اقواس
أنْ يكون الشاعر عبدالله البردوني آخر الشعراء الكلاسيكيين، فهذا شيء مفروغ منه، فشعره العمودي، لاسيما ما قاله في بداياته الشعرية، تميَّز بالتفرد والخصوصية الفنية والفكرية، وما زاد من الاهتمام به واحترامه أنّه كان يفتقد نعمة البصر، وقد خدمته دهشة المتلقي فأسهب في قول الشعر وكانت له دواوين شعرية تترى ابتداءً من “أرض بلقيس” ديوانه الأول الذي صُدر في عام 1961م وانتهاءً بـ “رجعة الحكيم ابن زايد” الذي خرج إلى النور في عام 1994م.وقد قال عنه الأدباء والمثقفون في الساحة اليمنية بأنّه كان شاعراً قادراً على تطوير القصيدة وأنّه دافع عن الحرية وشرف الكلمة وكرامة الإنسان.. والقليل من المثقفين من حاول ـ على استحياء ـ أنْ يوسم شعر البردوني بالحداثة وأنّه أبدع في الصور البلاغية الحداثية وأنّه في شعره العمودي خرج عن نطاقات التقليد إلى فضاءات الحداثة الشعرية، وأنّ القالب ـ في شعر البردوني ـ لا يقيِّم نصوص البردوني وأنّ القافية التي ارتضاها لا تمثل حجر عثرة في ثرائه الشعري وتدفقه الهجسي، وتمرد رؤاه.فإذا كان بعض الأدباء يحومون حول شعر البردوني، ويعتبروه شاعراً متميزاً كسح عموده الشعري شعر التفعيلة وشعر النثر والشعر الحداثي برمته، فهذا دليل ضعف الحراك الثقافي في المشهد اليمني، وأنّ ما يزخر به المشهد الثقافي اليمني لا ينبئ عن حراكٍ إيجابي يخدمُ قضايا الثقافة وقضايا المجتمع عموماً، فعجلة الزمان تدور إلى الأمام.وأنّ ما قاله شاعرنا الكبير الدكتور عبدالعزيز المقالح خلال تدشين مهرجان البردوني الثقافي بمناسبة إحياء الذكرى التاسعة لرحيل الشاعر عبدالله البردوني (31 / 8 / 1999م) بأنّ الحياة تقوم على قاعدة الجميل ورد الجميل، توحي بأنّ هنالك أفولاً غريباً بالعَلاقات القائمة على الوفاء.. والأصح أنّ التهديد، عبارة عن صحوةٍ للتخلص من الشعر الذي تجاوزه الشعراء لأكثر من خمسين عاماً ويحتفي به أي “الشعر الحر” كشعرٍ بديل قادر على استيعاب كل قضايا المجتمع ومتطلبات الحياة، فكل شيء إلى التجدد ماضٍ، فلماذا يقرُّ هذا القديم.إنّ موت المبدع حقيقة أزلية، والذكرى وذكر محاسن الموتى من طبيعة وشيم البشر، والتواصل مع الأجيال السالفة ضرورة لابد منها للوقوف أمام التجرِبة والاستفادة مما يمكن الاستفادة منه لا الغوص فيها حتى النخاع والضياع.. ورحم الله أستاذنا الكبير الشاعر القدير عبدالله البردوني الذي كانت له صولات وجولات في مضمار الشعر والأدب العربي، وقرأ أمهات الكتب القديمة ليثبت خطاه على الواقع الثقافي اليمني والعربي بالأسلوب الذي خطَّه وارتضاه وتميَّز به عن أترابه.