مديرتحرير مجلة الأهرام العربي (محمد حبوشة) في حديث عن الإخراج الصحفي :
[c1]* من الممكن أن يكون المخرج محررااً والمحرر مخرجااً ولكن لن يجيد أحدهما فن الآخر[/c]مما لاشك فيه أن الإخراج الصحفي غدا علماً وفناً له مميزاته التي يميز بها صحافة هذا العصر التي دخلت في منافسة شديدة مع وسائل إعلام واتصال أخرى لها جمهورها الواسع. فكيف اكتسب الإخراج الصحفي هذه الأهمية وما أثر التكنولوجيا في عملية تطويره، وهل يمكن أن يصبح المحرر مخرجاً والمخرج محرراً؟هذه التساؤلات وغيرها أجاب عنها الأستاذ محمد حبوشة مدير تحرير مجلة الأهرام العربي المصرية في سياق الحديث الذي أجريناه معه في مؤسسة الأهرام التي عمل فيها مخرجاً صحافياً لمدة عشر سنوات بعد تخرجه من كلية الآداب قسم صحافة عام 1986م .. فإلى التفاصيل :[c1]أهمية الإخراج الصحفيعن أهمية الإخراج الصحفي بالنسبة للصحف والمجلات تحدث الأستاذ محمد حبوشة قائلاً : [/c]هذا الموضوع طويل جداً من أجل أن أتكلم فيه يجب أن أتعرض أولاً إلى ماذا يعني علم الإخراج الصحفي والعلاقة بين الشكل والمضمون فالإخراج الصحفي علم حديث بدأ مع علم الإعلام بشكل عام وهو بشكل أو بآخر يعتمد على مجموعة من العناصر الأساسية وهذه العناصر تتعلق بالمكونات الأساسية وهي التي يستخدمها المخرج الصحفي لترجمة المادة الصحفية أو المادة المكتوبة إلى مادة مقروءة أو مرئية، وهذه العناصر تشكل جزءاً رئيسياً في عملية الإخراج بشكل عام، بالإضافة إلى عنصر الصورة، وهذا العنصر يؤدي دوراً أساسيا في توصيل الرسالة الإعلامية بشكل أو بآخر، وهناك عنصر البياض أو مسافات الفراغ التي تترك بين المواد المختلفة أو بين العمود والآخر وهناك عنصر الجداول والفواصل وعنصر اللون وهذه العناصر مجتمعة على بعضها تشكل الأسس النظرية لعملية الإخراج الصحفي ويتم من خلالها ترجمة المادة الصحفية إلى شكل صفحات كما نراها في الصحف والمجلات وغيرها من وسائل الإعلام وطبعاً الإخراج لا يقتصر فقط على الصحف والمجلات، ولكن هناك مطويات وهناك ما يسمى بـ "الدلائل" وغيرها من وسائل النشر، أما إذا تحدثنا عن الكتاب الذي له علاقة شديدة بموضوعنا فقد كان الكتاب إلى حد قريب جداً فناً يقتصر عليه علم الإخراج باعتبار انه حتى منتصف الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي لم يكن هناك علم الإخراج الصحفي بمعنى أصح، وبالتالي بعد هذه الفترة تم تطوير الأسس التي تحدثنا عنها، فإذا تحدثنا عن كل عنصر سنجد أن له رحلة طويلة مع التطور التكنولوجي.وأتصور أن العلاقة المباشرة بين الشكل والمضمون تعود إلى فكرة أن هناك علاقة وثيقة بين الشكل والمضمون، فكلما كانت العناصر واضحة تم توصيل أو وصول الرسالة الإعلامية إلى المتلقي بشكل سليم وإذا حدث خلل في هذه العناصر أدى إلى وجود تشويش في عملية وصول الرسالة الإعلامية إلى المتلقي.[c1]ولكن كيف يمكن للمخرج الصحفي أن يتعامل مع هذه العناصر بما يتناسب وفكرة التذوق الفني بالنسبة للقارئ؟