مع الأحداث
القمة العربية هي المؤسسة الأم لمنظومة العمل العربي الجماعي ومؤتمر القمة السنوي الدوري هو الأب الشرعي الذي يمتلك وحده صناعة القرار العربي المشترك سواء في وقت السلم أو الحرب, واستشعارا لهذا أدركت القمتان الأخيرتان( الخرطوم2006, الرياض2007) أهمية كفالة تحقيق الأمن القومي العربي بصفة عامة فأقرت قمة الخرطوم قيام مجلس السلم والأمن العربي والذي أصبح منذ يوليو الماضي آلية من آليات الجامعة العربية تعمل علي إعداد استراتيجيات الحفاظ علي السلم والأمن العربي واقتراح التدابير الجماعية المناسبة إزاء أي اعتداء علي دولة عربية أو تهديدا بالاعتداء عليها واقتراح إنشاء قوة حفظ سلام عربية عندما تستدعي الحاجة, وبذل المساعي الدبلوماسية بما فيها الوساطة والمصالحة والتوفيق لتنقية الأجواء وإزالة أسباب التوتر لمنع أي نزاعات مستقبلية. وتعزيزا لهذا التوجه استحدثت قمة الرياض(2007) وبناء علي طلب مصر والسعودية تشكيل مجموعة عمل مفتوحة العضوية علي مستوي الخبراء المتخصصين لدراسة وتحديد طبيعة الأخطار والتحديات الراهنة والمستقبلية التي تواجه الأمة العربية نظرا لخطورة وتنوع مصادر التهديد التي تواجه العالم العربي والتي لم تعد تقتصر علي التهديدات الموجهة لأمن وسلامة واستقلال الدول العربية وسيادتها ووحدة ترابها الوطني وطلبت قمة الرياض إعداد مقترحات للتنسيق بين مختلف الآليات القائمة ووسائل تطوير وتفعيل المعاهدات وتنفيذ الاتفاقيات ذات الصلة.. ومن المفترض أن تنظر قمة دمشق التقرير الذي أعده الأمين العام للجامعة في هذا الشأن, يعني أن قمة دمشق تنعقد بعد يومين(30,29 مارس الحالي) وتكاد بنود جدول أعمالها تصب بطريق مباشر أو غير مباشر في هاجس الأمن القومي العربي وأكثر من أي وقت مضي. وتتحمل سوريا وحدها المسئولية القومية الأولي في إنجاح انعقاد القمة هذه المرة في دمشق صباح السبت القادم وذلك وفقا للترتيبات والضوابط التي تراها باعتبارها الدولة المضيفة, وبما يكفل التضامن العربي الكامل والمتكامل وتوفير الأجواء المناسبة لاتخاذ قرارات إستراتيجية عربية جماعية تحقق وحدة الصف والهدف العربي. وفي إطار مسئولية سوريا إزاء إنجاح القمة فإن دمشق تمتلك أدوات وخيارات عديدة عليها أن تعمل علي توظيفها التوظيف الأمثل إذا ساورها الشك في وجود عقبات أو تحديات تحول دون تحقيق أهداف القمة المنشودة.. ومن هذه الأدوات والخيارات نذكر علي سبيل المثال حق سوريا في الدعوة( في وقت مبكر) إلي عقد قمة عربية تشاورية لمعالجة القضايا الفرعية التي تحول دون نجاح القمة الأم(أي قمة دمشق).. والقمة التشاورية هي أحدث آليات منظومة العمل العربي المشترك وقد صدر بها قرار قمة الرياض في29 مارس2007 ويحق لأي دولة عضو بالجامعة العربية وللأمين العام للجامعة العربية الدعوة إلي عقد تلك القمة التشاورية بموافقة ثلثي الدول الأعضاء وذلك لمعالجة قضية عربية هامة أو عاجلة تستدعي التشاور لاتخاذ مواقف متجانسة أو مشتركة إزاءها. ويقوم مجلس وزراء الخارجية العرب والأمين العام للجامعة التحضير لانعقادها بناء علي طلب سوريا إذا أرادت خاصة وأن القمة العربية التشاورية هي قمة أجندة القضية الواحدة بمعني أن النقاش فيها يقتصر علي الموضوع الذي دعيت القمة من أجله وتكون جلساتها مغلقة ولا تلقي فيها بيانات عامة. ولا يحول عقد قمة تشاورية في أي وقت دون الالتزام بعقد القمة الدورية العادية في موعدها المحدد في شهر مارس من كل عام. لعل هذا يعد خيارا من خيارات أخري أمام سوريا التي تتحمل وحدها مسؤولية إنجاح القمة العربية ومن الخيارات الأخرى التي لدي سوريا وكان يمكن توظيفها التوظيف الأمثل قبل أسبوع أو أسبوعين قبل القمة هو خيار قيام الرئيس السوري برحلات مكوكية لعدد من العواصم العربية المشرقية والمغربية وممارسة دبلوماسية القمة للاتصال المباشر مع قادتها للمشاركة في تأمين انعقاد القمة ذاتها وإزالة أي لبس أو سوء فهم قد يعوق المشاركة علي مستوى القمة. ولعل الزيارات المكوكية التي يواصل الأمين العام للجامعة العربية السيد عمرو موسي القيام بها إلي بيروت ودمشق في الفترة الأخيرة نموذج من نماذج دبلوماسية الزيارات المكوكية مع أطراف الأزمة اللبنانية لمحاولة تجاوزها لصالح لبنان أولا وتصحيح مسار العلاقات الثنائية أو متعددة الأطراف للدول المجاورة للبنان وفي مقدمتها سوريا التي تعمل علي ترتيب نجاح انعقاد القمة علي مدي عام كامل(مارس2007 ـ مارس2008). تلك نماذج من خيارات عديدة تمتلكها دمشق وتقدر علي تفعيلها لعلها تبدد السحابات السوداء التي تظلل فضائيات القمة وتجيب علي تساؤلات حائرة تداعب عقول وقلوب كل مواطن عربي. [c1]* عن صحيفة (الأهرام) المصرية [/c]