بيروت - من جورج جحالا شك في أن للكاتب البحريني عبد الله المدني قدرة بارزة على السرد بسهولة تجعل من كلامه اقرب إلى حديث ممتع حينا وما يشبه (الثرثرة) الصحافية اللذيذة أحياناً.لكن قراءة روايته (بو لقلق) ربما جعلت القارئ يشعر بأنها في كثير مما ورد فيها اقرب إلى عرض معلومات سياسية وتاريخية سياسية أحياناً وبأن بعض فصولها يبدو اقرب إلى ما يحتويه مثلا كتاب من ذلك النوع الذي يسمى دليلاً سياحياً.وعمل الأكاديمي الباحث الدكتور عبد الله المدني المتخصص في العلاقات الدولية والشؤون الأسيوية من جامعات ومعاهد غربية وعربية يشكل رواية من زاوية هي استمرارية العمل القصصي فحسب فلا يتحول الأمر تماما في المجموع إلى قصة قصيرة أو قصص قصيرة متجاورة مثلا. وهذه الاستمرارية تنتج عن نوعين من الوحدة في العمل أولاهما هي أنها تتحدث أساساً في كل فصولها أو مروياتها عن شخص واحد هو (البطل).أما الشخصيات الأخرى فليست أكثر بكثير من أدوات لتصوير هذا الشخص من الداخل وحتى من الخارج أحيانا. الوحدة الثانية لا تظهر قصصيا بشكل واضح دائما بل يوضحها أو يدلنا عليها كلام الكاتب المباشر.. هي فكرة يفترض أن تكون جامعة لكل خطواته. وهذه الوحدة التي يفترض أن تجمع كل الأجزاء هي (فكرة) يحدثنا عنها قائلاً أنها إيمان عنده بالدفاع عن الإنسان وحقوقه. أما الباقي فهو (تفاصيل).والرواية هنا تتشكل من عدة قصص يختلف أشخاصها وأمكنتها ولا يجمع بينها سوى شخصية البطل والمهمة (المهمة) التي يقول انه كرس نفسه لها وان بدا أن القارئ ربما وجد فيها مجرد ممارسة لدور فرضته وظيفة أي المركز الذي يتبوأه البطل.وحيث يتحدث الكاتب عن الشخصيات الأخرى -وهي أساساً نساء من بلدان مختلفة عمل فيها بموجب وظيفته في المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة- فهو إنما يستخدم هؤلاء النساء لإظهار مشاعره وأرائه هو كما يستعملهن لتصوير عادات شعوبهن في مجالات كثيرة خاصة في مجال العلاقات والجنس. إنهن إذن (فرص) أتيحت له.. لا شخصيات من لحم ودم.نادرا ما قدم للقارئ شيئا مهما عن مشاعر تلك الفتيات اللواتي أقام علاقات معهن أو عن أفكارهن وأمالهن. أما المرات التي تحدث فيها عن المشاعر والأفكار والمشروعات لدى الآخرين فكانت عند حديثه من خلال عمله الرسمي ومن خلال التقارير عما واجهه اللاجئون من عذاب. والواقع أن من صلب مهمته تسجيل ذلك والعمل على تخفيف الويلات. وكان حديثه هنا -في غالب الأحيان- عن نساء مع أن اللاجئين لم يكونوا نساء فحسب وان كانت معاناة النساء اكبر واشد مأساوية.في حديث البطل عن أحداث سنوات ماضية ما يجعل بعض القراء يتذكر ما كان يقرأه في حينه عن حروب ومشكلات جنوب غرب أسيا في مجلة (تايم) الأسبوعية مثلاً أو ما كان يشاهده من (أخبار) سينمائية وغيرها سواء الوثائقي التسجيلي منها والفني الروائي القائم على الواقع.وهذا قد يدل على أن الكاتب استمد مواده من هذه المصادر وغيرها ومن الكتب التي وضعت عن المعذبين في جنوب شرق أسيا وعلى رأسهم لاجئو القوارب الفيتناميون وغيرهم وما تعرضوا له من عذاب على أيدي القراصنة والمغتصبين وتجار الرقيق الأبيض وغير ذلك.القارئ يشعر في الرواية بأنه في تفاعله كأنه مع تلك الكتب والأفلام أكثر منه مع تجربة الكاتب الخاصة الذي لم يكن مقنعا تماما في تقمص شخصية المسئول الدولي في هذا المجال ولم يقدم لنا تجارب شخصية بل استند إلى المعلومات من دون (نفس شخصي) مميز فيها فجاء ما قدمه لنا اقرب إلى التقريري منه إلى التجارب الشخصية الحية.الكتاب الذي صدر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت جاء في 152 صفحة متوسطة القطع وبغلاف حمل لوحة فنية جميلة لميهاي كريستي من رومانيا.وعن عنوان الرواية (بو لقلق) الذي قد يجعل القارئ العربي يتوهم أن الكاتب يستعمل كلمة عربية بإحدى اللهجات المحلية للإشارة إلى نوع من الطيور مثلا يوضح عبد الله المدني من خلال سرد شيق لأحدى مغامراته العاطفية بل الجنسية أن الكلمة تعني (وردة) باللغة الفلبينية.