( فتحي النجار ) الفساد ظاهرة اجتماعية رغم بشاعتها وقسوتها إلا أنها من الظواهر التي تستحق تسليط الضوء عليها،ونتيجة لأهمية ((ظاهرة الفساد)) وخطورتها وانتشارها بشكل مثير للقلق،نلاحظ تطرق جميع وسائل الإعلام هذه الأيام لها عبر التحليل،وتخصيص البرامج، وإجراء مقابلات مع المختصين وذوي الخبرة في هذا الموضوع،وجدت لزاما علينا وبشكل مبسط دراسة تلك الظاهرة في محاولة منا لتعريفها،معرفة أسباب نشوئها،العوامل التي ساعدت وما زالت تساعد على بقائها وانتشارها،صورها،أشكالها،أنواعها، وأخيرا وضع الحلول،البرامج،والخطط في محاولة للحد من تعاظمها. إذا ما حاولنا تعريف الفساد يمكن القول انه ليس هناك تعريف محدد للفساد بالمعنى الذي يستخدم فيه هذا المصطلح اليوم، لكن لما كانت ظاهرة الفساد قد حظيت في الآونة الأخيرة باهتمام بعض المنظمات العالمية والباحثين في مختلف الاختصاصات، يمكن تعريف المفهوم كالآتي:- ((إن الفساد بمختلف مظاهره وصوره وأشكاله هو كل شيء يشكل عقبة حقيقة ويعرقل كافة أشكال التطور الاجتماعي والاقتصادي والديمقراطي، ويهدد التمنية المجتمعية بمفهومها الشامل، ويهدد أمن واستقرار المجتمعات البشرية، وينزع ثقة أفراد المجتمع بمن يديرون أمورهم السيادية والحياتية، ويهدد بتفكيك المجتمعات، وينعكس سلبا على الموارد الطبيعية للبلاد وكذلك على البيئة أيضا.)) وإذا ما تطرقنا إلى أهم ملامح الفساد وصوره نلاحظ أنها تتجلى بالاتي :- (((الرشوة، المحسوبية، الاختلاس،تزوير الأوراق الرسمية،نقل الأخبار الكاذبة، السرقة،التدخل بسير القضاء، ضعف الأداء،الإهمال، عدم وضع الرجل المناسب في المكان المناسب،استغلال النفوذ،عدم الإحساس بالمسؤولية،التأخر عن العمل والانصراف المبكر، التهرب،تنظيم شبكات غير أخلاقية، احتلال الأراضي والمباني الحكومية، تشكيل العصابات،التخريب والهدم ))) بعد هذا الوصف لأهم ملامح وصور الفساد يمكننا الاستنتاج والجزم بان هذه الملامح والصور من الفساد موجودة في كل المجتمعات ((بشكل نسبي )). يجمع الباحثون والمختصون في مجال السياسة والاقتصاد والاجتماع والقانون بان ظاهرة الفساد هي ظاهرة ((اجتماعية وسياسية)) موجودة في كل المجتمعات((المتقدمة والنامية)) وعلى مر العصور وتمثل عاملاً مشتركاً بين شعوب الأرض قاطبة، وقد ازدادت في العصر الراهن بشكل مخيف ورهيب خاصة في الدول النامية. علماء "السياسة":- ركزوا على العلاقة ما بين (الفساد) وفساد الحكم حيث أن وجهة نظرهم تقول أن الحكم الصالح يكون عدوا للفساد بكافة أنواعه ويؤكدون أيضا على علاقة الفساد بشرعية الحكم الموجود ونماذج القوى السياسية ودور مؤسسات المجتمع المدني في مكافحة الفساد. أما علماء "الاجتماع":- يؤكدون على أن (الفساد) علاقة اجتماعية يتم من خلالها انتهاك قواعد السلوك الاجتماعي التي تتعلق بالمصلحة العامة واهم صور هذا السلوك الاجتماعي،سلوك الانحراف المتمثل باللجوء للوسائل والطرق الغير مشروعة اجتماعيا ودينيا للوصول للأهداف مما يلحق الأذى بالمجتمع ويسبب له الضرر. علماء "القانون":- يعرفون (الفساد) بأنه الانحراف عن الالتزام بالقواعد والنظم القانونية المعمول بها محليا ودوليا، ويعتبر الفساد مدمرا لأحكام القانون عندما يمس القضاء. أما علماء :الاقتصاد: يركزون على العلاقة مابين الاستثمار والتنمية الاقتصادية من جانب،ونوعية المؤسسات الحكومية من جانب آخر،إن ضعف أداء المؤسسات الحكومية هو من أهم عوامل الفساد،هذا يؤدي إلى انخفاض الاستثمار الذي يؤدي بشكل جلي إلى ضعف وبطء عجلة التنمية. نتطرق الآن إلى أنواع الفساد حيث يوجد نوعان من الفساد فساد دولي وفساد محلي، "الفساد الدولي":- هو الشكل الذي يأخذ أبعادا كبيرة واسعة تصل إلى نطاق عالمي ضمن نظام الاقتصاد الحر،تظهر أكثر صوره في الترابط بين الشركات المحلية والدولية بالدولة والقيادة السياسية بشكل منافع ذاتية متبادلة يصعب الحجز بينها، لذلك يعتبر هذا النوع من الفساد هو الأخطر على الإطلاق،أشارت منظمة الشفافية العالمية في تقريرها لسنة 2004 أن الشركات الأمريكية هي أكثر الشركات ممارسة لأعمال غير مشروعة تليها الفرنسية،الصينية والألمانية،وذكر التقرير أيضا أن هناك جيشا من الموظفين في 136 دولة يتقاضون مرتبات منتظمة مقابل تقديم خدمات لتلك الشركات. أما الفساد المحلي:- يقصد به ما يمارس من مظاهر الفساد داخل البلد الواحد وعادة ما يمارسه صغار الموظفين والأفراد في المجتمع،تشير التقارير في الوقت الحاضر على أن البلدان العربية تعد من الساحات الرئيسية لظاهرة الفساد المحلي. إذا ما حاولنا الحديث عن العوامل التي ساعدت وما زالت تساعد على انتشار ظاهرة الفساد،نلاحظ أن هناك إجماعا من قبل المختصين في مكافحة الفساد أن من أهم تلك العوامل :-> غياب الديمقراطية والحرية وشراكة القرار . > غياب القانون والتشريعات وضمانات حقوق الإنسان . > عدم استقلال القضاء . > غياب دولة المؤسسات.> غياب مبدأ الرقابة والشفافية.> ضعف السلطة الحاكمة.> الشللية والعصابات والمافيا .> قلة الوعي وانخفاض الثقافة وعدم معرفة القوانين والنظم الإدارية. إن أهم الحلول المقترحة لمحاربة ظاهرة الفساد تتمثل بتعزيز الديمقراطية والشراكة في صنع القرار واستقلال القضاء وتعزيز دور مؤسسات السلطة ومؤسسات المجتمع المدني المستقلة، ضمان حرية التعبير وحرية الرأي، مواكبة التطورات العلمية والتكنولوجية والإدارية، وتبني نظام تعليمي تربوي متطور، كل هذه العوامل يمكن أن تساهم في محاربة ظاهرة الفساد والحد منها. مما سبق نستنتج أن الفساد يسهم بشكل كلي أو جزئي في اختلال وتدمير كافة الأنساق الاجتماعية في المجتمع، لذلك لا بد من ملاحقة ومحاربة هذه الظاهرة الخطيرة وبلا هوادة وبشكل مستمر لكي نحافظ على المجتمع وقيمه الفاضلة.
يحدثونك عن الفساد
أخبار متعلقة