[/c]- كلما كان المخرج الصحفي أو سكرتير التحرير يتعامل مع هذه العناصر بشكل أو بآخر بصورة توضح الرسالة الإعلامية بمعنى أنها تعكس المضمون، هذا ينعكس على القارئ بشكل إيجابي بمعنى أنه يقبل على جريدة أو أحيانا ربما يشعر بالضيق من ناحية معينة أو يشعر أن عملية القراءة تسهل في هذه الجريدة عن جريدة أخرى. والتفسير الحقيقي لها إن العناصر التي استخدمها المخرج الصحفي أدت إلى إيجاد صورة سلبية وبالتالي لا تتم القراءة بسهولة ومن هنا تتضح أهمية علم الإخراج الصحفي بالنسبة للصحف والمجلات، وبالتأكيد فان المسألة الفنية فعلاً تعتمد على فكرة التذوق الفني لهذه الرسالة بمعنى انه إذا كانت الجريدة فيها مساحات فراغ أكبر واستخدمنا العناصر الأساسية في عملية الإخراج في توضيح فكرة المضمون وشعر الفرد بنوع من الراحة والاستمتاع وهذا بالتالي ينعكـــس عـــلى قراءته ويخفــــف ما يسمى بالانقـــــرائية وهي "صعـوبة القراءة".[c1]أثر التكنولوجيا على الإخراجكيف أثرت التكنولوجيا على علم الإخراج؟[/c]- كنا نعاني إلى فترة قريبة جداً من أن التكنولوجيا المستخدمة غير كافية لإبراز العناصر الأساسية في الموضوعات ولكن في ظل وجود منافسين آخرين في عملية النشر الورقي أو ما يسمى بالصحافة التكنولوجيا وكنا أيضاً إلى وقت قريب لانستخدمها وتقنية النشر الالكتروني لم تكن موجودة حتى بداية أو منتصف الثمانينات مع دخول عصر الكمبيوتر واستخدامه في عملية الطبع والتصميم والمونتاج وغيرها من الأعمال التي تدخل تحت بند علم الإخراج الصحفي، وحتى هذه اللحظة لم تكن هناك عناصر متطورة تؤدي إلى تقريب المسافة بين الشكل والمضمون.[c1]مع دخول منافسين كثر على الساحة الإعلامية، هل تعتقدون ان الإخراج الصحفي للصحف والمجلات يمكنها من الوقوف في حلبة المنافسة؟[/c]- أعتقد أن مع تطور التكنولوجيا ودخول الكمبيوتر ومنافسين آخرين مثل الفضائيات وما يسمى بعملية "التقريب في الميدان" بين وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة كل هذا التداخل الذي حدث أدى إلى ما يسمى بتطور مهم في عالم الطباعة وعالم النشر وينعكس ذلك على الصورة وعلى شكل الحرف وعلى مساحات الفراغ المستخدمة وينعكس على عناصر الإخراج بشكل عام، وكان الحرف العربي قبل ذلك يعاني من صعوبات كبيرة جداً، ولذلك كانت بيننا وبين الحرف مسافة طويلة حتى تم تطويره، حتى أننا نلاحظ أن التطورات الموجودة في الحرف تنعكس على شكل الثقافة العربية، أو نقل الثقافة العربية، بمعنى أن الحرف العربي وعدم دخوله إلى الكمبيوتر من فترة بعيدة أدى إلى التخلف الثقافي للإنسان العربي على سبيل المثال نجد أن اللغة العربية واحدة من ضمن عشر لغات تمثل 5% من شبكة الانترنت، بينما اللغة الانجليزية تمثل أكثر من 85% وهذا على سبيل المثال، وهناك لغات أخرى تتفوق على اللغة العربية.. وبالتأكيد فان علم الإخراج لكي يصبح له أهمية كبيرة فلابد للعناصر الأساسية التي نعتمد عليها أن تكون متطورة وكما قلت فإن الحرف العربي والتراجع الذي حدث فيه أدى إلى نوع من التراجع في الثقافة وإلى نوع من التراجع في المعرفة على شبكة الانترنت وبالتالي أدى إلى تخلف الإنسان العربي وعدم دخوله فيما يسمى "بمنظومة المعلومات الدولية" أو شبكة المعلومات الدولية التي بالتأكيد تؤدي إلى التقريب بين الثقافات المختلفة أو تنقل على الأقل التراث الثقافي العربي إلى العالم الخارجي.