محمد أحمد الصبريالعدوان الإسرائيلي الهمجي على لبنان والحرب الوحشية التي شنها الكيان الصهيوني على هذا البلد العربي الجميل لم يكن في جوهره رداً على أسر حزب الله جنديين إسرائيليين فقط ولايهدف إلى نزع سلاح حزب الله كما أعلنت إسرائيل وحسب، وإنما يكمن الجوهر الحقيقي لهذه الحرب في القضاء على النموذج السياسي والاجتماعي والديني بالدرجة الاولى الذي تمثله لبنان في المنطقة فإسرائيل باعتبارها دولة يهودية عنصرية بالدرجة الاولى ترى في التنوع الديني وتعايش الطوائف المختلفة في هذا البلد وقوة المجتمع المدني فيه والتعددية السياسية تهديداً حضارياً ليس لمشروعها في المنطقة والشرق الأوسط عموماً وانما هديداً بعيد المدى لجوهر دولتها الصهيونية ذات الطابع العنصري الديني فهذه الدولة "الغريبة في المنطقة" تقوم على أحادية الدين وعلى التمايز القاسي بين الاعراق المختلفة المكونة لها ويمكن القول ان دولة إسرائيل هي الدولة الوحيدة في العالم التي تعترف صراحة بانها دولة دينية بالدرجة الاولى وهي تقدم نفسها للعالم على أنها دولة يهودية عنصرية بكل وقاحة، وبالطبع لايمكن إغفال السبب المباشر للعدوان الوحشي الإسرائيلي على لبنان وهو التأكيد مجدداً على العنجهية السياسية والعسكرية الإسرائيلية ، هذه العنجهية التي لاتستطيع هذه الدولة العنصرية تجاوزها في تعاملها مع جيرانها العرب ، فإسرائيل تعتقد أنها متفوقة حضارياً على العرب أجمعين لكنها مع ذلك ترى في أضعف دولة عربية وهي لبنان نموذجاً حضارياً يمكن ان يعصف بمثالها الحضاري على المدى البعيد ان لبنان رغم صغره كبلد وضعفه الواضح كدولة تتمتع بمزايا ايجابية لاتتوافر في أي بلد عربي آخر ولعل أهم هذه المزايا التي تؤرق إسرائيل مزايا التنوع الديني والسياسي وما يتبع ذلك من تفوق حضاري تاريخي ولذلك فإن ذريعة أسر حزب الله للجنديين الإسرائيلين لم تكن إلا شماعة مكشوفة لتشن إسرائيل حربها المدمرة على لبنان كامتداد للصراع الحضاري القديم ــ الجديد.والجميع يعرف ان منطقة الشرق الأوسط هي محور الصراع منذ أمد طويل ويمتد جذور هذا الصراع إلى القرن الثاني عشر وذلك عندما بدأت الدول الأوروبية وفي مقدمتها اسبانيا والبرتغال اللتان شنتا أول الحروب على بلاد الشام لبنان وفلسطين وسوريا وكان الهدف من هذه الحملات العسكرية القضاء على الإسلام والمقدسات الإسلامية التي كانت تنتشر وتعزيز نشر المسيحية بالقوة وبررتا هذا العدوان على المسلمين لتوفير الحماية للمسيحيين من الاضطهاد الإسلامي.ورغم القسوة التي مورست ضد المسلمين من اعمال القتل والتعذيب والتشريد وتدمير مقدساتهم الإسلامية في لبنان وفلسطين إلا ان الهوية العربية القومية ظلت متماسكة إلى الوقت الحاضر رغم ما تقوم به إسرائيل من عدوان وحشي بربري متجرد من كل القيم الانسانية والاخلاقية وتدمير البنية التحتية للمؤسسات والمساكن والاراضي الزراعية مستخدمة في ذلك اكبر واخطر ترسانة عسكرية في الشرق الأوسط بما في ذلك الاسلحة المحرمة دولياً متجاوزة في ذلك كل المواثيق والمعاهدات الدولية .وهذه الهجمة العسكرية التي تشنها إسرائيل على الشعب اللبناني والفلسطيني هي خطة استراتيجية عدوانية ضد الأمة العربية تم التخطيط لها من قبل حكام البيت الأبيض وتل أبيب المنفذ باعتبارها العصا الغليظة في المنطقة وتهدف هذه الحملة العسكرية الإسرائيلية العدوانية إلى القضاء على حزب الله وعلى حركة حماس الفلسطينية فقط وسيكون الهدف الثاني ضرب سوريا وضرب الفصائل الفلسطينية الاخرى الموجودة في سوريا وبعد ذلك تكون الولايات المتحدة الامريكية وإسرائيل قد حققتا الاهداف الاستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط والمنطقة العربية وتقوم بعد ذلك برسم المنطقة وفق الاهداف الامريكية وتحويل بعض البلدان إلى ولايات تابعة للبيت الامريكي وضرب أي مقاومة تحررية في المنطقة ويأتي هذا المخطط بعد الفشل الذريع الذي لحق بالولايات المتحدة في افغانستان والعراق.
حرب إسرائيلية ضد حضارة وتنوع لبنان
أخبار متعلقة