غضون
- خسف القمر ذات ليلة وشعر أحدهم بجو الرهبة فالتحق ببقية المصلين يصلي صلاة الخسوف في المسجد ، ولكن الإمام كان يطيل في القراءة والدعاء والحركات فأصيب الرجل بالملل والإرهاق وفوات الوقت، وعندها خرج من الصف وغادر المسجد وهو يقول : “ تنزل فراتت “ .. أي إذا كان الخسوف لن ينجلي عن القمر إلا بهذه المشقة والعناء الذي أصابني فليحرق القمر وينزل إلى الأرض قطعاً متناثرة .. فراتت!.بعض الذين يؤمون الناس في الصلاة الذين متعهم الله بصحة جيدة يطيلون لدرجة أنهم يدفعونك إلى تجنب الصلاة جماعة، وهناك خطباء جمعة يجعلون وقت الخطبتين عشرة أضعاف وقت الركعتين رغم أن المصلين أصبحوا عادة يأتون إلى مساجد الجمعة من أجل الركعتين وليس من أجل الخطبتين اللتين صارتا مملتين وأحياناً مستفزتين ومنفرتين.- أعود إلى ذلك الذي “ طفش “ وقال: «تنزل فراتت “ .. فهي لن تنزل فراتت قبل يوم القيامة أو انهيار الكون كما يقال ، فالقمر صار مكاناً يطلع إليه المتطلعون إلى حياة فضلى وينزلون منه إلى الأرض جماعات موحدة.. وأخشى أن كثيراً من المسؤولين الكبار في السلطة والمعارضة والقطاع الخاص والمنظمات غير الحكومية يبدون مثل ذلك الذي قال “ تنزل فراتت” ولكن بالنسبة لوطنهم ولدولتهم .. خاصة مع الاستمرار في ضعف الشعور بالانتماء الوطني وعدم مراعاة الصالح العام .. وكل واحد منهم شعاره اليوم مثل شعار المحشورين يوم القيامة.. اللهم نفسي نفسي ويتخلى عن صاحبته وبنيه وعشيرته ووطنه..- تقول لأحدهم الوحدة في خطر فأين أنت من ذلك وأنت المستفيد منها ، فيرد عليك كذلك الطافش “ تنزل فراتت” ، ومثل هذا المنطق تجده عند مسؤول حكومي وعند قائد سياسي وعند رجل أعمال وغيرهم كثر .. لدرجة أن مستفيدين من السلطة والحزب الحاكم والخزانة العامة يتوارون في أكثر اللحظات التي تستدعي ظهوراً .. ويصمتون عندما يحين وقت الكلام ويبدون كمحايدين في قضايا تستدعي تحديد مواقف واضحة إجمالاً .. منطق “ خليها تنزل فراتت” مقبول من ذلك الرجل عندما يتعلق الأمر بالقمر المخسوف .. ولكن هذا المنطق غير مقبول من أي مواطن ناهيك عن مسؤول أو شخصية عامة عندما يتعلق الأمر بالوطن و المجتمع .. فلو نزلت “ فراتت” ستنقرض كل الكائنات.