانون مفروض عليه فهل يكون إيمانه مستقيما؟أضف إلى ذلك, أن قوانين أخرى لو وضعت أمام مشرحة الرأي العام لتبين مدى إضرارها بالمجتمع الكويتي ومصالح الناس وبالمسار الاقتصادي, وعندما تتحرك الأغلبية الصامتة الآن, ومعها مؤسسات المجتمع المدني, فإنها حسنا تفعل ولو جاءت متأخرة, لأن قانون منع الاختلاط كان ينبغي على أولياء أمور الطلاب والطالبات المبادرة إلى المطالبة بالغائه وليس انتظار تحرك بصدده من قبل نواب أو وزيرة التربية, لأن هؤلاء الأولياء هم الأكثر دراية بأخلاق أبنائهم وهم الذين يعرفون كيف تولوا تربيتهم, وكيف حضوهم ضد مختلف الموبقات, وكيف ولدوا الثقة داخل نفوسهم بعدما أعدوهم لبناء المجتمع, وكان عليهم أن يدركوا أن سياسة العزل بين الطلاب والطالبات هي الأكثر سلبية والمورثة لأمراض اجتماعية خطيرة نقرأ عنها كل يوم, ولعل ثالثة الأثافي تتمثل في تلك التعميمات الخطيرة داخل مدارس الأطفال الأهلية والخاصة, والتي تم بموجبها إبلاغ الطلاب وهم في عمر الزهور بعدم الاقتراب أو اللعب مع الطالبات, لكأن عمر البراءة بات أسيراً في مدارس “طالبان”, وعلى الطفل أن يحصي خطواته ويقف على بعد أمتار محددة من زميلته داخل المدرسة وإلا اعتبر ذلك انتهاكا للأعراض!... فهل بهذه الوسائل والتعاميم ننشىء الجيل الصالح لبناء كويت الغد, أم أننا ننتج جيلا مكبوتا خائفا حذرا يحسب ألف حساب لأنفاسه ولأحلامه ولضحكاته البريئة؟قديماً كانت المرأة المسلمة تحارب مع الرجل, وتداوي جراح المجاهدين, فهل نتراجع اليوم, ونحن في القرن الواحد والعشرين, إلى أكثر من 1500 عام ونلتزم سياسة العزل والتحجر, ونمارس أسلوب الوأد الجاهلي لقيمة المساواة بين المرأة والرجل؟*عن / صحيفة “السياسة” الكويتية