الزمان له أهمية محورية في حياة الإنسان، وكذلك المكان. عندما يتقدم الإنسان لطلب وظيفة عليه أن يحدد تاريخ ومكان ميلاده حتى قبل أن يحدد مؤهلاته وخبراته! وإذا كان المرء لايتحكم في مكان ووقت ميلاده إلا أن والدته إذا كانت لديها الإمكانيات ربما استطاعت أن تتحكم في مكان الميلاد بالسفر إليه قبل الوضع وهذا ماتفعله بعض الأسر من دول الكومنولث بالسفر إلى بريطانيا ليحصل المولود على الجنسية البريطانية حسب قوانين ذلك البلد وقد تنبه البريطانيون إلى ذلك فحاولوا إجراء بعض التغييرات على القانون.والشيء الوحيد الذي يتفق عليه جميع الناس باختلاف عقائدهم وأشكالهم وألوانهم ولغاتهم هو إنهم سيموتون.بعضهم في الماضي بحثوا عن إكسير الحياة الذي يمنحهم الخلود –ومنهم جنكيز خان- ولكن ذلك الوهم قد تبدد منذ زمان بعيد. والمرء لا يعلم متى وأين سيموت. يقول تعالى" وماكان لنفس أن تموت إلا بإذن الله" ويقول" وماتدري نفس بأي ارض تموت" صدق الله العظيم.والحديث عن الزمان والمكان في النقد الأدبي كثير ولا ادري من استحدث كلمة" الزمكان" المشكلة من الكلمتين ولعله احد النقاد العرب المعاصرين الذي خانه الحظ أن يسجل لنفسه هذا الابتكار ولا اظنه اقتبسه من الأجانب وان كنا في زمن لانكاد نبتكر فيه شيئاً بل نكتفي ان نعيش عالة على غيرنا.وعندما كان الشاعر الجاهلي يقف على الأطلال في مطلع قصيدته فانه كان يتذكر ويأسى على المكان والزمان في أن.وعمر الإنسان محدود، وكما قال شوقي:دقات قلب المرء قائلة له [c1] *** [/c] أن الحياة دقائـق وثوانولكن نوعية الحياة تختلف من شخص إلى آخر. أسامة بن زيد أمره الرسول صلى الله عليه وسلم على جيش لملاقاة الروم وهو دون العشرين وفي الجيش كبار الصحابة ومنهم ابوبكر الصديق وعمر بن الخطاب وكان قبل ذلك بعامين قد أمره على سرية للقاء المشركين ذلك لان دقائق وثواني أسامة كانت مليئة بالجد والخير كثير من شبابنا اليوم وقد جاوزوا سن أسامة يقضون أيامهم في المقاهي والأمور العبثية ولايستيطون إن يقودوا جيشا بل ولاحتى أنفسهم. وكما قال صلى الله علية وسلم " لاتزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه.."وفي علم الإدارة الحديثة يدرسون مساقات في إدارة الوقت لان الوقت ربما كان أهم مورد يعطيه الله للإنسان. والمسلم الملتزم بأوقات الصلاة المفروضة يجد وقته مقسم إلى خمسة أجزاء مما يجعل تنظيم الوقت أكثر سهولة والعمر مهما طال في الواقع قصير جداً عند مقارنته بالحياة الأبدية في الآخرة. والحياة مثل الامتحان الذي يدخله الطالب لهنيهة قصيرة ثم يحصل على الشهادة لبقية حياته أن نجح.والزمان والمكان، أو الوقت والمسافة، عاملان أساسيان في علوم مثل الفيزياء. وحسب نظرية انيشتاين فان قانون نيوتن للجاذبية نظرية غير ضرورية ففي عالم ثلاثي الإبعاد(أي أبعاد مكانية) يكون الصاروخ الواقف على سطح الأرض متوقفا لأنه غير متسارع أو غير متعاجل. ولكن في عالم رباعي الإبعاد( أي الإبعاد المكانية الثلاثة زائداً البعد الزمني) ماجاء به انيشتاين في نظريته- فالصاروخ في الواقع متحرك، على خطه الكوني.. مع الكرة الأرضية.والمكان يمكنك ان تغادر ثم تعود إليه وان كان في الحقيقة قد تغير ولو بشكل لاتلحظه قال الفيلسوف الإغريقي القديم هيراكلايتوس انك لاتستطيع أن تدخل النهر مرتين وذلك صحيح لان الماء الذي تلمسه في المرة الثانية غير الذي لمسته في المرة الأولى. لقد زرت أماكن في حياتي كنت قد سكنت فيها قبل ذلك بعقدين او ثلاثة بل أكثر وشعرت بالدموع في عيني يقول د. محمد عبده غانم:عبثا افتش عن شبابي [c1] *** [/c] في الازقـة والزواياولى مع الزمن الشريد [c1] *** [/c] فكل أحلامي وراياوالحقيقة إنني لاحظت الفرق في تلك الأماكن أو في بعضها بعد كل ذلك الزمن، ولكن كل شيء في كل مكان في الواقع يتغير كل لحظة حتى الجماد فكل شيء يتحرك وكل الذرات والالكترونات والكوارك يتحرك ولعله يسبح " وان من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لاتفقهون تسبيحهم : صدق الله العظيم.