ماذا قال عنه معاصروه:
يصادف الثاني والعشرين من يونيو من كل عام ذكرى وفاة الأستاذ الفنان القدير محمد سعد الصنعاني الموسيقي المخضرم والمجدد والمطور الذي عاش في حوطة لحج وعاصر أمراء الفن والأدب وكان واحداً ممن ارسوا دعائم اللون اللحجي في الغناء اليمني الذي أسسه الأمير الراحل احمد فضل القمندان.كما تزامل مع الأستاذ عبدالله هادي سبيت والأمير عبد عبدالكريم وفضل محمد اللحجي الذي يعدون من رواد الغناء اللحجي بما قدموه من ثروة للتراث الفني لإثرائه وتطوره. وبهذه المناسبة وبدافع الوفاء لهذه الشخصية الفنية الفذة أتقدم بهذه المداخلة البسيطة لذكرى رحيله عرفاناً للبصمات الفنية التي وضعها رحمه الله وطيب ثراه.الفنان محمد سعد الصنعاني من مواليد الحوطة لحج وأب لابن وهو الطيار عبدالقوي الصنعاني وثلاث بنات هن أسمهان وندى والصحفية اللامعة سلوى الصنعاني، وقد لقب بالصنعاني لانحدار أسرته من صنعاء ولهذا الأمر قصة طويلة.درس حتى أنهى الثانوية العامة ثم عين مدرساً في حي السركال ثم ترك التدريس بعد أن القي به في السجن لضربه ابن السلطان زجراً ثم لجأ إلى المسجد ومنه إلى البيت ذهاباً واياباً بسبب هذه الحادثة.بدأ مشواره الفني وعمره 8 سنوات واستمر مع فرقة الفنان صالح عيسى رحمه الله ضارباً على الدف، وبعد ان تجلت موهبته، تعلم العزف على الكمنجة على يد الفنان “ الطميري” والفنان علي مبروك وصاحبهما في بعض الوصلات الغنائية في المخادر وكذا التسجيل على الاسطوانات ومن ذلك أغنية” (يالله ياعالم المستور) وكان طموحاً وشغوفاً بدراسة الموسيقى، ودرس النوتة الموسيقية من المدرسين العرب المقيمين في المنطقة، ثم التحق بمعهد(إعرابي) بمصر لدراسة الموسيقى عبر المراسلة أيام إصابة مصر بمرض الكوليرا وكانت تتأخر عليه الدروس لتعذر وصول البريد نتيجة انتشار المرض.. ثم وبعد مثابرة حصل على الشهادة.تزامل مع زميله فضل محمد اللحجي الذي كان له اخاً وصديقاً وكانا مرتبطين ببعضهما روحاً وفناً وكانا يتبادلان الآراء. ففي إحدى الليالي الفنية التي تقابلا فيها طلب من فضل ان يعزف شخصياً لعبد الكريم توفيق اغينته ولحنه” بكشفه للثام” ولبى فضل محمد اللحجي طلب زميله الصنعاني وعزف عزفاً جميلاً.وفي جانب الألحان قام بتلحين أول لحن له من كلمات الأمير عبده عبدالكريم ووضع له المقدمة الموسيقية” ان خلف لي الخل وعدا” وسلمها لفرقة “ موسيقى الفن” التي كان من جملة عازفيها الفنان حيدرة برقش، وعلي داود وعلي داحي وأول لحن عزفه “ ضناك ياقلبي الأنين”.وكان له باع في التجديد الموسيقى، حيث استخدم محمد سعد الصنعاني السلم الموسيقي الغربي على الأغنية اليمنية بحيث احتفظت بطابعها الأصلي ليعرف العالم الأغنية أللحجية وان اللحن اللحجي يتناسق مع أي إدخال موسيقي غربي او شرقي، فمثلاً ادخل الموسيقار الصنعاني الموسيقى الغربية على أغنية “ عاشت الثورة” وكذلك أغنية” (دق عودك يابلبل عن سمع العالم غناء هذا الوطن) من كلمات الشاعر علي عوض مغلس والتي لم تسجل في الإذاعة آنذاك.وكان رحمه الله يتمتع بذوق رفيع، وكان دائم المتابعة والاستماع الى الفنان الموسيقار محمد عبدالوهاب، وأم كلثوم والسنباطي، وإسمهان، وفريد الأطرش، والموسيقى الهندية والغربية وكثير من الألوان الموسيقية وكان يستلهم ألحانه من أنغام العصافير وفي الليل والليل مملكة للعشاق كانت أفضل الأوقات إلى نفسه وبالذات مابعد الثانية والثالثة فجراً حيث يمسك عوده وينسج ألحانه الرائعة وهذا الوقت وقت الهجوع وقت نزول الملائكة وقت الإلهام والتهجد بالألحان والموسيقى وتلاقي الأرواح.ومن كرمة ألحانه قدم الكثير من الألحان وكان معظمها قصائد وطنية وعيدية للمناسبات ومن ابرز الألحان العاطفية له “ بالعيون السود”، “ لوعتي”، “ياشاكي الغرام”،” ردد التغريد”،” يانجوم الليل”،” يا للي وعدت القلب”، وكان ياماكان” وهي من الألحان الثقيلة التي ادخل عليها بعض الموسيقى الغربية وغيرها من الألحان الخفيفة والثقيلة.وتأتي اغينته” بالعيون السود” ليغنيها الكثير من الفنانين وأولهم عبدالكريم توفيق وفضل ميزر، وأمل كعدل، وفيصل علوي ولكنه أحبها بصوت عبدالكريم لأنه وضعها وفق طبقته الصوتية.ومن أحب ألحانه وأروعها إليه “ لوعتي” كلمات عبدالله سالم باجهل، التي استغرقت مقدمتها الموسيقية وقتاً طويلاً منه (أكثر من عشرين يوماً) كان يسجل ويمسح حتى ضبطها.غنى له الكثير من الفنانين مثل عبدالكريم توفيق، ومحمد عوض شاكر، محمد رزق، وفضل ميرز، وبشير ناصر، ومن الأصوات النسائية غنت له الفنانة المعروفة فتحية الصغيرة سجلت له في تلفزيون ابوظبي أغنية” طل طل القمر” من كلمات حسن مجلي وصورت مدبلجة في منطقة دار العرائس وأغنية أخرى بعنوان” باحلف بسحر العيون” وكذا أمل كعدل والفنانة لول سعيد نصيب.ومن ألحانه دون عشرة الحان منحت للفنان عبود خواجة واحد منها بعنوان” افتكرتك” كلمات الشاعر دهيس، وآخر بعنوان “ ترفق بي فداك روحي يابدر اكتمل” كلمات السيد عبدالرحمن العواضي وغيرها من الألحان التي لا تسعفنا الذاكرة باستحضارها حالياً.