نادر عبد القدوس :قبل أسبوعين، ضمن ملحق «روافد» قرأت لقاءً مع مدير مكتبة «مسواط» الأخ/ عدنان عبد الحميد الذي أورد في حديثه أن المكتبة لا تمتلك ريالاً واحداً كميزانية تسير بها نشاطها كغيرها من المرافق.. ومنه نفهم أن المكتبة تعتبر ملحقاً تابعاً للهيئة العامة للكتاب فرع عدن.. ذلك اللقاء القصير في «روافد»، وقبله أيضاً كان لقاء في ملحق «مشاعل» قد أثار فضولي لمعرفة «الحقيقة».. فهل يعقل أن مكتبة مثل «مسواط» وتسمى حالياً «مكتبة الطفل»، ولا أعرف أي طفل هذا الذي سيقرأ، تعيش هكذا وضع؟ وفعلاً ذهبت إلى هناك حيث وقفت لوهلة أمام بوابة المكتبة وشريط الذكريات يمر من أمامي عندما كنت أرتادها أسبوعياً في فترات نهاية الستينيات وبداية السبعينيات من القرن الماضي في مرحلتي الإعدادية والثانوية الدراسيتين.. عبق الكتب العتيقة في «مسواط» ما زلت أتذكره .. تلك المكتبة الفريدة والوحيدة في عدن كان لها الفضل فيما أنا عليه وغيري العديد من الزملاء من علم وذخيرة معلوماتية تباهينا بها يوماً ما عندما كنا طلاباً دارسين في الخارج. نصول ونجول بالمعلومة التي لا يمكن ،أن تجدها إلا في الكتابولجت إلى قاعة المكتبة فهالني ما رأيت! أأفرح أم اكتئب؟!.. كتب عديدة على الأرفف تحيط بك من كل جانب.. صالة نظيفة تلمع أرضيتها.. موظفون يبتسمون بلطافة مرحبين بقدومك دون ملل أو تباطؤ مستعرضين القيام لمساعدتك.. أما ما أصابني بالكآبة هو أني وجدت نفسي وحيداً ولا زائر سواي!!.. مع أني توقعت أن تكون مكتظة بالزائرين (أطفالاً وكباراً)، خصوصاً التلاميذ منهم باعتبار أنهم في الإجازة الصيفية، ويمكنهم الاستفادة من وقت الفراغ في القراءة والإطلاع.. ولكن هيهات!!.لقد أصبحت المكتبة وكأنها متحف يحتوي مقتنيات صامتة جامدة تحكي تاريخاً قد أكل الدهر منه وشرب.. إن سبب ذلك، في اعتقادي، ليس مرده إدارة المكتبة أو المكتبة نفسها وبما تحويه من كنوز، وإنما يعود السبب إلى عدم استقلالية المكتبة في تسيير نشاطها ومعالجة إستراتيجية عملها ومدى مشاركتها في معارض الكتب على اعتبار أنها المكتبة الوحيدة المتخصصة بالطفل في محافظة عدن.. والسبب الرئيسي هو عدم اهتمام المسؤولين بهذا الصرح الثقافي الكبير..إن إخفاق بعض مرافق الدولة (القطاع العام) لا يكون سببه كيفية إنشائه، وإنما يكون الهدف من إنشائه والتخطيط لما بعد الإنشاء أو التأسيس، أي وضوح الرؤية في كيفية العمل على الإبقاء وجعل هذا المرفق أو ذاك يستمر في نشاطه لبلوغ الهدف الموضوع من أجله.. إن مكتبة «مسواط» أو مكتبة «الطفل» أو «الشباب» سمها ما شئت، تعاني من هذه المشكلة، ألا وهي نفق مظلم نهايته طريق مسدود.. لن تستطيع البقاء على قيد الحياة، كما يجب ،في الوضع البائس.. مثلها كمثل الأجنبي الذي اعتنق الإسلام وقال «لا إله إلا الله محمد رسول الله».. فقامت الدنيا فرحاً ولم تقعد، وأقيمت الاحتفالات والندوات وخصصت الميزانيات.. وبعد الانتهاء من تلك المهرجانات وجد نفسه وحيداً شارداً لا يعرف ماذا يصنع! فقد أصبح مسلماً اسماً فقط. ولكن ماذا بعد إسلامه؟ من ذا الذي سيطلعه ويعلمه تعاليم الإسلام والفرائض وقراءة القرآن وغيرها من تعاليم وفروض يؤديها كمسلم؟؟ فالكل قد نسيه.. هكذا هو حال مكتبتنا! وجدت نفسها وحيدة دون أي دعم أو اهتمام ورعاية ممن قاموا بإعادة إحيائها، وإعادة الثقة اليها لإقناع المواطن بأن المكتبة فعلاً صالحة للارتياد، ليس للقراءة فقط، كما هو معمول به حالياً، وإنما أيضاً استعارة الكتب والمراجع وفق ضوابط تحددها الإدارة..قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه». إلا أن هذه المكتبة لم تأخذ نصيبها من هذه الوصية في الجيرة، حيث أنها تجاور مباشرة مبنى المجلس المحلي لمديرية صيرة الذي، كما نلمسه، لم يلتفت إلى جارته المكتبة أو يقدم لها دعماً ولو «لوجستياً».. وإني لأجدها فرصة انتهزها لأوجه نداءً إلى الأخ محافظ محافظة عدن د. عدنان الجفري ليوجه النظر إليها ويشملها برعايته وحنانه الذي سينعكس على أطفالنا الأحباء «فلذات أكبادنا»، من خلال إعطائها جزءاً من الصلاحية والاستقلالية الإدارية والمالية، وتقديم الدعم المعنوي والمادي.. فالدعم المعنوي يمكن أن يتمثل في وضع برامج محددة في المدارس الأساسية والثانوية كافة على مستوى المحافظة، بتخصيص أيام معينة (أقلها يومان) في الشهر لكل مدرسة تلزم الطلبة كحصص أساسية لزيارة المكتبة يكون الهدف منها غرس حب القراءة واكتساب الثقافة الذاتية للتلميذ والطالب والمدرس أيضاً.. وهذا ما نسميه بالدعاية غير المباشرة لتشغيل وتفعيل المكتبة.. أما الدعم المادي يمكن أن يكون عن طريق تزويد المكتبة بالكتب والإصدارات الحديثة الخاصة بالطفل والشاب معاً؛ ليس بعدد الكتب وكميتها وإنما بطول قائمة عناوين الكتب وتعدد دور النشر من مختلف المشارب، وذلك بالتنسيق مع رجال الأعمال الكبار، أهل الخير، ممن يحبون عدن وأبناء عدن، ولا يتوانون في مساعدتها وتطوير مرافقها المختلفة، وكم هم كثر!! وهناك العديد من المقترحات والحلول يمكن تقديمها؛ إلا أن المساحة لا تكفي لذلك، لتفعيل أداء المكتبة وإعادة رونقها كما كانت في السابق وربما أكثر ونحن نعيش عصر التكنولوجيا الحديثة والكمبيوتر والإنترنت..الخ..إن أملنا ورجاءنا كبير في إمكانية إعادة الروح والحياة والنشاط لهذه المكتبة العريقة. وما تلك اللقاءات مع إدارة المكتبة وهذه المواضيع التي تكتب عنها إلا تعزيز لبقائها وتثبيت لدعائمها.. وخوفنا أن يبقى الحال كما هو عليه، أذن من طين وأخرى من عجين، فنفقد ما بأيدينا الذي ما زال صالحاً، ونجد المكتبة ذات يوم إطلالاً تملؤها أعشاش الطيور وخيوط العنكبوت..[c1]* استشاري إدارة وقانون عام[/c]