إما الزمان فلا يمكن العودة إلى الوراء فيه وإما ماكتبه هـ.ج. ويلز عن آلة الزمان وماكتبه غيره من قصص الخيال العلمي فمجرد أوهام وخيال يقول نزار قباني:[c1]أتيت من رحم الأحزان ياوطنياقبل الأرض والأبواب والشهباحبي هنا وحبيباتي ولدن هنافمن يعيد لي العمر الذي ذهبا[/c]ويقول عمر الخيام في إحدى أشهر رباعياته التي ترجمتها شخصياً عن ترجمة معروفة للشاعر الانكليزي فتزجرالد.[c1]ان كف الأقدار تكتب سطرثم تمضي إلى سطور أخرىليس تمحو منها الدموع الحرىأيما كلمة ولويسلن نهرا[/c]وكثيراً مايسب الشعراء الزمان فقال الشاعر رداً على ذلك: نعيب زماننا والعيب فينا [c1] *** [/c] ومالزماننا عيب سواناوهو قول يؤكده أبو الطيب المتنبي:كلما انبت الزمان قنـاة [c1] *** [/c] ركب المـرء في القناة سناناإما عن المكان فصاحبنا المتنبي يقول:اعز مكان في الدنى سرج سابح [c1] *** [/c] وخير جليس في الزمان كتـاب وكم منا في العالم العربي يقرأ أو يشتري أو يستعير كتابا. يقول تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2003 من إعداد برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، إن إنتاج الكتب في البلدان العربية لم يتجاوز 1.1% من الإنتاج العالمي على الرغم من أن العرب يشكلون 5% من سكان العالم. ويذكر التقرير(نقلا عن شوقي جلال) ان الإجمالي التراكمي للكتب المترجمة في العالم العربي منذ عصر المأمون حتى 1999 بلغ نحو عشرة آلاف كتاب وهو يوازي ماتترجمه اسبانيا في عام واحد فقط!! ومتوسط عدد الكتب ماتترجمه لكل مليون من السكان في العالم العربي اقل من كتاب واحد لكل مليون شخص بينما يبلغ نحو 920 كتاباً لكل مليون في اسبانيا وكنا نحن من نقلنا الحضارة إلى اسبانيا. ولن أتحدث عن الأرقام الخاصة بالكيان الصهيوني فهي بالمئات فلاغرو ان يدوخنا هذا العدو الصغير العدد كل هذه العقود بصرف النظر عن العوامل الأخرى. وهكذا أصبح بعضنا يقول" امة أقرا لا تقرا " وهم محقون فيما يقولون.والوقت او الزمن محدود ليس فقط للفرد منا، بل للبشرية جمعاء. في صحيح البخاري عن سهل بن سعد" رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بإصبعيه هكذا بالوسطى والتي تلي الإبهام: بعثت والساعة كهاتين" وقال:صلى الله عليه وسلم:" أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم" ولو نظرنا حولنا في البلدان العربية اليوم لرأينا الكثير منها، صدق رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام.. ويكفي ان نشاهد العراق واذكر أنني كنت في شبابي في بريطانيا أرى من حين إلى آخر شخصاً يحمل لوحة تقول ان نهاية العالم قربت أو أن المسيح قرب مجيئه . كنت أرى مثل ذلك الشخص في ثياب اقرب إلى الرثة في الساحات العامة مثل الطرف الأغر بلندن أثناء دراستي هناك في النصف الأول من الستينيات من القرن الماضي. ورأيت مثل ذاك الشخص أكثر من مرة في مدينة كارديف في منتصف الثمانينيات عندما كنت احضر الدكتوراه وكان دائماً يتخذ لنفسه منتصف شارع الملكة المكرس للمشاة فقط وهو أجمل شارع في المدينة في رأيي.وقد رأيت في عدة مدن أوربية شارعا مهما مخصصا للمشاة، فقط يكون عادة أجمل أو من أجمل شوارع المدينة.. وليت الدول العربية يتخد لنفسها مثل تلك الشوارع في كل مدينة كبيرة أو حتى صغيرة وفي ذات يوم كنت في ذلك الشارع في كارديف وأنا على عجل من أمري لارتباطي بميعاد فاقبل ذلك الرجل ومد لي وريقة أو مطوية فأخذتها منه لأقرأها فيما يعد فانا محب للاطلاع، ربما اخدتها مجاملة، ولكنه استوقفني سائلاً أن كنت أريد أن أؤمن بالمسيح لأحظى بالخلاص فقلت له:" إنني أؤمن بالمسيح" فقال لي: "هل أنت مسيحي أم مسلم" فقلت له: " بل مسلم" فأراد أن يدخل معي في حوار ليقنعني بمعتقده، وكان سيسعدني أن أحاوره.
|
ثقافة
الزمكان
أخبار متعلقة