جعفر حسن
يختزن وجداني كما تختزن ذاكرتي، أشياء كثيرة .. أشياء جميلة طبعاً عن الفنان جعفر حسن.. الوجدان لا يختزن إلا الأشياء الجميلة في حين أن الذاكرة قابلة لاختزان - من وجهة نظري بعيداًعن نظريات علماء النفس - منظومة من الأشياء والمواقف الإنسانية الجميلة منها والقبيحة على السواء بغض الطرف عن تأثيرها وأصدائها سلباً وإيجاباً!لظروف ما .. ابتعد جعفر قليلاً .. لكنه - وهذا إحساس خاص - اقترب كثيراً وكثيراً .. لا أعني بذلك ما ذهب إليه المثل "زُر غبّاً تزدد حُباً"!جعفر حسن فنان عميق جداً في كل مسلكياته الإنسانية العامة .. حياته معين متدفق بفن الموسيقى وعطاءاته الباذخة .. وفنه مترع بالجمال وشتى مظاهر المبدعات الكونية .. وفي ذهنيته يتعانق الجميل والحيوي والنابض عن الموروث الموسيقي مع العصري الشامخ .. لأن ذهنيته بطبيعتها ترفض الغث والساذج والسطحي.ومن الطبيعي أن الذهنية العملاقة - الخلاقة ترفض الهشاشة والبهرجة الموسيقية التي تفسد الذوق وتشوه الإحساسات وهي شبه رائجة للأسف في حياتنا الراهنة .. ولست أدري ما الذي جعل معظم الشباب مشدوهاً بها .. ومنجذباً إليها؟!هل يعزى ذلك إلى الفقر الفكري والضحالة الروحية السائدين في حياتنا الراهنة؟! .. ربما .. ربما.قبل ثلاثين عاماً .. وتحديداً في منتصف السبعينات من القرن الماضي.. وطأت قدماه أرض ( عدن) .. المدينة اليمنية الطاهرة الساحرة .. الرائعة العاشقة .. عدن المدينة السهلة الصعبة التي تعلن رغائبها لمجانين الإبداع .. لأنها منذ أن أوجدها الله وشكلها بتكويناتها الطبيعية المختلفة طفلة الجمال والإبداع.ولما كان جعفر حسن مبدعاً حقيقياً، وبتلقائية ذاته الحساسة استطاع منذ البداية أن يخلق حالة تلاحم روحي بينه وبين جسدها الفاتن وأصبح عاشقاً لها .. يترنم بموجات شواطئها ويعزف أعذب النغمات لضفائر رمالها المتوزعة بين أحضان البحر وأحضان الجمال!!ظل عشق عدن /مايزال/ يحاصر جعفر حسن فصار عاشقاً يتعبد في محراب قدسية طفولتها .. وكما توغلت هي في نياط قلبه . وتضاريس روحه .. توغل في بهاءات أبجديتها الباهرة/المبهرة .. وفتح شهية ناسها لاستقبال صباحاتها الندية الرطبة بالحب والخير والتفاؤل والأمل!وتصاعدت أصداء حنجرته الناعمة .. وحلقت نبراته الرخيمة في فضاءاتها مرددة (شامة على خد الزمن .. يسعد صباحك يا يمن) كما لو كان يريد أن يؤكد أن عدن الطفلة اليمنية المدللة .. وهذه إشارة واضحة إلى أن عدن (عروس بحر العرب) وجه جميل ونادر يعكس جمال وندرة الأرض اليمنية الواحدة التي تتلاحم شواطئها وتترابط صخورها برمالها!!إنها (بلقيس) رمز الحكمة والحنكة والجمال .. وعبق التاريخ اليمني!! * عبدالرحمن إبراهيم