حدث وحديث
كم أنت رحيمة وكم أنت صبورة وكم أنت رائعة أيتها الأم .. كم تتحملين من المشقة والتعب والتضحية السهر .. وكم من سني عمرك تقضينها وفي رعايتنا حتى نكبر .. ومهما وصفناك لن نستطيع الوصول إلى وصفك الحقيقي .. فالأم أروع ما في الوجود فمن المهد وحتى الكبر وهي معنا وبجانبنا وتحمينا وتحافظ علينا من كل الشرور التي حولنا.إذاً ماذا نقدم لهذه الأم العظيمة!! وهل نستطيع أن نرد الجميل؟! وكيف نسدد لها هذا الدين الكبير؟!وبالتأكيد أن أقل ما تستحقه الأم منا : البر والإحسان، الاحترام والتقدير، الولاء والطاعة وكل ذلك يجب للوالدين معاً الأم والأب. وكل ما نقوم به ونقدمه ومهما كان فلا يسدد جزءاً بسيطاً مما علينا من دين ومعروف وجميل.وهل يعقل وبعد كل ما صنعته لك الأم أن ترد لها الجميل بالجحود والنكران!! وترضى أن تكون ابناً عاقاً عديم الرحمة. وهل يتخيل أحدنا بأن هناك ولداً لا يريد رؤية والدته ويتمنى لها الموت!! لأن لها عيناً واحدة وتسبب له الإحراج!!وسأوضح لكم كيف تمنى أحد الأبناء الجاحدين الموت لأمه .. كان هذا الابن الجاحد لا يتجاوز الأربعة أعوام عندما توفي والده بحادث مؤلم وعندما بدأ يكبر بعد ذلك لم يكن يعرف إلا أمه التي أصبحت منذ ذلك الحين المسؤولة الأولى عن إعالة الأسرة .. وكانت هذه الأم بعين واحدة وكان هذا سبباً للابن أن يكرهها ومنذ أن دخل المدرسة الابتدائية والتي كانت تعمل بها الأم (كمساعدة في الأرشيف) كان يخجل منها ولا يريد أن يراها أحد من زملائه وكأنها ليست أمه، وشاء القدر أن تذهب الأم لتطمئن عليه وهو في غرفته الدراسية .. إلا أنه تجاهلها ورماها بنظرة مليئة بالكره حين قال له أحد التلامذة أمك بعين واحدة. فعندها أصابه خجل شديد وتمنى هذا الجاحد لو تختفي أمه من حياته وتموت كي لا تجعل منه أضحوكة بين أصدقائه مرة أخرى .. ولم يكن هذا الابن العاق والظالم متردداً فيما قال ولم يفكر أو يبال بشيء. واستمرت الأحداث وواصل الابن دراسته وحصل على منحة دراسية في أحدى الدول الآسيوية وغادر إلى هناك دون التفكير بتوديع والدته أو التسامح منها.وبعد إكمال دراسته قرر البقاء للعيش هناك وتزوج وأنجب أولاداً وبدأ يعيش حياته الخاصة ولم يفكر بعد مرور كل هذه السنوات الطويلة أن يطمئن على أمه ولو لمرة واحدة بل أراد الابتعاد عنها وعدم رؤيتها مرة أخرى .. ورغماً عن تلك الهجرة والنسيان لها إلا أن الأم وحنينها ورحمتها لابنها دائماً تفوق كل شيء وعندما ازدادت شوقاً لرؤية أحفادها حينما عرفت من أحد أصدقاء ابنها إنه أنجب أطفالاً أخذت العنوان وقررت السفر لزيارته طالما لم يرغب بزيارتها وعند وصولها توجهت إلى منزل الابن ووقفت أمام الباب وقرعت الجرس وإذا بأحد أحفادها يفتح الباب وبفرحة عارمة تفتح ذراعيها .. لتحتضنه مع بقية أحفادها الذين كانوا يقفون بجانب أخيهم وعندما رآها الأطفال بعين واحدة جعلوا منها أضحوكة لهم ولكنها لم تتأثر بذلك لأن الأطفال لا يعرفون إنها (جدتهم) .. ولم تكتمل فرحتها وإذا بالابن يذهل برؤيتها وبدلاً من أن يفرح لقدوم والدته وقطعها كل هذه المسافة الطويلة لرؤيته وأبنائه صرخ في وجهها غاضباً : كيف تجرأت وأتيت إلى هنا هل تريدين إخافة أطفالي!! أخرجي من بيتي حالاً؟!