كانت اكبر إهانة للشعب الفلسطيني الذي طالع بخجل وفزع واستنكار لما جرى أمامه. بدا المنظر بشعا أمام أعين الجميع، واحدة من اكبر المذابح في تاريخ غزة، عسكر حماس يقتلون عشرات من رجال فتح، ويجرون الاحياء عاري الصدور رافعين ايدي الاستسلام، أمام جنود حماس، رافعين اصبعي النصر، معلنين بلا حياء انهم حرروا غزة. ما الذي يحدث؟ هل يعقل ان تختار حماس مقاتلة فلسطينيي فتح في حين ان الاسرائيليين على مرمى حجر منها؟ هل يمكن ان ترضى ان تصبح مجرد أداة للايرانيين لتخريب الوضع وإرباك المنطقة كما فعلت من قبل في مثل هذه الايام من الصيف الماضي؟ في الصيف الماضي خطفت حماس جنديا اسرائيليا واحدا فأوجعتها اسرائيل ضربا وهدما، هذه المرة اختارت الهجوم على مقرات فتح ومكتب رئيس الجمهورية ومطاردة منسوبيها فكسبت المعركة على الارض. ولكن أي انتصار هذا الذي فرحت به حماس؟ لقد دفنت حماس القضية الفلسطينية، وهالت التراب على احترام العالم لحقوق الفلسطينيين، ولمعت صورة اسرائيل، وأحبطت كل أمل في كل نفس كانت تتطلع الى دولة فلسطينية مستقلة. ما فعلته حماس مجرد بداية لفتنة كبيرة تقول وداعا للقضية ومرحبا بزمن يتقاتل فيه الإخوة. مرت أيام صعبة على المجتمع العربي، لكن هذه اسوأ من أي يوم مضى في تاريخه. لهذا عليه ان يأخذ موقفا حاسما، انه لا يقبل تقسيم فلسطين ولو بأيدي اهلها. انه لا يقبل السكوت وهو يرى فريقا يذبح فريقا آخر. انه لا يرضى بإعلان رئيس الوزراء المقال تأييده لما فعله رجاله من قتل واستباحة ونهب وحرق ومطاردة لإخوته في فتح والسلطة الفلسطينية واستيلاء على مقارهم ومكاتبهم. على المجتمع العربي أن يحزم أمره بوضوح، انه مع الشرعية التي تتمثل في السلطة الفلسطينية وليس في فتح او حماس، الشرعية تتمثل أولا في الرئيس الذي شرع للانتخاب، وادخل حماس في المنافسة، واحترم نتائج التصويت، وكلف حماس ورجلها اسماعيل هنية رئيسا للوزراء، ومنحه كل تأييد. اليوم اضطر الرئيس ابو مازن إلى إقالة هنية لأنه، بمعرفته، وربما بإرادته، ارتكبت كل تلك الجرائم. ولأنه الذي اعلن بلسانه إلغاء السلطة، واحتل رجاله كل مكان يرمز لها، وأعلن المتحدث الرسمي باسمه ان غزة حررت من قطعان العملاء، أي من السلطة الفلسطينية نفسها. الكل يعرف أن ابو مازن صبر طويلا على هنية، وحماس وممارساتها، ونقضها للاتفاقات الموقعة، وحملها السلاح ضد السلطة، وتعاملها مع ايران، والسماح لخالد مشعل ان يدير شأنها من سورية. رفض ابو مازن لأشهر عديدة مطالبات فتح بالاحتكام الى الشعب الفلسطيني من خلال انتخابات مبكرة ليقل فيها كلمته في من يحكم فلسطين. حماس لا تريد الاحتكام لأنها تعرف ان خيبة الفلسطينيين كبيرة في الكيفية التي ادارت بها حماس الحكومة، فلا هي حاربت اسرائيل ولا احترمت الاتفاقيات وخففت من آلام الناس الذين عاشوا في اسوأ مرحلة عرفتها الاراضي المحتلة منذ ان احتلتها اسرائيل. وهنا أمام الجامعة العربية ان تقر الرئيس رئيسا، وتترك للفلسطينيين ان يختاروا رئيس وزرائهم عبر الانتخاب، فإن ارتضوا هنية فليبق وإن رفضوه فليأت من يقبلون به. [c1]عن صحيفة ( الشرق الأوسط )[/c]
أخبار متعلقة