في البداية يحدثنا الكاتب عن البطل (خالد) ووظيفته (المهمة) فيقول انه كان في طريقه من بلده الخليجي إلى مانيلا عاصمة الفلبين لممارسة (وظيفته المحترمة التي جاءته بعد تعب ومشقة وتحصيل علمي طويل معطوفاً على مسابقات اجتازها باقتدار وجدارة وتغلب فيها على أكثر من مئة منافس من جنسيات مختلفة).إلا أننا في سياق الرواية لا نعرف شيئاً عن طبيعة هذه الوظيفة المهمة. انه ينزل دائما في أجنحة فنادق فخمة ويترأس مجموعة من العاملين الدوليين وأحيانا نراه في أعمال ومهمات منها الرفيع كالاجتماع إلى مسئولين كبار وتقديم احتجاجات وطلبات ويظهر أن لمركزه الاممي تأثيراً كبيراً في الدول المختلفة. وأحياناً يقوم بالاستماع بواسطة مترجمين إلى ماسي اللاجئين. لكنه لا يدخلنا تماما في صلب كل ذلك فيبدو كمن سمع عن هذه الأمور لا كمن عاناها وخبرها.ويشرح لنا الكثير عن الظروف السياسية والتاريخية الحربية التي أدت إلى وجود الوف من اللاجئين ويتحدث عن أفراد من هؤلاء فتبدو الحكايات متشابهة وهي مما ألفه القارئ من قراءاته السابقة.المعلومات غزيرة وعندما ينقلها إلينا أحياناً فكأنما نقرأ خلاصات لأكثر من تقرير صحفي واحد وكله مما يعرفه القارئ المطلع إلى حد ما. ويشرح لنا الكثير متغافلا في عدد من الأحيان عن أخطاء لغوية.يسرد علينا أحداثا تاريخية ليست كل تفاصيلها من ضروريات العمل الروائي. وفي ما لا يبدو انه يفيد الرواية كثيرا يشرح لنا الكاتب عن بطله خالد وكيف انه منذ كان صبيا كان مهووسا بمتابعة شؤون العالم ولم تكن غريبة على مسامعه عشرات الأسماء من شخصيات وأماكن يسرد الكاتب الكثير منها علينا.ويصف لنا بتفصيل واهتمام فنادق المدن المختلفة وما تقدمه من خدمات عديدة إحياء المدن الفخم منها وغير الفخم.في مانيلا لفتت انتباهه فتاة حسناء فسعى جهده كي يتعرف إليها ساعيا إلى تكوين انطباع جيد عن نفسه من خلال ذكر عمله ومنزلته. وفي جولة له عرفنا بعادات فلبينية وبكلمات فلبينية أيضاً خاصة تلك التي لها علاقة بجسد المرأة وبأنواع من الطعام. وبعد أن نجح في إقامة علاقة جنسية مع الفتاة التي أطلق عليها اسم (بو لقلق) أي الوردة قرر فجأة قطع علاقته بها لأنه لا يريد علاقة تقيده ولا تتناسب مع مركزه.إلا أن العقلية الشرقية تتحكم به دائما. فبعد أن أهمل الفتاة وتهرب منها وقرر الابتعاد عنها التقى احد معارفه الخليجيين الذي أعجب بها وأرادها لنفسه.. لكن حب الامتلاك مقنعا بادعاء محق هو إنقاذها من الرجل السيء جعل خالدا يسعى إلى منع ذلك دون أن ينجح.هذا نموذج. وتتكرر النماذج في أماكن أخرى دفعته السياسة والاضطرابات وظروف البلدان إليها ومنها بانكوك عاصمة تايلاند وهونج كونج وكوالالمبور عاصمة ماليزيا. ونصل إلى قصة (فتاة لوفتهانزا) أي الحسناء انجريد المضيفة في شركة الخطوط الجوية الألمانية والتي عرفها في كوالالمبور.ربطت بينهما قصة جنس ثم حب لكنها -لتردده- لم تنته نهاية جيدة فغادرت الفتاة المدينة بعد أن تواعدا على اللقاء. وعاد البطل إلى الخليج بعد نجاح وصيت كبير وقرر مع آخرين إنشاء منظمة للدفاع عن الخادمات الأجنبيات من آسيويات وإفريقيات وغيرهن معتبرا أنهن مظلومات أيضاً وضحايا لوحشية بعض أرباب وربات عملهن في البلدان العربية.وبعد زمن وتردد وحنين قرر أن يلتقي انجريد فتاة لوفتهانزا فسافر إلى نيويورك المحطة الجديدة للمضيفة الألمانية الحسناء. وبعد تصورات عديدة له عن اللقاء المرتقب نقرأ ما جرى..(نعم تقابل خالد وانجريد في نيويورك بعد فراق. كانت لا تزال رائعة الجمال ساحرة المحيا... غير إن مقابلتها لخالد لم تكن بحرارة مقابلات الأمس. كان هناك شيء قد تغير... لم تشأ انجريد أن تخدع خالدا. أخبرته أنها بعد فراقهما... وبعد أن فقدت الأمل في علاقتهما وقعت في غرام شاب يوناني.. ستقترن به قريباً).سرد جيد دون شك وقصص ممتعة مختلفة ومواقف متحررة في مجالات وكثير من المعلومات عن بلدان وفنادق وكثير من الحقائق السياسية لكن النسج الروائي ليس قائما فعلا. وشخصية خالد وحدها لا تكفي.