فأجابت بهدوء : (آسفة .. أخطأت العنوان على ما يبدو) .. ثم أختفت.وبعد فترة قصيرة وصلت إليه رسالة من المدرسة الابتدائية التي كان يدرس بها وكانت عبارة عن دعوة لتكريم فرغب في تلبية الدعوة وسافر وبعد حضوره التكريم قرر الذهاب في جولة إلى الشارع الذي لعب فيه ورؤية منزلهم القديم وكل ذلك للفضول فقط وليس من أجل زيارة تلك المسكينة أمه .. فأخبره الجيران بأن أمه قد ماتت .. وبكل برود واستهزاء قال : وماذا في ذلك!! وكأنها شخص غريب وليست أمه!! ولم يذرف دمعة واحدة حزناً عليها .. يا لهذا القلب القاسي.وقام أحد الجيران بتسليمه أغراضاً كانت قد أوصت أن تسلم له بعد موتها .. وقد كان لا يريد شيئاً يذكره بها ورمى كل ما تسلمه والتفت نظره إلى قميص ملفوف بشريط لاصق شفاف ويبدو بداخله مظروف صغير فشعر بفضول شديد ونزع الشريط اللاصق وإذا به يرى قميصاً صغيراً لطفل لا يتجاوز الأربعة أعوام وبه آثار دم قد جفت ثم قام بفتح المظروف ووجد بداخله رسالة وصورة .. وبدأ بقراءة الرسالة ووجد ما لم يكن بالحسبان!!وكان مكتوباً فيها : ابني الحبيب .. لطالما فكرت بك واشتقت إليك وكان هذا سبب مجيئي إلى بيتك واعتذر لإخافة أولادك .. وقد كنت سعيدة جداً عندما علمت بقدومك إلى هنا .. ولكن كنت لا استطيع مغادرة السرير أو النهوض منه .. وآسفة لأنني سببت لك الإحراج مرات ومرات في حياتك .. وأحب أن أخبرك شيئاً طالما قد أخفيته عنك وهو (سر القميص والصورة وسر عيني الواحدة التي كثيراً ما كنت تقسو علي بسببها!! (إن هذا القميص هو ما كنت ترتديه يوم الحادث والدم الذي عليه هو لك والرجل الذي بالصورة هو والدك والتقطت له الصورة بعد وقوع الحادث وقد كنا معاً آنذاك وتوفي في حينها لتعرضه لإصابة بليغة في الرأس. ونجونا أنا وأنت وفقدت إحدى عينيك بالحادث وقد كان عمرك أربعة أعوام وكأي أم لم استطع أن أدعك تكبر بعين واحدة ولذا .. أعطيتك عيني ورقدنا في أحد المستشفيات الكبرى وأجريت لنا عملية النقل وتكللت بالنجاح .. وكنت سعيدة وفخورة لأن أبني يستطيع رؤية العالم بعيني .. مع كل حبي .. أمك.وهنا يجب عليك أيها الابن العاق والجاحد أن تتذكر أنه (كما تدين تدان) ولا تنس ما أمرك الله سبحانه وتعالى (بطاعة الوالدين والرأفة بهما) ولا تنس أيها العاصي أن (الجنة تحت أقدام الأمهات).وفي الأخير لا يسعنا إلا أن نقول سبحان الله : (إذا كانت هذه رحمة الأم بولدها رغم كل ما يفعل بها فكيف هي رحمة الله سبحانه وتعالى).