جرائم السطو على دور العبادة تزايدت .. فمن يوقفها؟
القاهرة/14اكتوبر/ وكالة الصحافة العربية :يبدو أن اللصوص لا يفرقون في جرائمهم بين المنازل والمواصلات العامة والأماكن المقدسة.. فهم في النهاية لصوص الغاية لديهم تبرر الوسيلة، والمهم هو تحقيق أهدافهم أياً كانت الطريقة التي يسلكونها في سبيل ذلك. وفي الفترة الأخيرة ظهر نوع جديد من السرقات لم يكن مطروحاً بكثرة وهو السطو على دور العبادة كالمساجد والكنائس وسرقة متعلقاتها أو متعلقات المصلين الأمر الذي يؤكد أن هؤلاء ما هم إلا فئة منحرفة مرضى نفسيون يجب أن يخضعوا لكل مراحل العلاج النفسي وتوقيع أقصى العقوبة الجنائية عليهم. أحدث هذه الوقائع تمت عندما سرق اللصوص الفضيات من داخل دولاب قاعة الصلوات بكنيسة العذراء بمنطقة الرمل بالإسكندرية وتضمنت الواقعة سرقة صينية فضية وغطائها المشغول بالزخرفة الفضية وكأس من الفضة وصليب مشغول بالفضة أيضاً. غير أن محامي الكنيسة شك في أمر المترددين علىها للصلاة فتبين صدق ظنه وأرشد المتهم عن ثلاثة لصوص آخرين اشتركوا معه في السرقة. وقبلها بأيام كشفت مباحث شبرا الخيمة غموض حوادث سرقة المساجد بعد أن تبين أن عاطلين وراء عمليات السرقة التي انتشرت في الآونة الأخيرة حيث اعتادا البقاء في المسجد عقب انصراف المصلين وسرقة المصاحف وشرائط الكاسيت وتمكنا من سرقة حوالي 300 مصحف وألف شريط قرآن وأحيلا إلي النيابة التي قررت حبسهما بعد اعترافهما ببيع متحصلات السرقة بالأسواق وإنفاقها على تعاطي المخدرات. الغريب أن حرامية دور العبادة لم يرتدعوا بل إن جرائمهم في تزايد مستمر. في البداية يقول اللواء محمد ثروت إن هذه السرقات من أقدم أنواع السرقات في مصر ومرتكبو هذه الحوادث يكونون دائماً من أبناء نفس الديانة وفي الأغلب لا يكونون متخصصين في هذه السرقات فمن الممكن أن يكون لص ملابس ويسرق دور العبادة واللص هنا يسرق كل ما تطاله يده ويمكن إجمالها فيما يلي: الميكروفونات والمراوح واللمبات والمصاحف والأشرطة والكاسيتات والساعات والمكانس بالإضافة إلي سرقة محافظ ومتعلقات المصلين أنفسهم ولا يمكن أن نغفل أهم وأشهر المسروقات وهي الأحذية نظراً لارتفاع ثمنها فمتوسط الحذاء الآن يتراوح بين مائة وخمسين جنيهاً ومائتي جنيه وكذلك الحنفيات التي تكون موجودة في دورات المياه. أما في الكنائس فنجد أن أغلب المسروقات تشتمل على الأيقونات الثمينة والشمعدانات وأيضاً متعلقات المصلين أنفسهم. ويضيف اللواء ثروت أن السرقات داخل دور العبادة تكثر في أيام الأعياد وأثناء الصلوات الجامعة كالجمع والآحاد وتقع أغلبها في المساجد والكنائس الكبرى حيث يتردد علىها الغرباء ويندس بينهم اللصوص بينما المساجد والكنائس الصغيرة يمكن فيها التفريق بين الغرباء والمترددين علىها لذلك تقل فيها السرقات. عندما يقع حادث سرقة في أحد دور العبادة يتم إبلاغ مباحث أمن الدولة لما يحيط بتلك الجرائم من شبهة سياسية ويتم تحليلها والتوصل إلى مراميها والبحث عمن يقف وراءها وكونها جريمة عادية أم جريمة إرهابية تخص أمن الدولة فمن الممكن أن تكون وراءها جماعة إرهابية تحاول إثارة البلبلة والذعر داخل هذه الدور. وإذا أردنا الحديث بلغة الأرقام فإن المساجد والمصليات المسجلة في وزارة الأوقاف تقدر بنحو 70 ألف مسجد تقام لأولياء الله والقديسين وهذه الموالد يندس فيها اللصوص لممارسة نشاطاتهم غير المشروعة داخلها. أما اللواء سعيد عبد العزيز وكيل مصلحة السجون سابقاً فيختلف مع اللواء ثروت بقوله: هذه السرقات يرتكبها متخصصون و(مسجلون خطر) في هذه السرقات وهؤلاء أغلبهم يرتكبون جرائمهم تحت تأثير المواد المخدرة وحراس دور العبادة تقع على عاتقهم مسئولية كبيرة لأنهم يمكنهم منع تلك الجرائم أو التقليل منها على الأقل ببعض من اليقظة وأتذكر أن طارق عبد العلىم الشريك الأساسي في قتل الإمام الذهبي تم ضبطه مختبئاً داخل أحد المساجد بمساعدة حارسه وكان في مقابل ذلك يتقاضي مبالغ مالية منه. الدكتور محمد عيد الغريب أستاذ القانون الجنائي بجامعة القاهرة يقول إن العقوبات المنصوص علىها في القانون المصري للصوص دور العبادة كثيرة حيث نصت الفقرة الأولى من المادة 371 من قانون العقوبات المصري أنه يعاقب بالحبس مع الشغل لمن يضبط أو يتم إثبات قيامه بالسرقة داخل