قالت إنّها تتصفح "14 أكتوبر" يومياً على الانتر نت قبل أي صحيفة عربية أخرى
رام الله /14 أكتوبر/ وداد البرغوثي :اعتدت منذ أكثر من شهر تقريبا أي منذ بدأت صحيفة 14 أكتوبر تظهر على الانترنت أن أقلب صفحاتها يوميا، قبل الصحف الفلسطينية- ليس من قبيل المزايدة ولا الإدعاء لكن لأن الصحافة الفلسطينية لا تنزل على الانترنت قبل العاشرة صباحا- لكني أتصفح 14 أكتوبر قبل أية صحيفة أخرى لأن ثمة ارتباطا روحيا باليمن واليمنيين يدفعني إلى ذلك.ولعل أول ما لفت نظري على الصفحة الأولى الأحد الموافق 29\1 موضوع بعنوان رام الله ستتحول إلى عبدالله..... بعد فوز حماس.وكوني ابنة رام الله وبعيدة عنها منذ أكثر من أربعة أشهر في روسيا فقد سارعت للقراءة بلهفة وبشيء من الخوف. لكني تنفست الصعداء لما أدركت منذ الأسطر الأولى أن الموضوع يندرج في باب النكتة السياسية التي تمثل دائما التعبير الأسرع والأبرع وربما الأصدق عما يدور في دخيلة مطلقيها،عن أي متغير سياسي ، ليس لدى شعبنا الفلسطيني فحسب بل ولدى الشعوب كافة.لكني أقول "أن حماس لن تحول رام الله إلى عبدالله .. ولا أتوقع أن تكون حماس عند سوء ظن مطلقي النكات. وأقولها دون أي شعور بالخوف أو القلق لفوز حماس ذلك الشعور الذي انتاب الفتحاويين واليساريين والنساء المدافعات عن قضايا المرأة.ورغم انتمائي لليسار طيلة عمري وعملت كثيرا مع مؤسسات المرأة في فلسطين إلا أنني لا أحس بهذا الخوف لعدة أسباب: فحركة حماس ليست حركة طارئة على نضال الشعب الفلسطيني وأدركت وتدرك بتجربتها أن فوزها كان استحقاقا نضاليا لدورها المقاوم ومكافأة لها على هذا الدور.فالحركة التي وجدت منذ عدة عقود باسم حركة الإخوان المسلمين ظلت عقودا على هامش الحياة السياسية والعمل الوطني الفلسطيني حتى انطلاقة انتفاضة سبتمبر عام 1987، وتحولت من الإخوان المسلمين إلى المقاومة الأسلامية، وهذا التحول لم يأت في الأسم فقط ولكن من خلال العمليات النوعية التي كبدت العدو خسائر فادحة.إذن تدرك الحركة وندرك جميعا أن فوزها كان استحقاقا لدور نضالي لا لدور ديني. وهو الحكم والفيصل. فحماس في ملعب السياسة تلعب بشكل صحيح.وتدرك أنها تقود شعبا لا ينقاد لقيادة " تشبعه"شعارات براقة بل ينقاد لقيادة تقوده إلى درب النضال و التحرير. تبقى القضية أن أية سلطة ستظل مكبلة بقيود أوسلو وهنا يمكن أن توضع حركة حماس على مفترق طرق بين أن تختار النضال وبالتالي تقبر أوسلو إلى الأبد ، وإما أن تختار طريق أوسلو وبالتالي لن تختلف عن سلطة فتح سوى بتزمتها الديني الذي لن يجد القبول والرضا لدى الشعب الذي كافأها على نضالها.من يقرأ نتائج الانتخابات المحلية يدرك أن حماس " تشتغل سياسة صح" ولعل تجربتها في مدينة رام الله بالتحديد أنصع مثال. فقد تحالفت الحركة تحالفا من منظور المصلحة العامة الوطنية لا من المنظور الديني، ذلك التحالف الذي أدى إلى فوز المرأة الوطنية المسيحية جانيت ميخائيل برئاسة البلدية.ومن خلال تجربة شخصية لي مع عدد من الحمساويين العائدين من منفاهم في مرج الزهور عام 1993 أستطيع القول وقلت في حينها أن حماس " تشتغل سياسة صح" .