أضواء
ظلت اليابان ترفض بعناد ولمدة نصف قرن من الزمان, الاعتذار لكوريا الجنوبية عما فعلته من فظائع أثناء فترة الاحتلال في الخمسينيات من القرن المنصرم. وقد رفضت كوريا الجنوبية إقامة أية علاقات مع اليابان حتى تتقدم الأخيرة باعتذار رسمي. ولكن اليابان ظلت معاندة حتى اضطرت أخيراً للاعتذار لكوريا. وطوال مدة الرفض كانت اليابان تكذب على الطلبة اليابانيين في كتب التاريخ بتجاهل تلك الفترة السوداء من التاريخ الياباني, بحجة الحفاظ على كرامة اليابان. لقد كانت تلك المنطقة الحارقة في المنهج الياباني التي تخلصت منها اليابان مؤخراً كي تعيد كتابة التاريخ الياباني من جديد. في العالم العربي لا تزال الحكومات العربية تكذب على الطلبة فيما يخص القضايا والموضوعات التي تشين السمعة التاريخية للدولة محل البحث. لا تزال هناك إلى الآن “مناطق حارقة” كثيرة في المناهج العربية. لا تزال الحكومات العربية تخفي الحقائق وتكذب جهاراً نهاراً ولا يجرؤ المثقف على فضحها لما قد يناله من أذى رسمي عبر التحويل للنيابة العامة بتهمة تشويه التاريخ الوطني, وأذى شعبي لأن شعوبنا العربية لا تحب “الفضيحة” وتريد دائماً أن يكون “الطابق مستور”. ومن هذه المناطق الحارة التالي: 1 - بعض الأحداث التاريخية التي تشوه السمعة الوطنية.2 - الأحداث التي تشوه السمعة القومية (حرب عام 1967 ) حيث لا تزال أسرار هذه الحرب مجهولة.3 - الأحداث التاريخية التي تتعلق بالانتخابات من تزوير السلطة للنتائج الرسمية, أو التدخل الحكومي فيها. 4 - التاريخ السري للاعتقالات التعسفية والاختفاء القهري للرموز السياسية المعارضة.إن التاريخ العربي الحديث ممتلئ حتى الثمالة بمثل هذه الأحداث التاريخية والسياسية, وهي أحداث أصبحت معروضة مجاناً على صفحات الإنترنت، ولم يعد الكذب مجدياً, ولا الإنكار مقبولاً. لذلك لابد من صحوة عربية لإعادة كتابة تاريخ الأحداث العربية بأمانة وصدق ومنهجية نقدية, ليس بهدف الفضح أو جلد الذات، بل لخلق جيل متعلم صادق مع نفسه ومجتمعه من جهة، وللاعتبار ودراسة الأخطاء وتصحيح التاريخ من جهة أخرى. لكن للأسف أن واضعي المناهج العربية لا يستطيعون ذلك باعتبارهم موظفين لدى الحكومة ومن واجبهم تنفيذ أوامرها، حتى ولو كانت هذه الأوامر كذباً مفضوحاً وخداعاً للطلبة. ومما يجب أن تعلمه هذه الحكومات أن حبل الكذب قصير, إذ لابد للطالب أن يحصل على المعلومة الحقيقية من أفواه معاصريها، فما عاد تاريخ اليوم تاريخاً ماضياً, بل تاريخ حاضر في كينونة المعاصرين له. فحرب عام 1967 ليست بعيدة العهد حيث لا يزال الذين اكتووا بنارها أحياء يرزقون. صحيح أنهم لا يجرؤون على البوح علناً بما في نفوسهم, لكنهم ينقلون الحقيقة من أفواههم إلى آذان المستمعين, وما أكثرهم. وقلْ الأمر ذاته عن حرب عام 1973, وغزو العراق للكويت, وغيرها من أحداث جسام عصفت بالعالم العربي وقام كثير من أصحاب العلاقة بالكتابة عنها، ومنهم من نشر مذكراته الخاصة, ومنهم من قدم أطروحات الماجستير والدكتوراه حولها.لقد حان الوقت لكي تقول الحكومات الحقائق كاملة حول الكثير من القضايا سواء للشعب أو للطلبة، وأن تملك الجرأة على مواجهة الحقائق, وخاصة أن كثيراً من صانعي هذه الأحداث لا يزالون على قيد الحياة, ولكن حتماً ليس الهدف من تدوين الحقائق تقديمهم للمحاكمة، لأن التاريخ قال كلمته فيهم. لكن يجب أن تعرف الأجيال القادمة الحقيقة كاملة للعظة والاعتبار وتفادي تكرار ذات الأخطاء.* عن / صحيفة ( الاتحاد) الإماراتية