أحد المحلات المعدة للعبادة والحبس لمدة ثلاث سنوات والعقوبة هنا أيضاً مشددة لأن بالإضافة إلى أنها اعتداء على المال فهي أيضاً تنطوي على إخلال لما أراد القانون كفالته لأماكن العبادة من حرمة واحترام والعقوبة هنا تطبق سواء كان السارق فرداً أو مجموعة وحرمة دور العبادة هنا لا تقل عن حرمة المساكن ويقصد المشرع بالمحل المحدد للعبادة كل مكان مخصص للتعبد وإقامة الشعائر الدينية أياً كانت الديانة التي تؤدى (إسلامية - مسيحية - يهودية) في المساجد والزوايا والكنائس والمعابد. أما د. عبد المعطي بيومي عميد كلية أصول الدين بجامعة الأزهر فيؤكد أن اللصوص في مثل هذه الحالات أشد إجراماً وتبجحاً وافتراءً على الله ومن هنا فإن عقابهم يكون مضاعفاً فإذا كان الذنب في المواطن العادي عليه وزر فإنه في أماكن العبادة حيث ترتجي الطاعة فتغلب المعصية يكون وزرين ويقول تعالى في سورة الحج ((ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم)). ويوضح الشيخ منصور الرفاعي عبيد وكيل وزارة الأوقاف السابق أن القرآن حدد عقاباً لهؤلاء هو خزي في الدنيا وعذاب أليم في الآخرة وذلك لأنهم يتسببون في أن الناس تهرب من دور العبادة ولا تذهب إليها وبهذا تغلق أبوابها وينصرف الناس عنها وفي ذلك يقول الله تعالى: (( ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم)). والسرقة من بيت الله شيء مفزع ومقلق يؤدي إلى توتر الأعصاب فالمفروض أن المساجد دار أمن وأمان يدخلها الإنسان فيجد فيها راحة باله وهدوء فكره. ويجب على كل مصل وغير مصل ألا يلجأ إلى السرقة من داخل دور العبادة أو غير دور العبادة لأن وزر السرقة كبير ويكفي أن حدها هو حد القطع وهذا يبين مدى بشاعة الجرم الذي يرتكب . أما القس إبراهيم عبد السيد فيقول: من الوصايا العشر التي وردت في التوراة وصية (لا تسرق) وذلك يشتمل أيضاً على اشتهاء ما يملكه الغير وعندما جاءت المسيحية أكدت المفاهيم نفسها بل زادت علىها بأن من يطلب منك شيئاً أعطه اثنين في إطار التكافل الاجتماعي للمواطنين بغير تفريق بين إنسان وآخر ولكن يحدث أن تقع سرقات في الموالد التي تقام على مدار أيام السنة وفي صلوات الآحاد ويكون ذلك عن طريق اندساس اللصوص وسط الجماهير التي تذهب للكنائس والأديرة وتكون المسروقات عبارة عن أموال ومصوغات الرواد بالإضافة إلى صناديق النذور والأيقونات وأحياناً أحذية السيدات والرجال عند دخولهم لتناول الأسرار المقدسة. ويوضح أحمد العقباوي أستاذ ورئيس قسم الطب النفسي بجامعة الأزهر أن اللصوص من الناحية النفسية نوعان: نوع يقوم بالسرقة لأنه محتاج ونوع آخر يكون مصاباً بالانحراف وعنده رفض للمجتمع وهذا يعمد إلي ارتكاب كل ما هو ممنوع ومتصور أنه ينسحب بالضرورة على الأديان ومن هنا فمراكز العبادة لا تشكل له أدنى إحساس بالذنب. وكثرة الإعلان والكشف عن وقوع مثل هذه الجرائم يؤدي إلى نتائج سلبية خطيرة على نفسية المجتمع لأنها ترتبط بعلاقات روحية بين الإنسان وربه وشرخ هذه العلاقة هو بداية الانهيار. د. هاشم بحري أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر يقول: إن السرقة تعني في مفهومها العام الاستيلاء على حق الغير دون مجهود وهذا بالتالي يكشف عن شخصية السارق والتي تكون دائماً مصابة باضطراب نفسي ويطلق علىه العامة ((قلبه ميت )) ومن هنا فإنه عند قيامه بالسرقة تتساوى معه دور العبادة بأماكن السرقات الأخرى وإنما كل ما يهمه هو السرقة من مكان سهل يصعب معه الإمساك به فيه وأي إنسان عندما يدخل إلى مكان العبادة يتحلى بالروحانية وينسى الماديات ومن هنا يغفل عن أشيائه وتسهل من هنا السرقة. وترى د. إيمان الشريف الخبير بالمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية أن الدافع وراء السرقة دائماً هو الفقر والذي يكون غالباً ناشئاً عن البطالة ومن هنا لا تستغرب قيام شخص بسرقة حذاء من داخل مسجد لأن السارق هنا يكون مدركاً أنه يسرق من بيت الله. ولدى د. سامية خضر أستاذ علم الاجتماع بكلية التربية بجامعة عين شمس رأي في القضية تقول فيه إن وقوع مثل هذه السرقات يدل دلالة كبيرة على أن هناك خللاً في المجتمع ولابد أن يكون هناك مشروع قومي لإحياء الضمير والأمانة داخل نفوس أفراد الشعب ومن هنا يجب تضافر مؤسسات وهيئات كثيرة لذلك.