[c1]مدارس الإخراج العربيةتعد مصر ولبنان من الرواد في عملية الإخراج الصحفي، وتعد كل مدرسة منفصلة عن الأخرى، ثم شهدت المنطقة العربية تطورات عديدة في المدارس الإخراجية، برأيكم هل استطاع الحاسوب أن يقرب بين هذه المدارس ويجمعها في مدرسة معينة؟[/c]- في الواقع كانت في العالم العربي مدرستان إذا حصرنا هذه المسألة وهي المدرسة المصرية والمدرسة اللبنانية للإخراج، ثم أتت بعد ذلك مجموعة من المدارس الخاصة بالدول العربية المختلفة وكل بيئة لها تقاليد فمثلاً المدرسة اللبنانية تعتمد على مساحات فراغ أكبر والمدرسة المصرية تعتمد على فكرة ضغط المواد بشكل مكثف، تصور أنه إذا حصل تطور في استخدام الكمبيوتر الذي انعكس على شكل الجرائد أو المجلات العربية فلم يعد هناك مدرسة مصرية أو مدرسة لبنانية أو يمنية أو كويتية وأصبح الكمبيوتر يقرب هذه المسافات كلها على بعضها، وأكدنا على مرحلة ما يسمى بالإخراج الوظيفي أو الإخراج الذي يعتمد على المضمون، بمعنى أن المضمون هو الذي يقود إلى شكل وليس العكس.. وان التطور الذي حصل في التكنولوجيا قرب المسافة بين الحروف وبعضها، يعني أن الحروف كلها متشابهة، ونجد أن المعالجات الموجودة من خلال برنامج واحد وهو "الفوتوشوب" للصور متشابهة وبالتالي أصبح علم الإخراج علماً منظوراً بحكم تطور التكنولوجيا، وأتصور انه حتى هذه اللحظة "إن الصحف العربية رغم تطورها الكبير تعاني من فكرة دمج الشخصية الأدبية بمعنى أننا إذا فتحنا كثيراً من الجرائد المغلقة نلاحظ أنها تساوي بعضها أو تتشابه مع بعضها، بمعنى أن الكمبيوتر احدث ثورة كبيرة جداً، لكن أفقد الهوية العربية لكل بلد حتى أصبحت الجرائد عديمة الشخصية، بمعنى انه لم تعد هناك إلا فروق بسيطة جداً فمثلاً إذا قارنا بين جريدة الأهرام والأخبار والجمهورية في مصر، نلاحظ أنها تتشابه جداً أو تستخدم التكنولوجيا نفسها أو مصدر التكنولوجيا قريبة من بعض الدول، فلم تعد هناك خصوصية بالشكل أو الملامح.وحتى في فترة السبعينيات والثمانينيات كانت معظم الصحف العربية تعتمد صفحاتها على الخط الديواني أو الخط النسيخ أو خط الرقعة، وكذلك الألوان بحيث تصبح الجريدة ذات شخصية مختلفة ومستقلة عن الأخرى، وأضاف قائلاً: "إن معاملة المخرج الصحفي على أنه من الدرجة الثانية ليست على درجة المحرر نفسها، هذه الأشياء كلها أثرت بشكل أساسي على أن تكون هناك شخصية أو ملامح".[c1]المحرر والمخرجهل تعتقدون بالإمكان أن يكون المحرر مخرجاً والعكس صحيح ؟[/c]- بالتأكيد نعم، لان المهنة واحدة وبداية الدراسة واحدة فمن الممكن أن يكون المحرر مخرجاً والمخرج محرراً ولكن مع العلم أن احدهما لن يجيد فنون الأخرى بمعنى انه لابد أن يشغل وظيفة محددة ولابد أيضا أن تكون لديه خبرة ومن ثم يتحول المخرج إلى محرر والعكس ولكن هذا لا يتوافر لمعظم الناس، تلجأ بعض الصحف إلى فكرة أن يكون المخرج محرراً والمحرر مخرجاً من أجل توفير جزء من الوقت من أجل تنفيذ بعض الصفحات وبالتالي هذا في النهاية يعود إلى فكرة المحرر.[c1]كلمة أخيرة :[/c]في ختام حديثه معنا أكد الأستاذ محمد حبوشة أهمية أن يعكس الإخراج الصحفي الاهتمام برغبات القراء من خلال إبراز بعض الموضوعات التي تهم القارئ والعمل على جعل الصفحة الأولى سهلة القراءة بالإضافة إلى إكسابها شكلاً إخراجياً أكثر حداثة.