فقد كلفني المكتب الصحفي الذي كنت أعمل فيه آنذاك بكتابة القصص المختلفة للعائدين من مرج الزهور في الجنوب اللبناني. للأمانة أقول أنني ترددت كثيرا قبل القبول بالأمر. فثمة رغبة شخصية وصحفية أكيدة في الإطلاع على هذه التجربة الجديدة والفريدة والسبب في ذلك التردد أنني امرأة سافرة الرأس.وألبس فستانا عاديا محتشما لكن لا يراه شيوخ حماس مقبولا. حسمت التردد وقررت الذهاب. والتقيت مع تسعة منهم في تسعة لقاءات مختلفة، إضافة إلى التقائي بآخرين بالمصادفة حلوا ضيوفا على بيوت المبعدين العائدين التي زرتها. وأذكر مثلا على ذلك الشيخين الشهيدين جمال منصور وجمال سليم اللذين اغتالتهما القوات الصهيونية في مدينة نابلس في الانتفاضة الحالية ، كانا في ضيافة الشيخ حسين أبو كويك الذي اغتال الاسرائيليون زوجته وثلاثة من أطفاله في رام الله.وناقشت بعض الذين قابلتهم في قضايا مثل الحجاب وغيرها. أكثر من واحد منهم أكدوا أن هذه المسألة "يحسبونها سياسيا " وضرب لي أحدهم مثلا، قال: كنا في مرج الزهور نستقبل يوميا العشرات من ممثلي وسائل الإعلام العربية والأجنبية وكانت غالبية هؤلاء الإعلاميين من النساء. وكانوا يقضون بيننا أياما وينامون في الخيام. وظلت قضيتنا كمبعدين حية عبر وسائل الإعلام بحيث لا تخلو منها نشرة أخبار. بعد اليوم السادس والخمسين، بدأ الصدى الإعلامي للقضية يخفت وبدأنا نحث الإعلاميين على الاهتمام أكثر. وصادف أن إحدى الصحفيات كان ذراعاها عاريين فناولها أحد الشيوخ المتعصبين كوفية لتضعها على كتفيها، فجفلت وغادرتنا ولم تعد.وهنا كان علينا أن نفكر، ما الذي يخدم قضيتنا أكثر .هل هروب الصحفيين منا أم وجودهم معنا. واجتمعنا وقررنا ألا نتدخل في أمور الصحفيين الشخصية، لأن بقاء القضية حية في الإعلام أهم كثيرا من لباس الصحفية. وكان عمر حماس في حينها خمس أو ست سنوات واستطاعت أن تقرأ الدرس جيدا ، فما بالكم بعد أن اشتد عودها خلال 18 عاما من النضال؟ ومبعدو مرج الزهور لم يكونوا أفرادا أو عشرات بل كانوا أكثر من 400 من القادة والكوادر، وكان المرحوم الشهيد عبد العزيز الرنتيسي والدكتور محمود الزهار اللذين كانا من أبرز قادة حماس ورموزها من بينهم. النكتة السياسية موجودة دائما ، ولعل الرئيس الراحل ياسر عرفات رحمه الله كان من أكثر الرؤساء الذين قيلت فيهم النكات . فتح حكمت عشر سنوات لم تتحول فيها رام الله إلى فتح الله ولن تحولها حماس إلى عبد الله. اللهم إلا إذا بطرت حماس بالسلطة . لكن لا أعتقد أنها ستكون أكثر بطرا من فتح.المحرر : نشكر الأديبة والأكاديمية الفلسطينية المعروفة وداد البرغوثي على مشاعرها الرقيقة تجاه الصحيفة وتقديرها العالي لانتظام عملية تحديث موقع الصحيفة على الانتر نت في منتصف كل ليلة.. وهو تقدير للجهود التي يبذلها المحررون والعاملون في الصحيفة وفي مقدمتهم الطاقم الفني الذي يشرف على إنزال الصحيفة على الانتر نت، ويحرص على التزام المواصفات الفنية العالمية عند تحديث الموقع في منتصف كل مساء.